في بيتنا الدمشقي الواقع في زقاق الحمراوي ياسمينة يتيمة تحتلّ حوضا جانبيا صغيرا من أرض الدار.
كانت الياسمينة نحيلة وطويلة بلا فروع صغيرة على جانبيها أو أزهار بيضاء وكنت أسقيها يوميا كلما شطفتُ أرض الدار على أمل أن تزهر وتنفلش فروعها... ولكنها بقيت على حالها من الكآبة مخالفة قانون الضحك والنمو...
جذع السندباد صلب..
وقريتي الجبلية تكتظ بأحراش السنديان، وليس من الغريب أن تصيبني عدوى السنديانة، فأنا من كثرة ما حفرت اسمي عليها ولعبت في أفيائها وتسلقت أغصانها، أصبحت جزءا منها، لذلك كان جذعي منيعاً على الانحناء! وهذه الصفة البدائية جلبت لي الأوجاع المديدة فيما بعد، عندما زوجني أهلي بإنسان...
1- يطول التعب ويقصر العمر
و فارس.. تعود منذ نعومة أظفاره أن يفيق مع الشمس وينعس في غيابها، وما بين الشروق والغروب ملحمة عشق لا تنتهي، والمسئوليات تتثاقل جبالا على المنكبين كلما تقدم به العمر. وذاكرة الاخضرار تنحدر بطحالب الوسن التي تعرش على دوالي القلب، والحنجرة قبضة حنين مكتظة النداءات...
امتهنت (( الصراخ)) منذ اللحظة الأولى التي لفظني فيها رحم أمي .
-مهنة الصراخ مزعجة وخطرة يا سعدى ..
-لا ذنب لي ، أمي توحمت على الجوع عندما كنت في بطنها .
***
سقط رأس سعدى في عز البرد بلا مظلة واقية أو كنزة صوفية تقي جسدها الصغير لسعات البرد المبكر ، كان السقف يدلف ، وجاءت محمرة الوجنات ، ندية...