إذا أردت أن تعرب نصّاً فعليك أن تنظر إلى المعنى, فقد تقع في الخطأ من دون النظر إليه, قال تعالى في كتابه العزيز: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) هذه الآية نزلت في الذين أمهروا نساءهم بمهور كبيرة ثم يحبسونهن من دون حاجة إليهن، ولا يطلقونهن لغلاء المهر وثقله، ويؤذونهن حتى يقبلن بالطلاق بعد أن يتنازلن عن تلك المهور. وقد أعربَ محيي الدين درويش في كتابه إعراب القرآن وبيانه, وكل من أحمد الدّعاس, وأحمد حميدان, وإسماعيل القاسم في كتاب إعراب القرآن الكريم قوله (ولا تعضلوهن) كما يأتي: (الواو :عاطفة, و(لا) نافية, و(تعضلوهن): فعل مضارع منصوب عطف على (ترثوا).
للآية الكريمة أوجه إعرابية, والأفضل أن تكون الواو عاطفة كما ذكر وليست استئنافية لوجود التماسك بين الجملتين, وأقصد جملة (لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء) وجملة (ولا تعضلوهنّ), فالجملتان في حكم واحد من أحوال المعاملة كما هو واضح من المعنى فلا يستوجب الفصل بينهما, فالضمير المتصل (الواو) في (تعضلوهن) عاد إلى الواو في (ترثوا), والضمير (هنَّ) عاد إلى النساء, وهذا يشعر بدور الاتّساق في خلق تلاحم أجزاء الخطاب والحفاظ على استمراره, فهذا النوع من الترابط يحقق تماسك أجزاء النص واستمرارية المعنى.
أما (لا تعضلوهن) فذكر أن (لا) نافية, وقيل: زائدة للتوكيد, وقيل: جازمة, والأخير جيد وهو من باب عطف الجملة الطلبية على الجملة الخبرية التي نزلت بمنزلة الطلبية؛ لأن (لا يحلُّ) في معنى النهي, ولا ضير أن يكون الفعل المضارع (تعضلوهن) في محل جزم, والمعنى لا يحلُّ لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن على معنى الطلب. وأما نصبه عطفا على (ترثوا) فعلى قسمين: الأول : أن تكون (لا) مع (تعضلوهن) زائدة, والثاني: أن تكون (لا) نافية. فأمّا الزائدة فوجه صحيح, والمعنى: لا يحلُّ لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا يحلُّ لكم أن تعضلوهن, على معنى الإخبار.
والثاني : الوجه الذي ذكره المؤلفون أعلاه وهو وجه خاطئ؛ لأن معناه: لا يحلُّ لكم أن ترثوا النساء كرها ولا يحلُّ لكم ألّا تعضلوهن بل اعضلوهن ؛ لأن (لا) في (لا يحلُّ) نافية, و(لا) في (تعضلوهن) نافية أيضا كما ذكروا, ونفي النفي إثبات فيصير المعنى: يحلُّ لكم أن تعضلوهن, فبانَ فسادُ هذا الوجه الإعرابي لما فيه من فساد المعنى.
وصفوة القول: إذا قلت: لا أريد أن يقومَ وألّا يخرجَ , كان التقدير على قسمين: الأول: أن تكون (لا) الثانية زائدة للتوكيد, والتقدير: لا أريد أن يقوم وأن يخرج, فيمتنع القيام والخروج, وفي الآية الكريمة يمتنع الإرث والعضل وهو المطلوب, والثاني: أن تكون (لا) الثانية نافية, وهذا الوجه الذي ذكره المؤلفون فيكون معناه: لا أريد أن يقوم ولا أريد ألّا يخرج بل يخرج, أي: أراد خروجه, ومعنى الآية على وفق ذلك: يحلّ عضلهن أي: حبسهن, وهذا غير صحيح. ومزيدا من التوضيح قال أبو حيان الأندلسي: ( لو قلت: لا يحلّ لكم أن لا تعضلوهن, لم يصح إلا أن تجعل (لا) زائدة (لا) نافية ) يريد أن تجعل (لا) في (ولا تعضلوهن) زائدة, و(لا) في و(لا يحلّ) نافية, ثم قال في هذه المسألة: (هذا في فهمه بعض غموض على من لم يتمرن في علم العربية) فتأمل.
د. محمد نوري جواد
* الصباح
للآية الكريمة أوجه إعرابية, والأفضل أن تكون الواو عاطفة كما ذكر وليست استئنافية لوجود التماسك بين الجملتين, وأقصد جملة (لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء) وجملة (ولا تعضلوهنّ), فالجملتان في حكم واحد من أحوال المعاملة كما هو واضح من المعنى فلا يستوجب الفصل بينهما, فالضمير المتصل (الواو) في (تعضلوهن) عاد إلى الواو في (ترثوا), والضمير (هنَّ) عاد إلى النساء, وهذا يشعر بدور الاتّساق في خلق تلاحم أجزاء الخطاب والحفاظ على استمراره, فهذا النوع من الترابط يحقق تماسك أجزاء النص واستمرارية المعنى.
أما (لا تعضلوهن) فذكر أن (لا) نافية, وقيل: زائدة للتوكيد, وقيل: جازمة, والأخير جيد وهو من باب عطف الجملة الطلبية على الجملة الخبرية التي نزلت بمنزلة الطلبية؛ لأن (لا يحلُّ) في معنى النهي, ولا ضير أن يكون الفعل المضارع (تعضلوهن) في محل جزم, والمعنى لا يحلُّ لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن على معنى الطلب. وأما نصبه عطفا على (ترثوا) فعلى قسمين: الأول : أن تكون (لا) مع (تعضلوهن) زائدة, والثاني: أن تكون (لا) نافية. فأمّا الزائدة فوجه صحيح, والمعنى: لا يحلُّ لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا يحلُّ لكم أن تعضلوهن, على معنى الإخبار.
والثاني : الوجه الذي ذكره المؤلفون أعلاه وهو وجه خاطئ؛ لأن معناه: لا يحلُّ لكم أن ترثوا النساء كرها ولا يحلُّ لكم ألّا تعضلوهن بل اعضلوهن ؛ لأن (لا) في (لا يحلُّ) نافية, و(لا) في (تعضلوهن) نافية أيضا كما ذكروا, ونفي النفي إثبات فيصير المعنى: يحلُّ لكم أن تعضلوهن, فبانَ فسادُ هذا الوجه الإعرابي لما فيه من فساد المعنى.
وصفوة القول: إذا قلت: لا أريد أن يقومَ وألّا يخرجَ , كان التقدير على قسمين: الأول: أن تكون (لا) الثانية زائدة للتوكيد, والتقدير: لا أريد أن يقوم وأن يخرج, فيمتنع القيام والخروج, وفي الآية الكريمة يمتنع الإرث والعضل وهو المطلوب, والثاني: أن تكون (لا) الثانية نافية, وهذا الوجه الذي ذكره المؤلفون فيكون معناه: لا أريد أن يقوم ولا أريد ألّا يخرج بل يخرج, أي: أراد خروجه, ومعنى الآية على وفق ذلك: يحلّ عضلهن أي: حبسهن, وهذا غير صحيح. ومزيدا من التوضيح قال أبو حيان الأندلسي: ( لو قلت: لا يحلّ لكم أن لا تعضلوهن, لم يصح إلا أن تجعل (لا) زائدة (لا) نافية ) يريد أن تجعل (لا) في (ولا تعضلوهن) زائدة, و(لا) في و(لا يحلّ) نافية, ثم قال في هذه المسألة: (هذا في فهمه بعض غموض على من لم يتمرن في علم العربية) فتأمل.
د. محمد نوري جواد
* الصباح