إدريس علي بابكر

ليالي المنطقة الطرفية البائسة التي لا تعرف لها ادخار أماني لأحلام مؤجلة، تضج شوارعها المعرجة بعواء الكلاب و مواء القطط و نهيق الحمير المتعبة و غناء الحياري و جوخ بول السكارى على الحيطان الائلة للسقوط، في بيوتها الواهنة كخيوط العنكبوت تسمع نواح الأطفال الجوعي و المرضى و همهمات الأمهات الثكالي ،...
أثر طعنة حقنة لتطعيم السحائي عن طريق الخطأ في مؤخرتي أصبحت أعرج منذ طفولتي الباكرة، هذه العاهة المستديمة حرمتني من أن أحقق حلمي بالالتحاق جندي في الجيش مثل بقية اندادي، لم يكن لدي كثير من الخيارات العملية المتاحة بسبب تواضع مستواي التعليمي، استوعبني المستشفى الحكومي عامل نظافة من شرخ الشباب،...
شعر فاته قطار الأمنيات بعد ما أعتقد تصحر عمره و تصلب الدم في الشرايين ، وقع في شرك صبية صغيرة متعمدآ زرع أشواقه في حديقتها الغنا، (ابو ادم) يشتهي الدلال حينما تلتوي اليانعة شفتيها بالوعود و الكلام المعسول، تحرك رموشها الجارحة تنعكس في عيونها البلورية أحلامه الضائعة، تضحك ضحكة حادة كحد السكين...
سلوى امرأة شابة ذات إطلالة جميلة تحب النظافة إلى درجة الهؤس لها أنامل سحرية تجيد تسريحات شعر النساء بصورة مدهشة و ملهمة إضافة إلى ذلك تجيد نقش الحناء و التزين بطريقة مبهرة و مبتكرة قبل مناسبات الأفراح بيتها قبلة لكل نساء الحي بمختلف الأعمار سلوى تزوجت سبعة مرات و لم تجد التوفيق و الاستقرار في...
أسراب الطيور التي هاجرت القرية بعد الجفاف عادت إلى اعشاشها في زمن الخريف، الشمس الساطعة تغازل في الحقول، السماء الزرقاء و الغيوم المتفرقة نزلت منها المطر و ارتوت الأرض بعد التعب، امتدت في ربوعها الحشائش الخضراء كستها جمال تسر الناظرين، بين الجداول و السهول هبت النسائم و الدعاش تنفست الجناين و...
هربت من جحيم الحرب اللعينة مع بنتها الصغرى تركت كل شيء خلفها، الأرض المحروقة ، الحيوانات الأليفة و كل مغتنياتها، لم تحمل معاها غير ذكرى سوداء مرعبة سطر في كتاب الموت الغادر، على صفحات من الدم و الدموع، قاومت الحياة و المتاريس استقر بها الحال مجبورة خلف المدينة في رواكيب صغيرة تستظلي بها من هجير...
شاب ابنوسي في العقد الثالث من عمره أعزب طويل القامة صاحب وجه بشوش و قلب نقي مع ابتسامة ساحرة يبان منها أسنانه اللامعة، أتى من حيث أتى مجهول الهوية و المصدر وحيد بلا سند، إمتهن المهن الهامشية في المدينة من غفير مباني تحت التشيد و نظافة الجناين... الخ، أجاد حفظ الأمانة و النزاهة و الاستقامة و...
أعلن خبر وفاة جدي، لم يكن صادمآ البتة، هو ميت في دفتر الحضور بعد أن تجاوز المائة عام و بلغ به الخرف لدرجة أن يدخل بين البصلة و قشرتها، كان خبر موته باردآ لهم كغيمة شتوية لم تهتز اي شعرة من رؤوس الجميع أو هدرت دمعة من عيونهم هرولوا إلى مشاغلهم الشاغلة بعد دفن جدي إلى مثواه الأخير. وقفت وحيدآ على...
فقد عقله بسبب عشقه الخرافي لانسة تخلت عنه في منتصف الأحلام، كان وفيآ لها خذلته فامتطي صهوة الجنون يجوب الشوارع و الأسواق و محطات المسافرين، وجه مألوف لدى الجميع يجيد الرسم على الجدران و الأوراق، ليعبر عن حزنه المكبوت بلوحات زاهية تعبر مشاوير الخيال البعيدة، بعد الرسم يضع ريشته جانبآ يصرخ و يضرب...
خالتي حلوم لطخت حلمات أمي بالعجين لكي اترك الرضاعة و لكني شربت الحليب بخليط العجين لا أعرف سببآ واحدآ خالتي مهتمة لفطامي لهذه الدرجة حاولت للمرة الثانية مسحت حلمات أمي (بالشطة) كم كنت عنيدآ ابتلعت الحليب بنكهة الشطة تعالت صرخاتي و النواح تمسكت بحضن أمي أكثر من أي وقت مضى. خالتي حلوم لم تتركني و...
تزوج ابي من أمي و هي في عتبة الخروج من بوابة الطفولة إحتواءها خوفآ من الفضائح لا سمح الله أو التزامآ بالمثل الشاع في ذاك الوقت (غطى قدحك). لم تنجب أمي مبكرآ تجول بها أبي بين الأطباء و خبروه لا توجد عثرة للانجاب. سلك طريق قرآءة الكف و التنجيم و كل الدروب المجهولة و زيارات إلى بركات الشيوخ و...
عند وصولي اول مرة إلى ارض موسكو الساحرة للدراسة الجامعية كانت درجة الحرارة عشرين درجة تحت الصفر تقريباً شعرت ساعتها كآني في ثلاجة أصبحت ارتجف و ارتعش بكل اعصابي من شدة البرد انا القادم على التو من أرض النيلين محازية لخط الاستواء درجة الحرارة فيها ملتهبة تقترب من درجة الغليان عانيت أمرين...

هذا الملف

نصوص
27
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى