الحركات الخاطفة معروفة في ميادين الأدب كما عرفت قديما وحديثا في ميادين الحروب.
وهي تنجح في هذه الميادين كما تنجح في تلك الميادين، فليست الأناة لازمة في كل عمل، وليس البطء في التفكير مطلوبا من كل أحد:
وربما فات قوما جل أمرهم ... من التأني وكان الأمر لو عجلوا
كما قيل بحق وصواب.
ولكن الحركات الخاطفة قد تنهزم في ميادين الأدب كما تنهزم في ميادين القتال، لأنها لا تصلح لكل موضع ولا تنتصر على جميع الأعداء.
وعيبها الأكبر في الآراء الأدبية أنها سريعة الرواج سريعة الإقناع، وأنها تجتذب أليها (على وجه السرعة) أولئك الذين ينفرون من التمحيص لأنهم لا يستطيعونه أو لا يجدون له متسعا من الفراغ، فيقبلون كل ما قيل ويصدقون في معظم الأحوال ما هو حقيق بالتكذيب والإعراض.
ومن هذه الآراء الخاطفة آراء بعض الناقدين المحدثين في أدب الصحافة أو فيما يكتبه الأدباء في الصحف والمجلات. فعند هؤلاء الناقدين المحدثين أن الأديب لا ينبغي أن يكتب للصحف والمجلات، وأنه لا يكتب فيها شيئا يستحق أن يعيش إلى غير الأجل الموقوت الذي يقدر لأخبار الصحافة وحوادث اليوم أو الشهر أو العام على ابعد الآجال.
وفي هذا الرأي آفة الآراء الخاطفة جمعاء.
فهو صحيح وغير صحيح، أو هو لا يقبل كله ولا يرفض كله، ولكنه يروج بصوابه وخطئه عند من (يخطفون) الآراء ويقابلون عجلة التفكير بعجلة الإصغاء.
فهذا الرأي صحيح إذا كانت كلمة (الكتابة) تشمل التفكير والتجربة والدراسة والمراجعة وتدوين الكلام على الأوراق.
فالكاتب الذي يفكر ويجرب ويدرس ويراجع في الساعة التي يدون فيها كلامه على الورق يخطئ في حق الأدب وفي حق نفسه ولا يستحق البقاء بعد طي الصحيفة التي يكتب فيها بساعات أو أيام ولكنه إذا كان يودع الصحيفة ثمرة التفكير الصحيح والتجربة الطويلة والدرس الدقيق والمراجعة المتوالية، فما هو الفارق بين إيداع هذه الثمرة في صفحات مجلة أو صفحات كتاب؟ وما هو وجه الخطأ في تعويد القارئ الصحفي أن يطالع الموضوعات المدروسة إلى جانب الموضوعات العابرة وأحاديث الفضول والسمر الرخيص؟
لا فارق في هذه الحالة بين أدب الكتب أدب الصحافة، ولا خطأ في اقتران الجد بالهزل لأنه خير من استئثار الهزل وحده بعقول القراء (الصحفيين).
ومن الواجب هنا أن نفرق بين تفكير وتفكير، وبين إسراع وإسراع، وبين ثمرة وثمرة.
فإذا كان الكاتب يفهم في أسبوع ما ليس يفهمه الكاتب الآخر في سنة أو بضع سنوات فليس هذا البطيء بالمزية المحمودة ولا ذلك الإسراع بالذنب المعيب.
وليست السلحفاة افضل من العصفور لأنها سلحفاة ولا العصفور أعجز من السلحفاة لأنه عصفور.
وإنما المعول على (الثمرة) لا على الزمن الذي تصل فيه هذه الثمرة إلى آكليها. فإذا وصلت إليهم في القطار السريع فليس حتما لزاما عليهم أن يردوها إلى البستان ليحملها إليهم بائع يمشي على قدميه!
كذلك لا يعاب الأديب لأنه يكتب في الموضوعات الهينة أو موضوعات الصحافة على اختلاف مواعيدها، فأما المعول على ما يقول في موضوعاتها لا عناوين تلك الموضوعات، وربما كتب بعضهم في الحروب العالمية فضاعت في قراءته اللحظات فضلا عن الساعات، وكتب بعضهم في لعب الأطفال فكانت كتابته أحق بالقراءة والحفظ من كتابة ذلك في حروب الأمم وقيام الدولات أو سقوط الدولات.
ولم نر من الأدباء المعاصرين من طرق هذا البحث فأحسن فيه كما احسن الأستاذ محمد روحي فيصل في مقاله بمجلة (الفكر) السورية حين قال: (. . . أرى مع ذلك أن الصحافي إذا استأنى في تحقيق كلمته، وجرى فيما يكتب على مهل وعناية، وحلل البواعث وتصور النتائج واحب وكره وخاصم في المثل الأعلى كان أديبا بأدق ما في الأدب من الخصائص، كما إن الأديب إذا أسرع في تركيز صوره وعرض تصويره سار إلى الصحافة وهو لا يدري).
وهذا هو الرأي السديد في موضوع الأدب والصحافة كما نراه، ولو عاد إلينا الجاحظ والأصفهاني وابن سينا وأدباء العربية الأقدمون أجمعين لرأوه مثلنا بلا خلاف في الجملة أو التفصيل، لأننا لا نحسبهم قضوا في تدوين مصنفاتهم المرسلة وقتا أطول من الوقت الذي يقضيه الصحفي اليوم في كتابة مقال، ولكنهم قضوا الوقت الطويل في الجمع والتحصيل، فهان عليهم بعد ذلك أمر التدوين والتسجيل.
وعلى ذكر الكتابة المرسلة نذكر الآراء (الخاطفة) التي تقال هذه الأيام عن السجع والترسل في بعض الموضوعات.
فقد تلقف بعضهم كلام الناقدين في نقد السجع فحسب أن السجع معيب على كل حال، وانه أسلوب قديم لا يطرقه الكتاب المحدثون ولا يوافق كتابة العصر الحديث!
وكنا قد تناولنا كاتبا منهم بالتسخيف والتفنيد في عبارات مسجوعة، فظن انه (أديب حديث) لأنه لا يسجع وأننا أناس جامدون لأننا نستخدم السجع في بعض العبارات!
ونحن نتعمد السجع أحيانا للسخرية أو للتوكيد والتقرير، ونفهم لماذا يعيبه الناقدون فنفهم انه أسلوب يطرق في هذا العصر كما يطرق في كل زمان، لان السجع لا يعاب لذاته، ولكنه يعاب لان المتقيدين به يهملون المعنى في سبيل القافية أو الفاصلة، فيعاب عليهم هذا الإهمال، ولو كان مجرد العناية بالقافية عيبا لعيب الشعر كله في اللغة العربية على التخصيص، لأنه يجمع القافية والوزن معا وينفرد الكلام المنثور بالقوافي دون الأوزان.
أما إذا اتفق السجع والمعنى فلماذا يعاب؟ بل لماذا لا يستحسن ويطلب في الكلام المنثور؟ انه زيادة فيه وليس بنقص، ومزية فيه وليس بعيب، ومطلب يراد وليس بمأخذ يجتنب، ولنا أن نتحدى من ينكره في بعض عباراتنا أن يمحوه ويرسل الكلام في موضعه، فإن لم يكن الترسل في هذه الحالة هو المخل بالمعنى فهو المحق في نقده ونحن المبطلون!
ومن هذه الآراء (الخاطفة) نقد الناقدين (الخاطفين) لوصف الناقة أو وصف الصحراء في عصرنا الحديث.
عز عليهم أن يفهموا لماذا عيب هذا على الشعراء المتقدمين فحسبوا انه منقود على الإطلاق، وإن آية التحريم قد نزلت على وصف النوق والصحراوات إلى أبد الأبيد
وليس الأمر كذاك فإنما يعاب وصف الناقة على المحاكاة كما تعاب المحاكاة في وصف الطيارة من احدث طراز، وكما تعاب المحاكاة في وصف القنبلة الذرية، وكل مخترع يأتي بعد القنبلة الذرية، ولو أتى بعدها بعدة قرون.
والجبال أقدم من الناقة، فهل يحرم وصفها على الشعراء والكتاب؟ والبحار أقدم من الجبال، فهل يحرم وصفها على الشعراء والكتاب؟ والكواكب والشموس أقدم من الجبال ومن البحار ومن الأرض نفسها، فهل يحرم وصفها على الشعراء والكتاب؟
والعجب أن تخفى هذه الحقيقة البينة على أحد ممن يفقهون الشعر أو لا يفقهونه! فكيف خفيت على أولئك النقاد؟
ما نخالها خفيت عليهم ألا انهم حسبوا أن الناقة (أداة مواصلات)، ووصفها الشعراء الأقدمون لأنها أداة مواصلات. فلا يحسن بالشعراء المحدثين أن يتركوا أدوات مواصلاتهم ليصفوا النوق في الصحراء.
والناقة ليست بأداة مواصلات وكفى، إلا إذا كان راكبها جمّالا وكفى.
ولكنها حيوان وراكبها إنسان، وشأن الحيوان والإنسان باق في الشعر وفي الإحساس والتعبير عن الإحساس إلى آخر الزمان.
وهي بهذه المثابة أحدث من طيارة اليوم وطيارة القرن الثلاثين وما بعد القرن الثلاثين.
وكذلك الصحراء وأهل الصحراء، وكذلك كل بقعة من بقاع الأرض وكل مطلع من مطالع السماء.
فالشاعر الذي تروعه الصحراء ولا ينظم فيها أعرق في المحاكاة والتقليد من الشعراء المتقدمين، والأديب الذي يحسب أن الطيارة قد نسخت الناقة والجواد وسائر المطايا الحية لا يحس الحياة ولا الأحياء.
وهذه تعقيبات تقال، ولا بد أن تقال وتعاد على تلك الآراء الخاطفة التي تروج بين خطاف الآراء والمذاهب في هذه الآونة، ولكنها ليست بالتعقيبات الخاطفة كما يرى القراء.
عباس محمود العقاد
مجلة الرسالة - العدد 691
بتاريخ: 30 - 09 - 1946
وهي تنجح في هذه الميادين كما تنجح في تلك الميادين، فليست الأناة لازمة في كل عمل، وليس البطء في التفكير مطلوبا من كل أحد:
وربما فات قوما جل أمرهم ... من التأني وكان الأمر لو عجلوا
كما قيل بحق وصواب.
ولكن الحركات الخاطفة قد تنهزم في ميادين الأدب كما تنهزم في ميادين القتال، لأنها لا تصلح لكل موضع ولا تنتصر على جميع الأعداء.
وعيبها الأكبر في الآراء الأدبية أنها سريعة الرواج سريعة الإقناع، وأنها تجتذب أليها (على وجه السرعة) أولئك الذين ينفرون من التمحيص لأنهم لا يستطيعونه أو لا يجدون له متسعا من الفراغ، فيقبلون كل ما قيل ويصدقون في معظم الأحوال ما هو حقيق بالتكذيب والإعراض.
ومن هذه الآراء الخاطفة آراء بعض الناقدين المحدثين في أدب الصحافة أو فيما يكتبه الأدباء في الصحف والمجلات. فعند هؤلاء الناقدين المحدثين أن الأديب لا ينبغي أن يكتب للصحف والمجلات، وأنه لا يكتب فيها شيئا يستحق أن يعيش إلى غير الأجل الموقوت الذي يقدر لأخبار الصحافة وحوادث اليوم أو الشهر أو العام على ابعد الآجال.
وفي هذا الرأي آفة الآراء الخاطفة جمعاء.
فهو صحيح وغير صحيح، أو هو لا يقبل كله ولا يرفض كله، ولكنه يروج بصوابه وخطئه عند من (يخطفون) الآراء ويقابلون عجلة التفكير بعجلة الإصغاء.
فهذا الرأي صحيح إذا كانت كلمة (الكتابة) تشمل التفكير والتجربة والدراسة والمراجعة وتدوين الكلام على الأوراق.
فالكاتب الذي يفكر ويجرب ويدرس ويراجع في الساعة التي يدون فيها كلامه على الورق يخطئ في حق الأدب وفي حق نفسه ولا يستحق البقاء بعد طي الصحيفة التي يكتب فيها بساعات أو أيام ولكنه إذا كان يودع الصحيفة ثمرة التفكير الصحيح والتجربة الطويلة والدرس الدقيق والمراجعة المتوالية، فما هو الفارق بين إيداع هذه الثمرة في صفحات مجلة أو صفحات كتاب؟ وما هو وجه الخطأ في تعويد القارئ الصحفي أن يطالع الموضوعات المدروسة إلى جانب الموضوعات العابرة وأحاديث الفضول والسمر الرخيص؟
لا فارق في هذه الحالة بين أدب الكتب أدب الصحافة، ولا خطأ في اقتران الجد بالهزل لأنه خير من استئثار الهزل وحده بعقول القراء (الصحفيين).
ومن الواجب هنا أن نفرق بين تفكير وتفكير، وبين إسراع وإسراع، وبين ثمرة وثمرة.
فإذا كان الكاتب يفهم في أسبوع ما ليس يفهمه الكاتب الآخر في سنة أو بضع سنوات فليس هذا البطيء بالمزية المحمودة ولا ذلك الإسراع بالذنب المعيب.
وليست السلحفاة افضل من العصفور لأنها سلحفاة ولا العصفور أعجز من السلحفاة لأنه عصفور.
وإنما المعول على (الثمرة) لا على الزمن الذي تصل فيه هذه الثمرة إلى آكليها. فإذا وصلت إليهم في القطار السريع فليس حتما لزاما عليهم أن يردوها إلى البستان ليحملها إليهم بائع يمشي على قدميه!
كذلك لا يعاب الأديب لأنه يكتب في الموضوعات الهينة أو موضوعات الصحافة على اختلاف مواعيدها، فأما المعول على ما يقول في موضوعاتها لا عناوين تلك الموضوعات، وربما كتب بعضهم في الحروب العالمية فضاعت في قراءته اللحظات فضلا عن الساعات، وكتب بعضهم في لعب الأطفال فكانت كتابته أحق بالقراءة والحفظ من كتابة ذلك في حروب الأمم وقيام الدولات أو سقوط الدولات.
ولم نر من الأدباء المعاصرين من طرق هذا البحث فأحسن فيه كما احسن الأستاذ محمد روحي فيصل في مقاله بمجلة (الفكر) السورية حين قال: (. . . أرى مع ذلك أن الصحافي إذا استأنى في تحقيق كلمته، وجرى فيما يكتب على مهل وعناية، وحلل البواعث وتصور النتائج واحب وكره وخاصم في المثل الأعلى كان أديبا بأدق ما في الأدب من الخصائص، كما إن الأديب إذا أسرع في تركيز صوره وعرض تصويره سار إلى الصحافة وهو لا يدري).
وهذا هو الرأي السديد في موضوع الأدب والصحافة كما نراه، ولو عاد إلينا الجاحظ والأصفهاني وابن سينا وأدباء العربية الأقدمون أجمعين لرأوه مثلنا بلا خلاف في الجملة أو التفصيل، لأننا لا نحسبهم قضوا في تدوين مصنفاتهم المرسلة وقتا أطول من الوقت الذي يقضيه الصحفي اليوم في كتابة مقال، ولكنهم قضوا الوقت الطويل في الجمع والتحصيل، فهان عليهم بعد ذلك أمر التدوين والتسجيل.
وعلى ذكر الكتابة المرسلة نذكر الآراء (الخاطفة) التي تقال هذه الأيام عن السجع والترسل في بعض الموضوعات.
فقد تلقف بعضهم كلام الناقدين في نقد السجع فحسب أن السجع معيب على كل حال، وانه أسلوب قديم لا يطرقه الكتاب المحدثون ولا يوافق كتابة العصر الحديث!
وكنا قد تناولنا كاتبا منهم بالتسخيف والتفنيد في عبارات مسجوعة، فظن انه (أديب حديث) لأنه لا يسجع وأننا أناس جامدون لأننا نستخدم السجع في بعض العبارات!
ونحن نتعمد السجع أحيانا للسخرية أو للتوكيد والتقرير، ونفهم لماذا يعيبه الناقدون فنفهم انه أسلوب يطرق في هذا العصر كما يطرق في كل زمان، لان السجع لا يعاب لذاته، ولكنه يعاب لان المتقيدين به يهملون المعنى في سبيل القافية أو الفاصلة، فيعاب عليهم هذا الإهمال، ولو كان مجرد العناية بالقافية عيبا لعيب الشعر كله في اللغة العربية على التخصيص، لأنه يجمع القافية والوزن معا وينفرد الكلام المنثور بالقوافي دون الأوزان.
أما إذا اتفق السجع والمعنى فلماذا يعاب؟ بل لماذا لا يستحسن ويطلب في الكلام المنثور؟ انه زيادة فيه وليس بنقص، ومزية فيه وليس بعيب، ومطلب يراد وليس بمأخذ يجتنب، ولنا أن نتحدى من ينكره في بعض عباراتنا أن يمحوه ويرسل الكلام في موضعه، فإن لم يكن الترسل في هذه الحالة هو المخل بالمعنى فهو المحق في نقده ونحن المبطلون!
ومن هذه الآراء (الخاطفة) نقد الناقدين (الخاطفين) لوصف الناقة أو وصف الصحراء في عصرنا الحديث.
عز عليهم أن يفهموا لماذا عيب هذا على الشعراء المتقدمين فحسبوا انه منقود على الإطلاق، وإن آية التحريم قد نزلت على وصف النوق والصحراوات إلى أبد الأبيد
وليس الأمر كذاك فإنما يعاب وصف الناقة على المحاكاة كما تعاب المحاكاة في وصف الطيارة من احدث طراز، وكما تعاب المحاكاة في وصف القنبلة الذرية، وكل مخترع يأتي بعد القنبلة الذرية، ولو أتى بعدها بعدة قرون.
والجبال أقدم من الناقة، فهل يحرم وصفها على الشعراء والكتاب؟ والبحار أقدم من الجبال، فهل يحرم وصفها على الشعراء والكتاب؟ والكواكب والشموس أقدم من الجبال ومن البحار ومن الأرض نفسها، فهل يحرم وصفها على الشعراء والكتاب؟
والعجب أن تخفى هذه الحقيقة البينة على أحد ممن يفقهون الشعر أو لا يفقهونه! فكيف خفيت على أولئك النقاد؟
ما نخالها خفيت عليهم ألا انهم حسبوا أن الناقة (أداة مواصلات)، ووصفها الشعراء الأقدمون لأنها أداة مواصلات. فلا يحسن بالشعراء المحدثين أن يتركوا أدوات مواصلاتهم ليصفوا النوق في الصحراء.
والناقة ليست بأداة مواصلات وكفى، إلا إذا كان راكبها جمّالا وكفى.
ولكنها حيوان وراكبها إنسان، وشأن الحيوان والإنسان باق في الشعر وفي الإحساس والتعبير عن الإحساس إلى آخر الزمان.
وهي بهذه المثابة أحدث من طيارة اليوم وطيارة القرن الثلاثين وما بعد القرن الثلاثين.
وكذلك الصحراء وأهل الصحراء، وكذلك كل بقعة من بقاع الأرض وكل مطلع من مطالع السماء.
فالشاعر الذي تروعه الصحراء ولا ينظم فيها أعرق في المحاكاة والتقليد من الشعراء المتقدمين، والأديب الذي يحسب أن الطيارة قد نسخت الناقة والجواد وسائر المطايا الحية لا يحس الحياة ولا الأحياء.
وهذه تعقيبات تقال، ولا بد أن تقال وتعاد على تلك الآراء الخاطفة التي تروج بين خطاف الآراء والمذاهب في هذه الآونة، ولكنها ليست بالتعقيبات الخاطفة كما يرى القراء.
عباس محمود العقاد
مجلة الرسالة - العدد 691
بتاريخ: 30 - 09 - 1946