تقف في مقدمة اهمية المكان قدرته الكبيرة في التحول الى ابعاد فكرية متنوعة تضيف معاني جديدة للحدث وتحريك وتفعيل كا ما هو ساكن وثابت المعنى ونقل الدلالات التعبيرية من موقعها الثانوي الى المواقع المتقدمة في البناء الفكري للعمل الابداعي.
ولان السينما فنا شموليا استطاع ان يستوعب كل منجزات ومكونات العملية الابداعية للفنون القديمة الاخرى مثل المسرح والموسيقى والشعر، فانه ـ الفن السينمائي ـ استطاع ان يتالق في ذات الوقت متخذا لذاته شكلا جماليا خاصا به جعله ينتج مسارات حديثة اعطت الكثير من الامكانيات التي لم تستطع بقية الفنون الاخرى الارتقاء اليها، وفي ذات الوقت دفعت السينما الفنون الاخرى للبحث عن صيغ جديدة تتلائم مع نهوضها وتطور اساليبها الخاصة.ويكفي ان نستذكر الاحتدامات التي حصلت ما بين الفنون في منتصف القرن الماضي، التي اراها ضرورة حضارية خدمت الحركة الجمالية لكل الفنون واعطتها زخما كبيرا من التقدم والابتكار، ولولا ذلك لما وصلت اليه كل هذه الابداعات الرائعة للفن والادب معا.
فاذا كنا قد فهمنا السينما بقدريتيها الذاتية والموضوعية بانها قادرة كل الاقتدار على تصوير (البعد في الزمن مع البعد في المكان) فانها بهذا المنجز جسدت خصوصيتها وتفردها عن المتطلبات الابداعية للفنون الاخرى .فهي اكدت عبر تفاعلها التطبيقي بانها لا تقف عند حد ثابت كما انها لا يمكن ان تعيش عند حد المطلق، لان كل تلك العلاقات القائمة بين البعدين تكون متغيرة في الكثير من الحالات الطبيعية والتجريبية. فالسينما قادرة ،عبر اشكال متنوعة، ان تجعل من الزمن بعدا من ابعاد المكان، كما هو الحال عندما نؤكد على ان المونتاج يتصف بالجمالية الابداعية فهو ايضا ينتقل من الوصف الى التاكيد على التعبير، وهذا يوصلنا الى فهم جديد هو ان المكان يتجه في الكثير من الحالات الى التعبير عن انماط نفسية عديدةمثل الخوف،الشك، التحفظ، مثلما تشير الدراسات السايكولوجية والانثروبولوجية الى ان الكائنات الحية ضمن بقعة معينة (مكان) تشعر بامتلاك الفضاء وفقا لنظام قدرتها في القوة.. لذا نجد ان تجاورية المكان واهمية انماطه تكشف المسافات القائمة بين الفضاء والشخصيات.. ولاجل وصول الاستنتاجات الى النظرية الوضعية يتوجب تقريب الاشياء المشار اليها وحل الالغاز والرموز.ولناخذ على سبيل المثال نوع من المسافات الي نطلق عليها تسمية المسافات الصميمية المتجسدة عبر اللقطة الاكثر قربا من المكان والشخصية، او انها تتحرك نحوها بسلاسة (هنا ليس المقصود اللقطة الذاتية، بل هي لقطة موضوعية يراها المخرج بعين المشاهد) بمعنى ينتقل شعور الكاميرا الى شعور المشاهد.. وقامت هذه الدراسات بتحديد مسافات معينة خصصت لتلك الانماط التي يمكن تحديدها على الشكل التالي: انماط صميمية، انماط شخصية، انماط اجتماعية، انماط عمومية.. وقد اشارت الدراسات ايضا الى ان هذه الانماط بحسب مسافاتها تختلف من حضارة الى اخرى ومن شعب الى شعب اخر اعتمادا على تطورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وعلى تقدمها الحضاري، وملخص ذلك انه كلما اتسعت المسافة ما بين الموضوع (المكان المراد تصويره) ويسمى موقع التصوير والكاميرا (المسافة ما بينهما) تصبح الافكار الناتجة من هذا التفاعل هي نتائج حيادية، اي ان المكان يحمل معنى استقلال عاطفي اضافة الى وجود تحفظ ذهني. لهذا وضعت السينما عبر مراحل تطورها مجموعة من المباديء والقوانين للمكان، ويمكن ان ندرج بعض من مستوياته وهي: المستوى الدرامي، المستوى الفكري، المستوىالتشكيلي، مستدين هذا الاستنتاج من ان للمكان ابعاده المادية والنفسية والاجتماعية باعتباره شخصية قائمة بذاتها، ولانها بناء تحتي للاحداث اضافة الى شكل المكان وموقعه، يصح على ضوء تلك الاستنتاجات ان نقول ان المكان وسط تعبيري رمزي، كما هو الحال مع الفضاء فهو وسيلة تعبيرية ( تستجيب بها الى الموجودات والاجسام ضمن مساحة معلومة وهي مصدر ثابت للمعلومات في الحياة العامة وكذلك في الفن. فالسينما (التي تعد فن المكان) تنظر الى طبيعة المكان والى حجمه وحركته، وهذه عناصر يتفاعل معها الممثل في اي مكان معلوم يمكنه ان يشكل افكارا انسانية تعالج الكثير من الاشكاليات التي تتناولها السينما.
تنظر السينما للمكان من زاوية خاصة بها التي يمكن ان نطلق عليها تسمية عمق الميدان للصورة.
ان هذا الجانب الابداعي كثيرا ما تهتم به السينما واستطاعت عبر تحولاتها الكثيرة والمتلاحقة ان تجعل منه اضافة جديدة للانماط الفكرية التي يتمتع بها، لان عمق ميدان الصورة وحركة الكاميرا يتبادلان المواقع مع المونتاج حيث تمت معالجة المكان باشكال متعددة، وقد ظهر هذا جليا في اعادة بناءه او ربطه بمجمل حركة الحدث وتتابع اماكن ثانوية يتم توظيفها مونتاجيا لتعطي للصورة ابعادها المكانية من الناحيتين الجمالية والتركيبية.
ان تركيب تلك الكتل والخطوط والاحجام والاشكال وخلق العلاقات المكانية تنتج لنا صورة قادرة على دعم المستويات الدرامية والنفسية والاجتماعية بافكار تدفع نحو الامام بالحدث والشخصيات ولتجعل المشاهد عنصرا فعالا وحيويا في المشاركة بكل التنويعات الفعلية التي تقدمها الشاشة وان كانت الاحجام والمساحات نسبية، الا انها قادرة على خلق تنويعات في ايصال المعلومات عبر العلاقات المكانية وان كانت متغيرة ما بين لقطة ولقطة. وهذا ما نطلق عليه تطويق المشاهد وسحبه اراديا ولا اراديا الى عالم المكان وجعله يتحرك طبقا لحركة الفيلم حتى يصبح المشاهد جزء من واقعية المكان وان كانت تحيطه جماليات التكوين والميزانسين والعناصر الاخرى الداخلة في صناعة اللقطة، وفي تصوري الخاص ان هذه السمات الاخراجية تختلف من مخرج لاخر وكذلك من اسلوب الى اسلوب اخر، فلا يمكن ابدا ان تنطبق هذه السمات على الاسلوب الانطباعي والواقعي في ان، لان لكل منهما ما يميزه عن الاخر.
ولتوضيح عمق ميدان الصورة الذي يدخل ضمن العملية الابداعية للاخراج من الضروري الاشارة الى اسلوبين في هذا المجال: الاسلوب الاول وهو يعمل على تداخل ضمني ملحوظ ما بين الشخصيات والديكور وذلك عبر استخدام لقطات طويلة زمنيا، مصحوبة بثبات الكاميرا. والهدف من وراء ذلك اعطاء مجال اوسع للمشاهد لاستقراء الصورة والدخول الى عوالمها الخفية وتحليل رموزها واهدافها من اجل خلق صلة ما بينه وبين الصورة بكافة محتوياتها، هذا يظهر لنا ميل هذا الاسلوب الى تقوية وتمتين الدراما السايكولوجية لاجل خلق احاسيس الوحدة و الكآبة والاحتباس . يتصف هذا الاسلوب بشكل واضح بصفات الاسلوب المسرحي، حيث يظل الميزانسين ثابتا، غير متحرك بسبب الاعتماد على زاوية واحدة وحجم واحد لكل اللقطات، لان المشاهد مستقر في مكان رؤية ثابتة غير متحركة وعلى مستوى واحد من حيث المسافة القائمة ما بين الصالة والخشبة.
اما الاسلوب الثاني فهو يعالج ابعاد عمق الميدان حيث يكون العمل اقرب الى المنظور في اللوحة التشكيلية.. والهدف الاساس الذي ينطلق منه المخرج هوتصعيد العمق الدرامي، فالاخراج يكون هنا تركيبي يعتمد على التنقلات من لقطة الى اخرى طبقا لاحجامها ولحركة الكاميرا وجعل المسافة محسوسة وتحديد علاقاتها مع الشخصيات، حتى ان الكثير من المخرجين قاموا باستخدام عمق الميدان وحركة الكاميرا تعويضا فعالا عن المونتاج.
ولان السينما فنا شموليا استطاع ان يستوعب كل منجزات ومكونات العملية الابداعية للفنون القديمة الاخرى مثل المسرح والموسيقى والشعر، فانه ـ الفن السينمائي ـ استطاع ان يتالق في ذات الوقت متخذا لذاته شكلا جماليا خاصا به جعله ينتج مسارات حديثة اعطت الكثير من الامكانيات التي لم تستطع بقية الفنون الاخرى الارتقاء اليها، وفي ذات الوقت دفعت السينما الفنون الاخرى للبحث عن صيغ جديدة تتلائم مع نهوضها وتطور اساليبها الخاصة.ويكفي ان نستذكر الاحتدامات التي حصلت ما بين الفنون في منتصف القرن الماضي، التي اراها ضرورة حضارية خدمت الحركة الجمالية لكل الفنون واعطتها زخما كبيرا من التقدم والابتكار، ولولا ذلك لما وصلت اليه كل هذه الابداعات الرائعة للفن والادب معا.
فاذا كنا قد فهمنا السينما بقدريتيها الذاتية والموضوعية بانها قادرة كل الاقتدار على تصوير (البعد في الزمن مع البعد في المكان) فانها بهذا المنجز جسدت خصوصيتها وتفردها عن المتطلبات الابداعية للفنون الاخرى .فهي اكدت عبر تفاعلها التطبيقي بانها لا تقف عند حد ثابت كما انها لا يمكن ان تعيش عند حد المطلق، لان كل تلك العلاقات القائمة بين البعدين تكون متغيرة في الكثير من الحالات الطبيعية والتجريبية. فالسينما قادرة ،عبر اشكال متنوعة، ان تجعل من الزمن بعدا من ابعاد المكان، كما هو الحال عندما نؤكد على ان المونتاج يتصف بالجمالية الابداعية فهو ايضا ينتقل من الوصف الى التاكيد على التعبير، وهذا يوصلنا الى فهم جديد هو ان المكان يتجه في الكثير من الحالات الى التعبير عن انماط نفسية عديدةمثل الخوف،الشك، التحفظ، مثلما تشير الدراسات السايكولوجية والانثروبولوجية الى ان الكائنات الحية ضمن بقعة معينة (مكان) تشعر بامتلاك الفضاء وفقا لنظام قدرتها في القوة.. لذا نجد ان تجاورية المكان واهمية انماطه تكشف المسافات القائمة بين الفضاء والشخصيات.. ولاجل وصول الاستنتاجات الى النظرية الوضعية يتوجب تقريب الاشياء المشار اليها وحل الالغاز والرموز.ولناخذ على سبيل المثال نوع من المسافات الي نطلق عليها تسمية المسافات الصميمية المتجسدة عبر اللقطة الاكثر قربا من المكان والشخصية، او انها تتحرك نحوها بسلاسة (هنا ليس المقصود اللقطة الذاتية، بل هي لقطة موضوعية يراها المخرج بعين المشاهد) بمعنى ينتقل شعور الكاميرا الى شعور المشاهد.. وقامت هذه الدراسات بتحديد مسافات معينة خصصت لتلك الانماط التي يمكن تحديدها على الشكل التالي: انماط صميمية، انماط شخصية، انماط اجتماعية، انماط عمومية.. وقد اشارت الدراسات ايضا الى ان هذه الانماط بحسب مسافاتها تختلف من حضارة الى اخرى ومن شعب الى شعب اخر اعتمادا على تطورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وعلى تقدمها الحضاري، وملخص ذلك انه كلما اتسعت المسافة ما بين الموضوع (المكان المراد تصويره) ويسمى موقع التصوير والكاميرا (المسافة ما بينهما) تصبح الافكار الناتجة من هذا التفاعل هي نتائج حيادية، اي ان المكان يحمل معنى استقلال عاطفي اضافة الى وجود تحفظ ذهني. لهذا وضعت السينما عبر مراحل تطورها مجموعة من المباديء والقوانين للمكان، ويمكن ان ندرج بعض من مستوياته وهي: المستوى الدرامي، المستوى الفكري، المستوىالتشكيلي، مستدين هذا الاستنتاج من ان للمكان ابعاده المادية والنفسية والاجتماعية باعتباره شخصية قائمة بذاتها، ولانها بناء تحتي للاحداث اضافة الى شكل المكان وموقعه، يصح على ضوء تلك الاستنتاجات ان نقول ان المكان وسط تعبيري رمزي، كما هو الحال مع الفضاء فهو وسيلة تعبيرية ( تستجيب بها الى الموجودات والاجسام ضمن مساحة معلومة وهي مصدر ثابت للمعلومات في الحياة العامة وكذلك في الفن. فالسينما (التي تعد فن المكان) تنظر الى طبيعة المكان والى حجمه وحركته، وهذه عناصر يتفاعل معها الممثل في اي مكان معلوم يمكنه ان يشكل افكارا انسانية تعالج الكثير من الاشكاليات التي تتناولها السينما.
تنظر السينما للمكان من زاوية خاصة بها التي يمكن ان نطلق عليها تسمية عمق الميدان للصورة.
ان هذا الجانب الابداعي كثيرا ما تهتم به السينما واستطاعت عبر تحولاتها الكثيرة والمتلاحقة ان تجعل منه اضافة جديدة للانماط الفكرية التي يتمتع بها، لان عمق ميدان الصورة وحركة الكاميرا يتبادلان المواقع مع المونتاج حيث تمت معالجة المكان باشكال متعددة، وقد ظهر هذا جليا في اعادة بناءه او ربطه بمجمل حركة الحدث وتتابع اماكن ثانوية يتم توظيفها مونتاجيا لتعطي للصورة ابعادها المكانية من الناحيتين الجمالية والتركيبية.
ان تركيب تلك الكتل والخطوط والاحجام والاشكال وخلق العلاقات المكانية تنتج لنا صورة قادرة على دعم المستويات الدرامية والنفسية والاجتماعية بافكار تدفع نحو الامام بالحدث والشخصيات ولتجعل المشاهد عنصرا فعالا وحيويا في المشاركة بكل التنويعات الفعلية التي تقدمها الشاشة وان كانت الاحجام والمساحات نسبية، الا انها قادرة على خلق تنويعات في ايصال المعلومات عبر العلاقات المكانية وان كانت متغيرة ما بين لقطة ولقطة. وهذا ما نطلق عليه تطويق المشاهد وسحبه اراديا ولا اراديا الى عالم المكان وجعله يتحرك طبقا لحركة الفيلم حتى يصبح المشاهد جزء من واقعية المكان وان كانت تحيطه جماليات التكوين والميزانسين والعناصر الاخرى الداخلة في صناعة اللقطة، وفي تصوري الخاص ان هذه السمات الاخراجية تختلف من مخرج لاخر وكذلك من اسلوب الى اسلوب اخر، فلا يمكن ابدا ان تنطبق هذه السمات على الاسلوب الانطباعي والواقعي في ان، لان لكل منهما ما يميزه عن الاخر.
ولتوضيح عمق ميدان الصورة الذي يدخل ضمن العملية الابداعية للاخراج من الضروري الاشارة الى اسلوبين في هذا المجال: الاسلوب الاول وهو يعمل على تداخل ضمني ملحوظ ما بين الشخصيات والديكور وذلك عبر استخدام لقطات طويلة زمنيا، مصحوبة بثبات الكاميرا. والهدف من وراء ذلك اعطاء مجال اوسع للمشاهد لاستقراء الصورة والدخول الى عوالمها الخفية وتحليل رموزها واهدافها من اجل خلق صلة ما بينه وبين الصورة بكافة محتوياتها، هذا يظهر لنا ميل هذا الاسلوب الى تقوية وتمتين الدراما السايكولوجية لاجل خلق احاسيس الوحدة و الكآبة والاحتباس . يتصف هذا الاسلوب بشكل واضح بصفات الاسلوب المسرحي، حيث يظل الميزانسين ثابتا، غير متحرك بسبب الاعتماد على زاوية واحدة وحجم واحد لكل اللقطات، لان المشاهد مستقر في مكان رؤية ثابتة غير متحركة وعلى مستوى واحد من حيث المسافة القائمة ما بين الصالة والخشبة.
اما الاسلوب الثاني فهو يعالج ابعاد عمق الميدان حيث يكون العمل اقرب الى المنظور في اللوحة التشكيلية.. والهدف الاساس الذي ينطلق منه المخرج هوتصعيد العمق الدرامي، فالاخراج يكون هنا تركيبي يعتمد على التنقلات من لقطة الى اخرى طبقا لاحجامها ولحركة الكاميرا وجعل المسافة محسوسة وتحديد علاقاتها مع الشخصيات، حتى ان الكثير من المخرجين قاموا باستخدام عمق الميدان وحركة الكاميرا تعويضا فعالا عن المونتاج.