شاكر السكري - الفوضوية الفردية أو الوجودية!

الفردية مفهوم من مفاهيم الرجعية، ومخالفة من المخالفات الانحلال، وعامل من عوامل الهدم، وهدف من أهداف التفسخ للشعوب، وفوضية مجنونة ترعاها عقليات (هستيرية)!

كل ذلك مضمون واحد تجمعه تلك الفردية الانعزالية التي من شأنها أن تقوض الأسس التي تبنى عليها المجتمعات وتقوم عليها قوى الشعوب. . .

إن الأهواء الذاتية التي تدفع هذه الزمرة البشرية (الشرهة) لكي تتخذ من هذه المذاهب الجنسية مبررا يتيح لها بمقتضاه العمل على التخلص من المسؤوليات الأدبية، والتحلل من الأهداف الأساسية للتكوين العام الذي يلم شعث العالم وينظمه كأسرة واحدة تجمعها روابط الأخوة والإنسانية ويسترعي انتباهها الاتحاد التام والعمل الوثيق من أجل بناء كيان يحفظ للشعوب المتحررة حرياتها وحقوقها وينمي قابلياتها، ويحترم سيادتها، ويصون اقتصادياتها، كل ذلك والفردية الانهزامية تتجاهل العناصر التي قومت فرديتها الهزيلة وجعلتها ذات (صفات خاصة). . إن استخدام الأساليب الإباحية لضمان العواطف الفردية على حساب المجتمعات الجماهيرية تدفعنا للتفكير في الواقع الذي يرى أن هذه المذاهب ليست إلا غرضا من الأغراض التي بدأت تستخدمها السياسة وتسخرها في كثير من الشعوب المسيطر عليها. . والتي تخضع لنفوذ استعمارها لكي تشغل بها الأفكار، مستغلة بذلك إعطاء المجال للعواطف الجنسية الجامحة! أن تأخذ كامل حريتها في تمثيل ما تهواه من التفكك والانحلال! لتفقد بذلك السيطرة على نفسها والتفكير في مصيرها وشؤون بلادها، كما أنها تدعو لانعدام المسؤولية في مختلف تطوراتها، وهذا ما فطن إليه الاستعمار أخيرا وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. وبصورة خاصة في البلدان الأوربية. . التي بدأت أذهان مواطنيها تتفتح للتفكير في مصيرها ومستقبلها وضمان حرياتها ودعم كيانها واقتصادياتها، على الأسس التي تكفل لها الرخاء والتقدم. .

وقد وجد إلى الاستعمار الأمريكي والإنكليزي المجال الواسع في كثير من دول أوربا الغربية، تلك الدول التي أخذت تتجه اتجاها معاكسا للسياسة الاستعمارية. ولهذا الغرض وحده بذل الاستعمار الإنكليزي والأمريكي نشاطه لمعاكسة ذلك الاتجاه ومعاونة المذاهب الانحلالية والعمل على ازدهارها. . . ومثال ذلك المذهب الوجودي الذي تبناه الاستعمار في فرنسا لشل الحركة الوطنية، ليتمكن من تفريق القوى الجماهيرية. . وصرفها عن التكلف والاتحاد للتعاون على توحيد الجهود والعمل الحثيث على رفع مستوى البلاد للمحافظة على استقلالها السياسي والاقتصادي، ولغرض طعن الحركات الشعبية. إن الاستعمار ليرقص طربا عندما يشاهد الأكثرية المتهوسة مدفوعة بمثل هذه (العقائد الفاسدة!) ليخلو له الجو لبث شباكه وربط البلاد بواسطة حكومات رجعية ضعيفة لتعمل بوحيه لتحقيق أمنيته، كما هو الحال الآن في فرنسا وكثير من الدول الشرقية خاصة منها البلاد العربية!

ولو نظرنا بإمعان إلى هاتيك المذاهب وأخص بالذكر المذهب الوجودي، لرأينا أن الغاية المنشودة، لا تعد وانعدام المسؤولية في كل ناحية من نواحي المجتمع! وجعل ذاك المجتمع أو تلك المجتمعات تتخبط بفوضى غاية في الفضاضة والبشاعة! لقتل النشاط الفكري ووأد القابليات الإنسانية، ومحو الذهنية الواعية وتوجيهها توجيها منافيا للقواعد الاجتماعية السليمة!

هذا هو المذهب الوجودي، وتلك هي الغايات الخبيثة من ورائه، أما أن هناك مذاهب فلسفية تعنى بفلسفة خاصة وتهدف إلى التعمق لمعرفة ما لا يمكن معرفته، فهذا أمر بات غير ميسور في جو مثل هذا الجو العالمي الذي لوثت السياسة آدابه ومعارفه، وأضحت حتى الفلسفات فيه غاية تسخر في خدمة السياسة وما تنشده من مطامع خسيسة!

ولست أعدو الحق إذا قلت أننا في عالم أنعدم فيه الضمير وأصبح لا يعرف غير كسب مغانمه مهما كلف ذلك من ثمن! على حساب الشعوب وملايين من البشر. . .

ولسنا ممن يروم نصب العداء وعرقلة أعمال العقل البشري ما دام يسعى لتحقيق غرض أمثل وعمل أسمى.

أما أن هذا العقل يسعى لأغراض لا تمت إلى الإنسانية والخير بعلة فمعناه أن العقل مجرم أو أنه مريض غارق في شذوذه وأفكاره الكسيحة التي كتب لها الموت قبل أن تكون الحياة رائدها.

كما أننا لا نتهاون في أي وقت من الأوقات لمحاسبة (الأنا) الهاربة من الميدان، أمام تأثير النزعة المكبوتة التي لم تجد لها طريقا في الحياة الشعورية، والحقيقة أن علم التحليل النفسي الحديث قد أثبت مبلغ ما تؤثره هذه التصرفات وتخلفه من أمراض خطيرة تدفع المصابين بها إلى نهاية غاية في التعاسة والشقاء!

وقبل أن أختم هذه الكلمة أود أن ألفت نظر قراء (الرسالة) الغراء إلى كلمتي القادمة بعنوان (الوجودية في نظر التحليل النفسي!)

بغداد

شاكر السكري

مجلة الرسالة - العدد 974

بتاريخ: 03 - 03 - 1952

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى