في ذلك المساء من شهر مارس أزيَّن قصر الوجيه حامد بك عرفان بحلة لألاءة من الأنوار المتموجة ذات الألوان، مدت أسلاكها الكهربائية على سور الحديقة فتعانقت مع الياسمين والبنفسج. وتعلقت بأفرع الأشجار والنخيل، وتوجت بها شجيرات الورود المنتثرة على هيئة أهلة ونجوم. وكان أعجب ما في القصر هو ذاك البهو...
الفن - أيا كان لونه وأيا كانت أداته - تعبير عن الحياة الإنسانية، فهدفه واحد وإن اختلفت كيفية التعبير تبعا لاختلاف الأداة، وكل فن في ميدانه السيد الذي لا يبارى، ففي عالم اللون التصوير سيد لا يعلى عليه، وفي دنيا الأصوات الموسيقى سيد لا يدانى وهكذا، فالفنون جميعا تتفق في الغاية وتتساوى في السيادة...
كانوا أربعة فتيان، جمعتهم في البدء نشأة الصبا على ما بين القصور الشماء والبيوت البسيطة من تفاوت ونفرة، وآخت بينهم زمالة الدراسة الطويلة ما بين ابتدائية وثانوية وجامعية، وأغراهم بالطموح إلى المجد اجتهاد عظيم وعزم متوثب ونجاح مؤازر لم يخنهم عاماً من الأعوام حتى غدوا تملأهم الثقة ويلهب قلوبهم...
دعوت للثورة وأنا دون السابعة .
ذهبت ذات صباح إلى مدرستي الأولية محروسا بالخادمة. سرت كمن يساق إلى سجن. بيدي كراسة وفي عيني كآبة. وفي قلبي حنين للفوضى، والهواء البارد يلسع ساقي شبه العاريتين تحت بنطلوني القصير. وجدنا المدرسة مغلقة، والفراش يقول بصوت جهير :
بسبب المظاهرات لا دراسة اليوم أيضا...
(تتمة ما نشر )
استرق إلى نفسي خاطر أن أنطلق بروحي إلى العالم فانطلقت، لم تحدث حركة في الواقع. وإنما كان يكفي أن يتجه فكري إلى شيء حتى أجده ماثلاً أمامي. بل الواقع أعظم من ذلك؛ فقد صار بصري شيئاً عجباً؛ لا يعصى أمره شيء، صار قوة خارقة تشق الحجب وتتخطى السدود، وتنفذ إلى الضمائر والأعماق. بيد أني...
غمرني شعور عجيب بأني فارقت الحياة، وأني لم أعد من أهل الدنيا، ماذا حدث؟! وما الذي تغير فيّ؟! مازلت في الحجرة. والحجرة كما كانت، فأمي وزوجي تحنوان على جسمي، ولكن حدث شيء بلا ريب، بل أخطر الأشياء جميعاً. لم أوخذ على غرة. ولو كان بي قدرة على الكلام لأجبت زوجي - حين سألتني (توتي. . . ماذا تجد؟) بأني...
(مهداة إلى روح أبي العلاء مؤلف رسالة الغفران)
مقدمة
(سودت هذه الصحائف يد ميت. كتبها بعد أن فارق الحياة واطمأن إلى مضجعه الأخير. ويبدو هذا - أول وهلة - غريبا لا يصدق؛ ولكنه يغدو لا غرابة فيه إذا تذكرنا حكمة قدماء المصريين التي أملت عليهم أن يودعوا قبر الميت آثاره وما كان يحبه أو ينتفع به في...
حسن الدهشان تزوج ثلاث مرات من بنات الأسر. وفي كل مرة تموت الزوجة قبل أن تضع ما في بطنها. عُرف بعد ذلك بحسن النحس، ورسخ ذلك وانتشر عندما خطب فتاة رابعة ماتت في مدة خطوبتها. وغزاه شعور موحش يدعوه للهروب والانزواء والزهد في الدنيا. ونصحه أهله ألا يستسلم للهزيمة، وحرضوه على تحدي حظه، وقالوا له:
-...
هي الوثبة الأخيرة التي وصل غليها قلم القصاص الكبير الأستاذ نجيب محفوظ صورة صادقة حية جياشة بالحياة عن الفترة التي تمر بها مصر اليوم. . . أخذ نجيب فيها أشخاصه من الطبقة المتوسطة فهي عائلة كان عائلها موظفاً يعيش بالنسبة إلى الحي الذي يقطن به عيشة رضية لا يقلقها المال كل القلق
وتقوم الرواية بعد...
من خصائص هوجو في قصصه أنه طويل النفس في إنشائها، مسترسل الوصف لشخوصها، أنه ليفيض في تصوير الشاعر كرنكوار أحد أبطال رواياته فلا تنتهي من وصفه بصفحات إذ يبدأ رسمه إلى أخمص قدميه، فذكرني بهذا الفن المسهب قصة جديدة للأديب الموهوب نجيب محفوظ، سماها (خان الخليلي) وقد عجبت لفن فتى اكتمل قبل الكهولة،...
القاص نجيب محفوظ شاب حديث عهد بالقصة، ولكني أعده في الصف الأول ومن المبرزين فيها وخاصة في القصة القصيرة، وأقاصيصه في مجلة الرواية تؤيد ما ذكرت، وتجعلنا نشد على يده إعجاباً بفنه، وتهنئة بفوزه، واستبشاراً بمستقبله في عالم القصة
وهو يمتاز بذوقه الخاص، وطريقته التي اكتسبها من القاص الكبير محمود بك...
جاءني شخص في المنام ومد لي يده بعلبة من العاج قائلا:
- تقبل الهدية.
ولما صحوت وجدت العلبة على الوسادة. فتحتها ذاهلا ، فوجدت لؤلؤة في حجم البندقة.بين الحين والحين أعرضها على صديق أو خبير وأسأله:
- ما رأيك في هذه اللؤلؤة الفريدة ؟
فيهز رأسه ويقول ضاحكا:
- أي لؤلؤة... العلبة فارغة...
وأتعجب من...
بعد الإعلان عن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988، كتب نزار مقالة في جريدة الأهرام قال فيها عن محفوظ: "ولديه بدلتا (سفاري)، واحدة ينام فيها، وواحدة يستحم فيها".
هذه العبارة المهينة لم ترد في سياق الذم، بل وردت في سياق تهنئة نزار لمحفوظ بمناسبة فوزه بالجائزة، وفيها يرسم الشاعر البورتريه...
مات أبوه فأحدث موته هزَّة عنيفة فى نفسه، فجرت بها ينابيع الحزن والألم والخوف، وجاء الموت بغتة فلم يسبق بما يمهد له عادة من مرض مستفحل، أو حادث أليم، أو عمر بالغ فى الكبر، وقد قابله صباح يوم الوفاة كعادته كل صباح وتناول معه طعام الإفطار وقرأ عليه الصحف وجاذبه بعض الحديث ثم غادر البيت لقضاء بعض...
أول رواية كتبها في مطلع حياته كانت عن “لاعب كرة قدم”، لم تعجبه فمزقها، ولكن الرواية الممزقة لم تكن هي أول علاقته بالكرة، فقد تعلق نجيب محفوظ بها في صباه بعد أن شاهد بالصدفة مباراة بين فريق مصري وآخر بريطاني انتهت بفوز المصريين، وكانت مفاجأة سارة له، فقد كان يعتقد وقتها أن الانجليز لا يخسرون...