يمشي بين أعمدة الهيكل، تتثاقل خطواته، أسمر، عريض المنكبين، شفة غليظة تميز بها أبناء النيل، إضافة إلى السمرة والروح الجميلة، ولكن هذا المساء كان يحمل على أكتافه أعمدة الكرنك بكل ما فيها من ثقل، وكان يجرجر خطواته نحو العتمة، وكأنّه يمشى في اللاوعي، في اللاشيء، عبير الورود اختفى، وصوت الليل وأنين...
صعدتْ على درجاتِ المركبِ، كانتْ تصارعُ كي تحفظَ اتّزانَها.
الكعبُ العالي، الثوبُ الطويلُ الأزرقُ عاري الكتفين، الشالُ المرصّعُ بالوردِ الأحمرِ يقيها بردَ كانونَ القارصَ، لكنْ لا بدّ أن تعبرَ النيلَ، لا بدّ أن تملأ صدرها من رطوبته، تتّكئ على الريح، لا تريدُ أن يمسكَ أحدٌ يدَها حرّةٌ كالفراشةِ...
متثاقلة تحت حملها، وشنط السفر، شنطة حمراء على كتفها، وأخرى سوداء تشدّ كتفيها بقوة إلى الوراء، ترتدي شعرها المسدل على كتفيها كنهر على جبينها، خان المنديل الأحمر الذي يحضن شعرها، وهربت الخصلات تقبل جبينها وهي فخورة بحريتها، ومن وراء نظارته عينان تبحثان عن شيء ما، حبّتا زيتون عسليّ تتدلّيان من بين...
الساعة الرابعة أكثر وقت يستهويني للمشي أواخر أيام الخريف، وما من مرة مشيت مع لونا إلّا جنيت متعة لا توصف، إضافة إلى الرياضة الجسدية، والخروج من الحجر الذي طال أكثر من تسعة شهور، وقد مللت المكوث بين الجدران الإسمنتية بالرغم من أنّي لا أخرج كثيراً، لكن يبدو أنّه كلما أجبر الإنسان على شيء مقته،...
وعلى مرمى نجمةٍ
يذكّرُني الريحُ حينَ يزورُني
رائحةَ صوتِكَ
ويعيدُني في مركبِهِ إلى ظلِّكَ
نلتقي حولَ بياضِ الورقِ
يشتهي حبراً وأشتهي وطناً
كلانا فريسةُ العدمِ
لا يعلمُ من أينَ أتيتَ
ولا أعلمُ إلى أينَ يرحلُ
لأطيرَ من جديدٍ
قال: كوني لي صوتاً
أو رؤيا عبرَ رملِ الزجاجِ
أغسلُ الكسلَ المتراكمَ على...