- " النوابغ يموتون في شبابهم، لأنهم طيبون أكثر مما تستطيع الأرض تحمُّلَه"
***
"قَدْ تَطولُ الأعمارُ، لا مَجْدَ فيها
وَيَضُمُّ الأمجادَ يومٌ قصيرُ"
( بدويّ الجَبَل )
تقديم
تحية للجميع
ندرج في هذه الفسحة الادبية ابداعات متنوعة لشعراء وقصاصين وأدباء توقف نبضهم على حدود سن الشباب، و تنوعت عطاءاتهم وميادين ابداعهم، واختلفت جنسياتهم وبلادهم، اقتحموا الحياة بعنفوان وكبرياء وامل في الحياة ، مخفورين بفورة شباب لا تضاهى في البهاء، وبعشق ملذات وطيبات الدنيا، كما نستشف من خلال ابداعاتهم، فاصطدمت رادتهم بصخرة عنيدة، فلم يمهلهم العمر الشقي طويلا وتلقفتهم يد المنايا وهم في عمر الزهور وميعة الشباب، وشكلت وفاتهم خسارة كبيرة بالنسبة للفكر الانساني فكان تقديرهم علينا فرض عين.
ولعل اختيارنا لمرحلة الشباب تفرضه الضرورة، لانها المرحلة الاكثر اهمية وحيوية في حياة الكائن، وخلالها تتبلور التجربة وتتضح المعالم الشخصية والنضج الفكري والعقلي للكائن ، ويختلف الناس حول تعريف موحد لمرحلة الشباب، من منظمة لاخرى ومن شعب لآخر بحسب ما ورد في الموسوعة الحرة ويكيبديا :
الامم المتحدة تحدد فئة الشباب بأنهم أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة.
البنك الدولي يحصر فترة مرحلة الشباب في ما ببن 15 و25 عام.
معجم المنجد في اللغة العربية المعاصرة يحدد تلك الفترة من حد البلوغ إلى الثلاثين.
في بحثنا هذا اثرنا استثناء حصر سن هؤلاء بين سبع عشرة سنة وتسعة وثلاثين عاما في بعض الحالات النادرة، لان حياة مبدعين ترجلوا من قطار العمر في سن الرجال مثل كافكا وبودلير ويحيى الطاهر عبدالله وامل دنقل وعبدالله راجع الذي ناهزوا سن الاربعين بقليل، بحيث لو امهلهم القدر وامتد بهم العمر قليلا لوهبوا للانسانية ما لا يمكن تصوره في الحسبان، وبذلك لا يمكن باية حال من الأحوال وبكل المعايير مقارنة مسار حياة مليئة بالنشاط والعطاء والمعرفة بعمر انسان عاد جدا الذي لاهم له الا الاكل والشرب، لانه شتان ما بين هذا وذاك، ولان الحياة لاتقاس بالسنين والايام بقدر ما تقدر بالعطاء والابداع..
وسيحس المتتبع لمسار هذه الاسماء بنوع من الانحباس المشوب بالكآبة والحزن، دون احجام عن التفكير بشفقة في مصير هؤلاء الأشخاص الذين كانوا مقبلين على الحياة بشغف لا يضاهى وابيقورية وبكثير من الصدق والصفاء الذهني والاندفاع الروحي والعاطفي والبدني، والحس الانساني الصادق، والاصرار على البقاء، مسنودين بحيويتهم واندفاعهم، وبالشعر واللغة وسناء الحرف وبالامل ايضا، فكانت ابداعاتهم تحديا ضد الفناء، ومن اجل البقاء، تواقين للحياة متشبتين بحبلها، ومكرسين عمرهم للجمال والمتعة والمحبة.. وقد قال احد الفلاسفة - بحسب اختلاف المصادر والرواة - حين استمع لجودة اشعار ابي تمام ومعانيها البديعة: "هذا الفتى يموت قريبا، لأنه ينحت من نفسه".
المتتبع لهذا التوثيق يلاحظ ايضا مدى وفرة الشعراء عن غيرهم من المبدعين في حقول الابداع الاخرى، ولا نكاد نعرف مرد هذا الامر، ربما لان الشعراء هم اكثر رقة مشاعر ورهافة احساس من غيرهم من المبدعين..
ويزخر التاريخ بالعديد من الاسماء الكبيرة التي نقشت اسماءها بقوة واصرار في ذاكرته الفولادية، اسماء كانت تعطي اكثر لو ان العمر امهلها مزيدا من الوقت او لم تضع حدا لمصيرها بمحض ارادتها، لكنها حتمية الزمن، ولا يمكن التاثير فيها باية حال من الاحوال..
ويا لفداحة هذا الضياع
نحاول في هذا المتصفح حصريا النبش بين طيات التاريخ منقبين عن هؤلاء العظماء مستنيرين ببيت شعري لوالبة ابن الحباب من القرن الثامن الميلادي يقول فيه
"أحسن من در ومرجان / آثار انسان بانسان"
قراءة ممتعة
تحيات
* منقول عن الاصل منتدى مطر