التحقيق مصدر حقّق , وهو لغة : إحكام الشيء وصحته , واصطلاحا : بذل عناية خاصة بالمخطوطات واستقصاء البحث بغية الوصول إلى حقيقة ما قالها مؤلف النص . وبعضهم قال : إن التحقيق هو الاجتهاد في جعل النصوص مطابقة لحقيقتها في النشر ، كما وضعها صاحبها ومؤلفها من حيث اللفظ والخط والمعنى .
الآن انظر إلى ما جاء في تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (طبعة دار الكتب العلمية / لبنان , 1413ه , تحقيق : عادل أحمد , وعلي محمد , ود. زكريا عبد المجيد , ود. أحمد النجولي ) في تفسير قوله تعالى ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) [ النساء : 176] ما نصه : ( فقدره البصري والمبرد وغيره : كراهة أن تضلوا . وقرأ الكوفي والفراء والكسائي ، وتبعهم الزجاج : لأن لا تضلوا ) , وفي طبعة دار الفكر , بيروت , 1420ه , تحقيق : صدقي محمد جميل , النص نفسه , وربما في طبعات أخرى كالذي جاء .
الذي يستوقف اللغوي في هذا النص أو القارئ عبارة ( فقدره البصري والمبرد ) , و( قرأ الكوفي والفراء والكسائي ) , فمن هو البصري ؟ , ومن هو الكوفي ؟ .
وردت كلمة (البصري) في تفسيره (29) مرة , وكلمة الكوفي (18) مرة , وقد استعمل أبو حيان الأندلسي كلمة (البصري) إشارة إلى مذهب البصريين , واستعمل كلمة (الكوفي) إشارة إلى مذهب الكوفيين كما في قوله : ( أما البصري ، فلأن مفسر ضمير الأمر لا بد أن يكون جملة ، وأما الكوفي ، فلأنه يجيز الجملة ويجيز المفرد ) , وفي موضع آخر ( وهذا مذهب الكوفي ) , واستعمل المصطلحين لشخصيات ذكرها , ولكن عبارة ( فقدره البصري والمبرد ) فيها إشكال ؛ لأن المبرد بصري , وعبارة فقدره البصري كافية لأن يكون المبرد واحدا منهم , وقوله : البصري والمبرد , تشعر بأن المبرد ليس ببصري ؛ لأن واو العطف تقتضي المغايرة , وعند إنعام النظر : يمكن تصحيح النص على أن واو العطف في (والمبرد) هي واو جمع المذكر السالم في كلمة (البصري) وقد زحفت إلى الكلمة المجاورة , وأن نون الجمع قد سقطت في المخطوطة , وعلمية المحقق تقول إن العبارة المستقيمة هي : ( فقدّره البصريون المبرد وغيره) , وبهذا يكون المبرد بدل بعض من البصريين. أما العبارة الثانية : (وقرأ الكوفي والفراء والكسائي ) ففيها إشكالان: الأول : أنّ الفراء ليس من قراء القرآن الكريم , وثانيا : الفراء والكسائي من المدرسة الكوفية فكيف جاز عطفهما على (الكوفي) . ولما نظرت في كتب القراءات اتضح أن عبارة ( لئلا تضلوا ) ليست قراءة ؛ لذا فهي ليست (قرأ) كما جاء في النص , والأكثر قربا هي (قدّر) ؛ لأن ما قبلها (قدّره) , وعبارة ( لئلا تضلوا تقدير نحويّ وثبت أنه ليس بقراءة , ومن جانب آخر يجوز في ما قلناه في واو العطف أن تكون واو جمع المذكر السالم كما أسلفنا في هذا المكان , وعلمية المحقق تقول إنّ العبارة المستقيمة هي: ( وقدّره الكوفيون الفراء والكسائي) , فتكون العبارة برمتها : (فقدّره البصريون المبرد وغيره: كراهة أن تضلوا , وقدّره البصريون الفراء والكسائي وتبعهم الزجاج : لئلا تضلوا) , وبهذا نكون قد أنقذنا النص من الإشكالات التي ذكرت, وظهر لنا نص صحيح من الجانب العلمي.
د. محمد نوري جواد
الآن انظر إلى ما جاء في تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (طبعة دار الكتب العلمية / لبنان , 1413ه , تحقيق : عادل أحمد , وعلي محمد , ود. زكريا عبد المجيد , ود. أحمد النجولي ) في تفسير قوله تعالى ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) [ النساء : 176] ما نصه : ( فقدره البصري والمبرد وغيره : كراهة أن تضلوا . وقرأ الكوفي والفراء والكسائي ، وتبعهم الزجاج : لأن لا تضلوا ) , وفي طبعة دار الفكر , بيروت , 1420ه , تحقيق : صدقي محمد جميل , النص نفسه , وربما في طبعات أخرى كالذي جاء .
الذي يستوقف اللغوي في هذا النص أو القارئ عبارة ( فقدره البصري والمبرد ) , و( قرأ الكوفي والفراء والكسائي ) , فمن هو البصري ؟ , ومن هو الكوفي ؟ .
وردت كلمة (البصري) في تفسيره (29) مرة , وكلمة الكوفي (18) مرة , وقد استعمل أبو حيان الأندلسي كلمة (البصري) إشارة إلى مذهب البصريين , واستعمل كلمة (الكوفي) إشارة إلى مذهب الكوفيين كما في قوله : ( أما البصري ، فلأن مفسر ضمير الأمر لا بد أن يكون جملة ، وأما الكوفي ، فلأنه يجيز الجملة ويجيز المفرد ) , وفي موضع آخر ( وهذا مذهب الكوفي ) , واستعمل المصطلحين لشخصيات ذكرها , ولكن عبارة ( فقدره البصري والمبرد ) فيها إشكال ؛ لأن المبرد بصري , وعبارة فقدره البصري كافية لأن يكون المبرد واحدا منهم , وقوله : البصري والمبرد , تشعر بأن المبرد ليس ببصري ؛ لأن واو العطف تقتضي المغايرة , وعند إنعام النظر : يمكن تصحيح النص على أن واو العطف في (والمبرد) هي واو جمع المذكر السالم في كلمة (البصري) وقد زحفت إلى الكلمة المجاورة , وأن نون الجمع قد سقطت في المخطوطة , وعلمية المحقق تقول إن العبارة المستقيمة هي : ( فقدّره البصريون المبرد وغيره) , وبهذا يكون المبرد بدل بعض من البصريين. أما العبارة الثانية : (وقرأ الكوفي والفراء والكسائي ) ففيها إشكالان: الأول : أنّ الفراء ليس من قراء القرآن الكريم , وثانيا : الفراء والكسائي من المدرسة الكوفية فكيف جاز عطفهما على (الكوفي) . ولما نظرت في كتب القراءات اتضح أن عبارة ( لئلا تضلوا ) ليست قراءة ؛ لذا فهي ليست (قرأ) كما جاء في النص , والأكثر قربا هي (قدّر) ؛ لأن ما قبلها (قدّره) , وعبارة ( لئلا تضلوا تقدير نحويّ وثبت أنه ليس بقراءة , ومن جانب آخر يجوز في ما قلناه في واو العطف أن تكون واو جمع المذكر السالم كما أسلفنا في هذا المكان , وعلمية المحقق تقول إنّ العبارة المستقيمة هي: ( وقدّره الكوفيون الفراء والكسائي) , فتكون العبارة برمتها : (فقدّره البصريون المبرد وغيره: كراهة أن تضلوا , وقدّره البصريون الفراء والكسائي وتبعهم الزجاج : لئلا تضلوا) , وبهذا نكون قد أنقذنا النص من الإشكالات التي ذكرت, وظهر لنا نص صحيح من الجانب العلمي.
د. محمد نوري جواد