في اوروبا, تجلى الايمان المسيحي في ابهى صوره وعنفوان مجده في دانتي, لكنه عانى في القرن الرابع عشر من التمزق وظل يغالب المرض والضعف حتى اقبل غاليلو, وديكارت, واسبينوزا, وبيكن, وهوبز فبدا عصر جديد هو عصر العلم والصناعة والتجارة والمكتشفات.. ان العصور الوسطى حال من احوال الزمان وهي الفترة المجدبة و الممتدة من سقوط الامبراطورية الرومانية في الغرب عام 476 م وحتى اكتشاف امريكا على يد كولمبس وقد يؤرخها البعض بين عامي 325مــ ..1492 مــ اي بين زمن قسطنطين اول امبراطور مسيحي وكولمبس..
المعتزلة والنزعة العقلية
في الدين الاسلامي ظهرت النزعة العقلية عند المعتزلة بصورة اكثر اتساعا" وتقدمت عنها في اليهودية والمسيحية وقد اهتم المعتزلة اول ضهورهم بحرية الانسان في الاختيار (( من عمل صالحا" فلنفسه ومن اساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد)) ــ فصلت 46ــ وهم ينفون الصفات الجسمية عن الله فهو ليس كباقي الاشياء.. فهو بدون صفات او محددات.. ثم بينوا ان ذات الله بسيطة غير مركبة لان التركيب يتطلب التجزئة.. والمعتزلة قدموا العقل على النص فالوحدانية عندهم تنفي الصفات فهو بصير بلا بصر وسميع بلا سمع لان السمع والبصر حواس من طبيعة الانسان.. وتوسعت النزعة العقلية عند المعتزلة الى الجدل بخلق القرآن كونه كلام الله ولأنه مخلوق فانك تتمكن من محاورته مثل اي مخلوق من مخلوقاته.. اما في ما يخص الوجود فان نضرتهم ذات طابع فلسفي ولكونها تجيب على مسالة البحث في الوجود فقد اطلقوا على مرحلة ما قبل الوجود (بالعدم ).. فكرة العدم اتت كحل لإشكالية الوجود (كفكرة قديمة قدم علم الله) فكل ما يعلمه موجود (كفكرة) قبل ان يظهر للوجود والعدم في تصورهم هو جوهر مسالة التوحيد فبدون العدم يكون الوجود قادما" من ذات الله مباشرة وهو ما ترفضه المعتزلة كما ترفض قدم القران والصفات كونهما مشتركات للذات الالهية مما يؤدي باعتقادهم الى الشرك.. لذا فان عملية الخلق على حد تفسير ( العلاف) المتوفي سنة 851 م هي ( قولا") لا في محل (غير محدد بمكان) كقوله (كن) وهو فعل امر يتحول بموجبه العدم الى وجود..
ابن ميمون والصفات
حين نشطت افكار المعتزلة ايام الخليفة العباسي المأمون 833م, كانت اوروبا تعاني من التمزق, والتخلف, والنزاعات ولكن التراجم المتتابعة من الكتب العربية واليونانية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر وبما تحتويه الفلسفتان اليونانية والاسلامية من افكار جديدة تتحدى الافكار المسيحية وتختلف عنها, جعل التفسيرات التي تناقض اللاهوت وتتمرد عليه لها مداها, وكادت اراء ابن رشد حوالي عام 1240م تصبح الطراز العصري بين الطبقات المتعلمة من غير رجال الدين في ايطاليا وكان الالاف يقبلون عقائده القائلة ان القانون الطبيعي يحكم العالم دون تدخل من الله وان العالم مخلد كالله وانه لا توجد سوى نفس واحدة خالدة هي (عقل) الكون (الفعال) وان النفس الفردية ليست الا مظهرا" او صورة عابرة زائلة من هذا العقل وان الجنة والنار هي وسائل اخترعت لتغري العامة او ترهبهم فيحسن سلوكهم.. واذا ما اعتبرنا ابن رشد يمثل التيار العقلي في الدين الاسلامي.. فان ابن ميمون الذي ولد في قرطبة (وهي نفس المدينة التي ولد فيها ابن رشد وبفارق تسع سنوات) يمثل التيار العقلي في الدين اليهودي فهو من احبار اليهود المشهورين في العصور الوسطى والذي انتقل فيما بعد الى مصر عهد صلاح الدين الايوبي ودفن في طبرية .. وابن ميمون يقدم لنا بحثه في الذات الالهية فيستنتج مما في الكون من شواهد التنظيم المحكم ان عقلا" ساميا" يسيطر على هذا الكون ولكنه يسخر من الرأي القائل ان الاشياء جميعها صنعت من اجل الانسان فلأشياء لم توجد الا لان الله (وهو مصدرها وحياتها) موجود ولو امكننا ان نفترض انه غير موجود لاستتبع هذا ان لا شيء غيره ممكن الوجود, واذا كان لابد بهذه الطريقة من وجود الله, فان وجوده متلازم مع جوهره, والشيء الذي يحتوي في ذاته على ضرورة وجوده, لا يمكن ان يكون لوجوده علة ايا" كانت, والله يكون غير ذي جسم وعلى هذا فكل ما ورد في الكتاب المقدس من عبارات تشير الى شيء من اعضاء الجسم او اية صفة من صفاته يجب ان يفسر تفسيرا" مجازيا" ولقد صاغ ابن سينا هذه القضايا المنطقية واخذها عنه القديس توماس اكويناس ثم كيفها سبينوزا.. والحق كما يقول ابن ميمون (ولعله يحذوا حذوا المعتزلة) اننا لا نستطيع معرفة شيء عن الله الا انه موجود, بل ان الصفات غير الجسمية التي نصفه بها كالعقل, القدرة على كل شيء, الرحمة, والحب, والوحدة والارادة كلها من نوع الجناس فهي اذا وصف بها الله كان لها معنى غير معناها بالضبط اذا وصف بها الانسان.. ولن نستطيع قط ان نعرف معناها بالضبط اذا وصف بها الله.. وليس في وسعنا ان نعرفه.. ولا ينبغي لنا ان نعزوا اليه خواص او صفات او ان نثبت له شيأ" من اي نوع كان وذلك لان كثيرا" من الفاظ الكتاب المقدس ذات معان متعددة, حرفية, ومجازية, ورمزية فاذا اخذ بمعناه الحرفي كان عقبة ضد المخلصين لدينهم .. ويتطلب هذا احترام العقل الذي هو اعظم مواهب الانسان (اولئك ينبغي الا يخيروا بين الدين بلا عقل او العقل بلا دين فالعقل لا يمكن ان يتعارض مع الوحي الالهي) ويقول ابن ميمون ليس بوسعنا ان نثبت ازلية العالم.. اذن نستمسك بعقيدة ابائنا ونفسر الخلق تفسيرا" مجازيا" رمزيا" فآدم عنده هو الصورة الفعالة أو الروح وحواء هي المادة المنفعلة وهي كما يعتقد مصدر كل شر اما الافعى فينضر اليها على انها الخيال.ويعتقد ابن ميمون ان الله اباح للإنسان الارادة الحرة التي تجعل منه انسانا" بحق, وقد يختار الانسان الشر احيانا", (وبعلم الله). ... ولكن الانسان هو الذي يقرره
توماس اكويناس
والنزعة العقلية في المسيحية
اما القديس توماس اكويناس والذي ولد عام 1225م في ركاكسا بايطاليا فيعتبر ان الانسان حين يأثم فهو بمثابة الثمن الذي يدفعه لقاء الحرية في الاختيار واذا سلب الانسان حرية الارادة اصبح مجرد آلة ذات حركة ذاتية لا تسموا على الخير والشر بل تنحط دونها وبلا كرامة والله يجيز بعض الشرور بقصد الوصول الى بعض الغايات الخيرة او لمنع شرور اشد منها.. وهو يتفق مع ابن ميمون في ان في مقدور العقل البشري ان يثبت وجود الله ولكنه ليس في مقدوره ان يسموا لمعرفة صفاته ويعترف بان التثليث والتجسيد والافتداء ويوم الحساب لا يمكن اثباتها عن طريق العقل ,لكنه يتقبل حكم العقل في جميع المسائل الاخرى وهو يفضل العقل على القلب بوصفه اداة توصل الى الحقيقة وهو يبين بان العقل يستمد كل معلوماته الطبيعية من الحواس فالمعرفة والحالة هذه تقتصر على الاجسام وليس في مقدوره ان يعرف العالم الذي فوق المحسوس اي عالم ما وراء الطبيعة ولكن في وسعه عن طريق المقارنة ان يستمد من تجارب الحس معرفة غير مباشرة بالعقول الاخرى, وان يحصل بمثل هذه الطريقة على معرفة غير مباشرة بالله..اما العالم الاخر وهو عالم ما فوق الطبيعة (حيث يوجد الله) فليس في مقدور العقل الاستدلال عنه الا عن طريق الوحي الالهي.. وفي وسعنا ان نعرف بطريق الفهم الطبيعي ان الله موجود, وانه واحد (لان وجوده و وحدانيته, تتلألآن في عجائب العالم وحسن تنظيمه) ولكننا لا نستطيع بعقلنا وحده ان نعرف جوهره او حقيقة التثليث, وحتى الملائكة يكون علمهم قاصر ومحدود وألا لكانوا الهة.. فنظام العقل عند توماس هو التوفيق بين الوسائل والغايات او تكيف السلوك بحيث يؤدي الى السعادة السرمدية..
التوفيق بين الاديان
في عام 1486م قدم الى روما وهو في الرابعة والعشرين من العمر شاب اسمه الكونت جيفيوني بيكو يجيد عدة لغات وعقله مفتوح لجميع الفلسفات والاديان وكان يجد في التفكير الاسلامي واليهودي ما يدعوا الى الاعجاب فقد اخذ على عاتقه واجب التوفيق بين الديانات السماوية.. اليهودية.. والمسيحية.. والاسلام وحينما نشر مجموعته المكونة من تسعمائة قضية كانت تضم البدعة الدينية السمحة القائلة.. ( بانه ما دامت اعظم خطيئة ارتكبها الانسان محدودة غير ابدية, فإنها لا تستحق العقاب الابدي).. وحين اعد رسالته التي اسمها (في كرامة الانسان) كتب يقول (من الاقوال المألوفة في المدارس ان الانسان عالم صغير نتبين فيه جسما" امتزجت فيه العناصر الارضية, بالروح السماوية, والنفس النباتية وحواس الحيوانات الدنيا, والعقل الانساني, وعقل الملائكة, وصورة الاله ) ثم قال على لسان الوحي العبارة التي قالها الله لادم (لقد خلقتك كائنا" لست سماويا" ولا ارضيا" .. لكي تكون حرا" في ان تشكل نفسك وتتغلب عليها.. وفي مقدورك ان تنحط فتكون حيوانا" , او ان تولد من جديد في صورة الله) ثم اضاف.. تلك العطية الالهية التي لا تعلو عليها عطية ما, انما هي سعادة الانسان العظمى, ليس بعدها سعادة.. وهو انه يستطيع ان يكون ما يريد ان يكون..
ان ما افرزته العصور الوسطى من شرور واضطراب الامن والخوف و الفقر الذي تتولد منهما القساوة والقذارة والامراض. وتفشي الجهل الذي يؤدي الى سرعة التصديق بالخرافات.. ومع ما افرزه اللاهوت من مجادلات فقهية بسبب التراجم اليونانية والاسلامية ادى الى تعزيز النزعة العقلية في اوروبا.. ففي القرن الثالث عشر ظهرت جماعة من اصحاب النزعة العقلية القائلين بان الله بعد ان خلق العالم تركه لتسيره القوانين الطبيعية وكانوا لا يعتقدون بالمعجزات وان الانواع الجديدة لم تخلق خلقا" خاصا" وانما وجدت بالتطور الطبيعي.. وهكذا وضعت اوروبا اول خطواتها في فصل الدين عن مسائل الحياة العلمية و السياسية والاقتصادية واستمرت هذه النزعة والتي استثمرتها الحياة المدنية بكامل صورها الى يومنا هذا..
المعتزلة والنزعة العقلية
في الدين الاسلامي ظهرت النزعة العقلية عند المعتزلة بصورة اكثر اتساعا" وتقدمت عنها في اليهودية والمسيحية وقد اهتم المعتزلة اول ضهورهم بحرية الانسان في الاختيار (( من عمل صالحا" فلنفسه ومن اساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد)) ــ فصلت 46ــ وهم ينفون الصفات الجسمية عن الله فهو ليس كباقي الاشياء.. فهو بدون صفات او محددات.. ثم بينوا ان ذات الله بسيطة غير مركبة لان التركيب يتطلب التجزئة.. والمعتزلة قدموا العقل على النص فالوحدانية عندهم تنفي الصفات فهو بصير بلا بصر وسميع بلا سمع لان السمع والبصر حواس من طبيعة الانسان.. وتوسعت النزعة العقلية عند المعتزلة الى الجدل بخلق القرآن كونه كلام الله ولأنه مخلوق فانك تتمكن من محاورته مثل اي مخلوق من مخلوقاته.. اما في ما يخص الوجود فان نضرتهم ذات طابع فلسفي ولكونها تجيب على مسالة البحث في الوجود فقد اطلقوا على مرحلة ما قبل الوجود (بالعدم ).. فكرة العدم اتت كحل لإشكالية الوجود (كفكرة قديمة قدم علم الله) فكل ما يعلمه موجود (كفكرة) قبل ان يظهر للوجود والعدم في تصورهم هو جوهر مسالة التوحيد فبدون العدم يكون الوجود قادما" من ذات الله مباشرة وهو ما ترفضه المعتزلة كما ترفض قدم القران والصفات كونهما مشتركات للذات الالهية مما يؤدي باعتقادهم الى الشرك.. لذا فان عملية الخلق على حد تفسير ( العلاف) المتوفي سنة 851 م هي ( قولا") لا في محل (غير محدد بمكان) كقوله (كن) وهو فعل امر يتحول بموجبه العدم الى وجود..
ابن ميمون والصفات
حين نشطت افكار المعتزلة ايام الخليفة العباسي المأمون 833م, كانت اوروبا تعاني من التمزق, والتخلف, والنزاعات ولكن التراجم المتتابعة من الكتب العربية واليونانية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر وبما تحتويه الفلسفتان اليونانية والاسلامية من افكار جديدة تتحدى الافكار المسيحية وتختلف عنها, جعل التفسيرات التي تناقض اللاهوت وتتمرد عليه لها مداها, وكادت اراء ابن رشد حوالي عام 1240م تصبح الطراز العصري بين الطبقات المتعلمة من غير رجال الدين في ايطاليا وكان الالاف يقبلون عقائده القائلة ان القانون الطبيعي يحكم العالم دون تدخل من الله وان العالم مخلد كالله وانه لا توجد سوى نفس واحدة خالدة هي (عقل) الكون (الفعال) وان النفس الفردية ليست الا مظهرا" او صورة عابرة زائلة من هذا العقل وان الجنة والنار هي وسائل اخترعت لتغري العامة او ترهبهم فيحسن سلوكهم.. واذا ما اعتبرنا ابن رشد يمثل التيار العقلي في الدين الاسلامي.. فان ابن ميمون الذي ولد في قرطبة (وهي نفس المدينة التي ولد فيها ابن رشد وبفارق تسع سنوات) يمثل التيار العقلي في الدين اليهودي فهو من احبار اليهود المشهورين في العصور الوسطى والذي انتقل فيما بعد الى مصر عهد صلاح الدين الايوبي ودفن في طبرية .. وابن ميمون يقدم لنا بحثه في الذات الالهية فيستنتج مما في الكون من شواهد التنظيم المحكم ان عقلا" ساميا" يسيطر على هذا الكون ولكنه يسخر من الرأي القائل ان الاشياء جميعها صنعت من اجل الانسان فلأشياء لم توجد الا لان الله (وهو مصدرها وحياتها) موجود ولو امكننا ان نفترض انه غير موجود لاستتبع هذا ان لا شيء غيره ممكن الوجود, واذا كان لابد بهذه الطريقة من وجود الله, فان وجوده متلازم مع جوهره, والشيء الذي يحتوي في ذاته على ضرورة وجوده, لا يمكن ان يكون لوجوده علة ايا" كانت, والله يكون غير ذي جسم وعلى هذا فكل ما ورد في الكتاب المقدس من عبارات تشير الى شيء من اعضاء الجسم او اية صفة من صفاته يجب ان يفسر تفسيرا" مجازيا" ولقد صاغ ابن سينا هذه القضايا المنطقية واخذها عنه القديس توماس اكويناس ثم كيفها سبينوزا.. والحق كما يقول ابن ميمون (ولعله يحذوا حذوا المعتزلة) اننا لا نستطيع معرفة شيء عن الله الا انه موجود, بل ان الصفات غير الجسمية التي نصفه بها كالعقل, القدرة على كل شيء, الرحمة, والحب, والوحدة والارادة كلها من نوع الجناس فهي اذا وصف بها الله كان لها معنى غير معناها بالضبط اذا وصف بها الانسان.. ولن نستطيع قط ان نعرف معناها بالضبط اذا وصف بها الله.. وليس في وسعنا ان نعرفه.. ولا ينبغي لنا ان نعزوا اليه خواص او صفات او ان نثبت له شيأ" من اي نوع كان وذلك لان كثيرا" من الفاظ الكتاب المقدس ذات معان متعددة, حرفية, ومجازية, ورمزية فاذا اخذ بمعناه الحرفي كان عقبة ضد المخلصين لدينهم .. ويتطلب هذا احترام العقل الذي هو اعظم مواهب الانسان (اولئك ينبغي الا يخيروا بين الدين بلا عقل او العقل بلا دين فالعقل لا يمكن ان يتعارض مع الوحي الالهي) ويقول ابن ميمون ليس بوسعنا ان نثبت ازلية العالم.. اذن نستمسك بعقيدة ابائنا ونفسر الخلق تفسيرا" مجازيا" رمزيا" فآدم عنده هو الصورة الفعالة أو الروح وحواء هي المادة المنفعلة وهي كما يعتقد مصدر كل شر اما الافعى فينضر اليها على انها الخيال.ويعتقد ابن ميمون ان الله اباح للإنسان الارادة الحرة التي تجعل منه انسانا" بحق, وقد يختار الانسان الشر احيانا", (وبعلم الله). ... ولكن الانسان هو الذي يقرره
توماس اكويناس
والنزعة العقلية في المسيحية
اما القديس توماس اكويناس والذي ولد عام 1225م في ركاكسا بايطاليا فيعتبر ان الانسان حين يأثم فهو بمثابة الثمن الذي يدفعه لقاء الحرية في الاختيار واذا سلب الانسان حرية الارادة اصبح مجرد آلة ذات حركة ذاتية لا تسموا على الخير والشر بل تنحط دونها وبلا كرامة والله يجيز بعض الشرور بقصد الوصول الى بعض الغايات الخيرة او لمنع شرور اشد منها.. وهو يتفق مع ابن ميمون في ان في مقدور العقل البشري ان يثبت وجود الله ولكنه ليس في مقدوره ان يسموا لمعرفة صفاته ويعترف بان التثليث والتجسيد والافتداء ويوم الحساب لا يمكن اثباتها عن طريق العقل ,لكنه يتقبل حكم العقل في جميع المسائل الاخرى وهو يفضل العقل على القلب بوصفه اداة توصل الى الحقيقة وهو يبين بان العقل يستمد كل معلوماته الطبيعية من الحواس فالمعرفة والحالة هذه تقتصر على الاجسام وليس في مقدوره ان يعرف العالم الذي فوق المحسوس اي عالم ما وراء الطبيعة ولكن في وسعه عن طريق المقارنة ان يستمد من تجارب الحس معرفة غير مباشرة بالعقول الاخرى, وان يحصل بمثل هذه الطريقة على معرفة غير مباشرة بالله..اما العالم الاخر وهو عالم ما فوق الطبيعة (حيث يوجد الله) فليس في مقدور العقل الاستدلال عنه الا عن طريق الوحي الالهي.. وفي وسعنا ان نعرف بطريق الفهم الطبيعي ان الله موجود, وانه واحد (لان وجوده و وحدانيته, تتلألآن في عجائب العالم وحسن تنظيمه) ولكننا لا نستطيع بعقلنا وحده ان نعرف جوهره او حقيقة التثليث, وحتى الملائكة يكون علمهم قاصر ومحدود وألا لكانوا الهة.. فنظام العقل عند توماس هو التوفيق بين الوسائل والغايات او تكيف السلوك بحيث يؤدي الى السعادة السرمدية..
التوفيق بين الاديان
في عام 1486م قدم الى روما وهو في الرابعة والعشرين من العمر شاب اسمه الكونت جيفيوني بيكو يجيد عدة لغات وعقله مفتوح لجميع الفلسفات والاديان وكان يجد في التفكير الاسلامي واليهودي ما يدعوا الى الاعجاب فقد اخذ على عاتقه واجب التوفيق بين الديانات السماوية.. اليهودية.. والمسيحية.. والاسلام وحينما نشر مجموعته المكونة من تسعمائة قضية كانت تضم البدعة الدينية السمحة القائلة.. ( بانه ما دامت اعظم خطيئة ارتكبها الانسان محدودة غير ابدية, فإنها لا تستحق العقاب الابدي).. وحين اعد رسالته التي اسمها (في كرامة الانسان) كتب يقول (من الاقوال المألوفة في المدارس ان الانسان عالم صغير نتبين فيه جسما" امتزجت فيه العناصر الارضية, بالروح السماوية, والنفس النباتية وحواس الحيوانات الدنيا, والعقل الانساني, وعقل الملائكة, وصورة الاله ) ثم قال على لسان الوحي العبارة التي قالها الله لادم (لقد خلقتك كائنا" لست سماويا" ولا ارضيا" .. لكي تكون حرا" في ان تشكل نفسك وتتغلب عليها.. وفي مقدورك ان تنحط فتكون حيوانا" , او ان تولد من جديد في صورة الله) ثم اضاف.. تلك العطية الالهية التي لا تعلو عليها عطية ما, انما هي سعادة الانسان العظمى, ليس بعدها سعادة.. وهو انه يستطيع ان يكون ما يريد ان يكون..
ان ما افرزته العصور الوسطى من شرور واضطراب الامن والخوف و الفقر الذي تتولد منهما القساوة والقذارة والامراض. وتفشي الجهل الذي يؤدي الى سرعة التصديق بالخرافات.. ومع ما افرزه اللاهوت من مجادلات فقهية بسبب التراجم اليونانية والاسلامية ادى الى تعزيز النزعة العقلية في اوروبا.. ففي القرن الثالث عشر ظهرت جماعة من اصحاب النزعة العقلية القائلين بان الله بعد ان خلق العالم تركه لتسيره القوانين الطبيعية وكانوا لا يعتقدون بالمعجزات وان الانواع الجديدة لم تخلق خلقا" خاصا" وانما وجدت بالتطور الطبيعي.. وهكذا وضعت اوروبا اول خطواتها في فصل الدين عن مسائل الحياة العلمية و السياسية والاقتصادية واستمرت هذه النزعة والتي استثمرتها الحياة المدنية بكامل صورها الى يومنا هذا..