فتىً في ربيع العمر. رأيته مرة قبل خمس سنين، وكنت أعهده فتى صموتاً مع رفاقه، يغرق بالتفكير، ويحدق بعينيه إلى جهة من الجهات، وعندما يحول نظره إلى جهة أخرى، يعقب التفاتته بحسرة. لا يكلم صحبه إلا بين آونة وأخرى، وأن ضحك فضحكة قصيرة هادئة.
التقيت به مرة في حياتي. وحاولت لقائه ثانية فما أفلحت، حتى...
-1-
وقف أبو علاء في ساحة بيته الجديد، شارد الفكر، متجهاً بعينه إلى الأفق البعيد. بيته هذا يشتمل على كوخين، يحوطهما سياج مصنوع من القصب. وتحيطه المياه من كل جانب. المياه هنا تغمر معظم تلك الأراضي، حتى أنه ليس باستطاعة أحد أن يتنقل دون أن يستعين بقارب صغير. القصب والبردي هنا يحتل أرجاء القرية...
هذا هو عنوان الديوان الشعري لوالدي –علي محمد الشبيبي- طيب الله ثراه، والذي سأنشره تباعاً على المواقع والصحافة الصديقة، وفي نفس الوقت أعمل من أجل طباعته وأخراجه بالشكل اللائق. ويشمل الديوان أربعة أقسام أو أبواب.
القسم الأول: (الهوى والشباب) يشمل قصائده الأولى أي بداية نظمه، فبعض قصائده كتبها قبل...
جاء في أساطير الأولين أن الملك النبي سليمان، حين غضب على الهدهد سجنه مع البوم. وهذا ما حدث لي تماماً!
في ليلة من ليالي كانون الثاني، أشتد البرد، واختفت حتى القطط. كنت في غرفة الموقف رقم (2)، وقد وقف الشرطي الحارس بعيداً عن الباب، ليحتمي من زمهرير البرد. أما أنا فقد لجأت إلى زاوية الغرفة ألتحف...
وقفت ماجدة أمام المرآة تتحسس جسمها الرشيق، تلمست نهديها البارزين كفنجانين مقلوبين. ونظرت بطرف عينيها ردفها فوجدته كما تتمنى النساء. وأمرّت يدها على بطنها، فارتاحت كثيراً لما أحست بانبساطه ولينه. كل شيء فيها جميل، شفتاها الريانتان، خدّاها الورديان، شعرها الجعد. ثم هي محبوبة زوجها، بل هي قبلته...
اكتظت الروضة الحيدرية عند الغروب –حسب العادة- بالزوار، والمتعبدين. واكتظ أكثر الجناح المعروف بـ "الجامع" والذي أصبح خاصاً بالنساء، فلا يذكر إلا مضافاً إلى "النسوان". ويشتد زحام النساء في هذا الجامع بصورة خاصة. عند الباب المسمى "باب المراد"[1] وبين جموع النساء وحلقاتهن، جلست امرأة على عتبة...
كانت الليلة حالكة الظلام، شديدة البرد. وقد مضى الثلث الأول من الليل. وساد القرية سكون شامل. وغط أكثرهم في سبات عميق. كانت الريح الباردة، تعصف بالأشجار، فَيُسمع لها صوت مخيف، وتصطدم بأسوار الأكواخ -وهي من السعف- فتسمعُ لها خشخشة موحشة. وكأنها تصارع أبواب الأكواخ لتقتلعها. إنها من خشب عادي، وصغيرة...
حين أنتهى الذاكر الحسيني، ونزل عن المنبر، أنفض أكثر الناس، ولم يبق إلا خاصة صاحب المجلس "الشيخ أحمد". وهو رجل وقور ومتزهد متعبد، ومن فقهاء البلد، ومتخصص بالتأليف في تراجم العلماء والأدباء.
ديوانه عبارة عن غرفة واحدة، متوسطة، ينفسح عنها ساحة، يتوسطها مربع يحتوي شجرة كرم، وزهور موسمية. ديوانه هذا...
كانت ألسنة اللهب تمتد من فم التنور، وتتمايل ذات اليمين وذات الشمال، كأنها تلعق حوافيه. أما "شمسه" فقد وقفت متكئة على المحراث[1]، غارقة بتفكير عميق، وقد صوبت نظرها إلى بعيد، كأنها تفكر بالغد المجهول؟
كل ما حولها هادئ ساكن. والنهر يجري متمهلاً كأنه العاشق الناحل. وشجرات الصفصاف تتمايل أغصانها...
-1-
كان الجو صحواً إلا من غيوم متناثرة. وتبدو في الحي حركة غير عادية، وفي مرح صاخب، يتنقل بعض القرويين بين قصر شيخ العشيرة والأكواخ المنتشرة هنا وهناك.
وتحت ظلال بعض الأشجار على ضفاف النهر الذي يشق القرية إلى نصفين، جلس بعض الضيوف من مختلف مدن اللواء (المحافظة)، يرافقهم بعض القرويين،...
كان علاء يراقب التلاميذ المنتشرين أثناء الفرصة الكبيرة، فهمس أحد المعلمين من زملائه بأذن أحد الجالسين بجانبه على كرسي. قال: لاحظ أن "عبد العالي" اليوم على خلاف ما نعهده فيه من هدوء وسكون واتزان. الانفعال باد في حركاته ونبرات صوته. انه يعيش منفرد منذ أشهر، لابد أنه قد سأم الوحدة. والأهم...