د. محمد عبدالله القواسمة - ما أكثر الشعراء وما أقل الشعر!...

يتكاثر الشعراء في حياتنا الثقافية والإبداعية، كما يبدو في تلك الحركة النشطة، التي تتمثل في إقامة المهرجانات والندوات والملتقيات، ونشر الدواوين والمجموعات الشعرية. وفيما يظهر من قصائد تدعي الشعر على الشبكة العنكبوتية ومنصاتها الفضائية، مثل: الفيسبوك، والواتس، واليوتيوب وغيرها. وقد تداعت رابطة الكتاب الأردنيين مؤخرًا إلى إنشاء بيت الشعر العربي، على غرار بيوت الشعر في الأقطار العربية كبيت الشعر في العراق، والكويت، والإمارات، وفلسطين.

ودلالة على هذا التكاثر فقد بلغ عدد الشعراء، على سبيل المثال، من أعضاء الرابطة، الذين منحتهم صك الاعتماد، واختارتهم هيئة عامة لبيت الشعر العربي التابع لها 256 شاعرًا، كما ظهر في دعوتها أعضاءها من خلال الإنترنت لاختيار هيئة تنفيذية لبيت الشعر ذاك. ولا يهمنا من هذا الاعتماد في الأساس غير الالتفات إلى عدد الشعراء في الرابطة، فقد تجاوز عددهم عدد الشعراء في العصر الجاهلي، فعدد الشعراء الجاهليين، كما تذكر المصادر الأدبية، 120 شاعرًا مقابل 256 في الرابطة، إذا كان هذا عدد الشعراء الذين اعتمدتهم الرابطة فكيف عدد الذين لم تعتمدهم، أو الذين هم أعضاء في اتحاد الكتاب، والملتقيات والتجمعات الأدبية الأخرى؟ لا شك أنه عدد كبير.

على ضوء هذه الحقيقة، هل رافق هذه الكثرة تجويد في الشعر، وارتقاء بمعانيه وصوره؟ في الإجابة عن هذا التساؤل نقول: إن الشعراء تكاثروا، وقل الشعر الحقيقي، الشعر الذي يقوم على اتساق الإيقاع، وانتظام الألفاظ والتراكيب، واجتراح الصور المبتكرة، والرموز الشفيفة، والمعاني الإنسانية العميقة. وهو الشعر الذي وصفه الشاعر الحطيئة بقوله:

فَالشِعرُ صَعبٌ وَطَويلٌ سُلَّمُه
إِذا اِرتَقى فيهِ الَّذي لا يَعلَمُه
زَلَّت بِهِ إِلى الحَضيضِ قَدَمُه
وَالشِعرُ لا يَسطَيعُهُ مَن يَظلِمُه
يُريدُ أَن يُعرِبَهُ فَيُعجِمُه

ولعل من أبرز العوامل، التي ساعدت على تفاقم تلك الحالة تكمن فيما أتاحته الشبكة العنكبوتية لكثير من الكتبة ومدعي الأدب أن يظهروا شعراء على تلك الشبكات دون عائق أو جهد، مما منحهم الفرصة لرؤية آلاف الناس لهم ومعرفتهم، في معظم الأحيان، عرضًا ودون قصد. وهذا لم يحظ به المتنبي أو أبو العلاء المعري أو أبو فراس الحمداني في أزمنتهم. كما ساعد على بروز هذه الظاهرة استسهال قصيدة النثر، وغياب النقد الموضوعي، الذي حل مكانه التصفيق والتهليل من المتلقين. يضاف إلى هذا أن الناس يميلون بطبيعتهم إلى السهولة التي تتوافر في الشعر عامة، بخلاف الرواية والمسرحية والسيرة وغيرها.

لا شك أن هذا الواقع ألقى بثقله على الشعراء؛ فكثر الشعر الضعيف مبنى ومعنى، فجاءت صوره متهالكة، وتراكيبه ركيكة، وألفاظه هادرة خاوية، وأفكاره ضعيفة. ورأينا مجموعات من الجمل والتراكيب اللغوية متوزعة على صفحات كثيرة، لتشكل كتبًا ضخمة الحجم، تسمى دواوين أو مجموعات شعرية، ويُسمى صاحبها الشاعر الكبير، أو شاعر الأمة، أو شاعر الوطن، أو شاعر القضية، أو شاعر الهايكو العظيم.

إذا أردنا الخروج من هذه الحالة، التي تردى فيها الشعر، وكثر فيها الشعراء فإن الطريق صعبة ومعقدة؛ لأن الأمر يتصل بجوانب الحياة كلها، وخصوصًا الجانب التعليمي، فينبغي الاهتمام بالمدارس والجامعات، والمحافظة على اللغة العربية التي هي عنصر الإبداع الأساسي، وتطوير المناهج التعليمية، ورعاية المبدعين، والاهتمام بوسائل الإعلام والفنون التي تسهم في تربية الذوق، والارتقاء بالحس الجمالي الجمعي.

لعل الخطوة المهمة، التي يجب أن تسبق تلك الجهود ومن ثم ترافقها هي العمل على الارتقاء بالنقد الموضوعي، الذي لا يحابي أحدًا، ولا يتحزب لفئة، ولا يتعصب لطائفة أو قبيلة، ذلك النقد الذي يتوخى الحقيقة التي يُفصح عنها العمل الأدبي سواء أكان شعرًا أم نثرًا.

أما إذا استمر الانحدار في النقد وفي جوانب الحياة الأخرى فسيكثر الشعراء المتشاعرون، ويكثر الشعر النحيل، الذي لا يرتقي بذوق، ولا يخدم قضية.

تعليقات

تحيات طيبات دكتور محمد عبدالله القواسمة
ونحييك عاليا على هذا المقال العميق والمركز الذي يحمل غيرة على مستقبل الشعر، وجدير بالقراءة والتمعن...
حقيقة لا نعرف أهي أزمة إبداع، أم ازمة مبدعين؟ أم هما معا؟، وأين يكمن العطب، في زمن كثر فيه الشعراء، وضاع الإبداع، ولم يعد أحد يهتم بالجوانب الفنية ولا اللغوية مما خلق نوعا من الفوضى الهدامة، وفيما كان الشاعر القديم يتروى في ما يكتب، واضعا نصب وعيه جودة الشعر، وذائقة القارىء، اصيح أهل هذا الزمان يركبون النصوص وهم ياكلون او يتمشون او يجلسون في المقاهي دون مراعاة لراحة القراء، ولا لحرمة الشعر.
وقد قال الجاحظ "الشعر ضرب من النسج وجنس في التصوير"
لكن ما نرى هنا والان من كلام لا نسج فيه ولا تصوير

تلقينا عبر بريد المنصة منذ أيام رسالة من مبدعة تونسية تعيش في المهاجر، نشكر لها غيرتها على الموقع، تحمل لنا آراء العديد من أصدقائها يشتكون من خلالها المستوى المتدني والضعيف لبعض من (نصوص شعرية) في ركن الشعر على وجه الخصوص بأنطولوجيا السرد العربي..
وتقول في مجمل رسالتها التي ننقلها مع الكثير من التحفظ، ولولا أنها لم تذكر بعض الأسماء لكنا نشرناها كلها:

[الأخ الأستاذ المهدي

قرأت رسائل تشكو من المستويات المتدنية في منشورات البعض في قسم الشعر ولا أعرف لمن أوصل الإنباء

أقول هذا لمصلحة موقعكم الكريم والحفاظ على سمعته الجيدة والأهم من ذلك لمصلحة الشعر نفسه باعتباره أرقى أشكال الكلام

اطلعت على منشورات المعنيين وأكاد أصدق الشكاوي كليا، هناك أسماء عدة غير جديرة بكتابة الشعر أصلا .....

باختصار شديد، ما يكتبه أمثال هؤلاء ليس له علاقة بالشعر على الإطلاق وهم مجرد إساءة وإهانة للشعر للموقع قبل كل شيء

شاكرين لكم تعاونكم في اتخاذ اللازم

مع التحيات الطيبة]
 
الأستاذ العزيز نقوس المهدي

تحية طيبة وبعد

فإني أبارك هذه الجهود التي تبذلها من خلال منصة الأنطولوجيا في خدمة الثقافة، والفكر، والإبداع في الأجناس الأدبية المختلفة. ومن قبل هذا أقدر هذه الصفات الإنسانية الرقيقة التي تتحلى بها، وهي صفات بها نحس ونتأثر بخاصة عند قراءة ما تبدعه وتكتبه.

أما بخصوص تعليقك الذكي على مقالة "ما أكثر الشعراء وما أقل الشعر" فأشكرك عليه كثيرا؛ إنه تعليق يحفز على مزيد من الكتابة حول موضوع الشعر، وضرورة تجويده، وعدم التسرع في نظمه، والاقتداء بما كان يبذله الشعراء الأقدمون في سبيل ذلك. المشكلة يا صديقي أن الشعر الرديء يتكاثر هذه الأيام تكاثر الفطر، ويمتد تأثيره ليس في الفئات الشعبية والعامة بل في كثير من المثقفين والمبدعين المعروفين، فنرى بعض الشعراء المجيدين الذين بنوا مجدا في الشعر ينحدرون في شعرهم؛ فبتنا نقرأ لهم قصائد ركيكة، نعجب من انتسابها إليهم. وهذا يدل على أن البيئة الشعرية العامة الركيكة تؤثر قويًا في إفساد الذوق العام، وتساهم في تدني الإبداع والفكر والنقد.

نتمنى أن تتغير الحال بجهودك وجهود المخلصين من المثقفين والنقاد على الساحة الثقافية العربية.

أكرر شكري لك وتقديري.
 
أعلى