إدوارد وليم لين - 23 - المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم في النصف الأول من القرن التاسع عشر.. للأستاذ عدلي طاهر نور

تابع الفصل السادس - عاداتهم

كثيراً ما يحدث أن يرد الرجل امرأته بعد طلاق ثالث (بشرط أن ترضى هي نفسها باستئناف المعاشرة وألا يوجد شهود بوقوع الطلاق) دون أن يخضع للقانون الثقيل السابق ذكره. وجرت العادة أيضاً أن يستخدم الرجل في مثل هذه الظروف آخرَ يتزوج المطلقة بشرط أن يطلقها في اليوم التالي لزواجهما فيعقد عليها الزوج الأول من جديد وإن خالف ذلك روح الشريعة مخالفة صريحة. ولكن قد تمسك الزوجة عن القبول، إلا إذا كانت قاصرة فيزوجها أبوها أو الوصي عليها من يشاء. ويُختار عادة للقيام بهذا العمل رجل فقير قبيح الشكل أعمى غالباً، يطلق عليه لقب (مستحل) - بكسر الحاء أو فتحها - أو (مُحلِل). وكثيراً ما يعجب المستحل بجمال المرأة التي يتزوجها بالشروط السابقة، أو بثروتها فيرفض أن يتركها، ولا يستطيع القانون أن يجبره على تطليقها إلا إذا ظلم. وطبيعي أنه يحرص على عدم الجور في معاملتها، ولكن الرجل يستطيع أن يستخدم (المستحل) دون تعرض لهذا الخطر. فقد جرت العادة أن يستخدم أثرياء الترك وبعض المصريين عبداً أسود من عبيدهم ليقوم بهذا العمل. وقد يُشتري العبد أحياناً لهذا الغرض، أو يطلب من النخاس أن يقدم العبد على سبيل العارية. وأحسن العبيد أقبحهم شكلاً، ويختار الترك على العموم عبداً غير بالغ، إذ يسمح لهم مذهبهم بذلك. وعندما تستكمل المرأة عدتها يقدم لها مطلقها العبد، بعد أن يحصل على رضاها بذلك من قبل، ويسألها الموافقة على الزواج به، فتوافق أمام لشاهدين، ويقدم لها المهر لتكمل شرعية الزواج، وبذلك يصبح العبد زوجها الشرعي. وبعد العقد فوراً، أو في الصباح التالي يقدم الزوج الأول إلى مطلقته هذا العبد ملكاً لها، فتنحل عقدة الزواج بقبولها إياه، إذ أن الشرع لا يبيح للمرأة أن تتزوج من عبدها إلا إذا أعتقته. وتستطيع الزوجة عندما يفسخ زواجها بقبولها العبد أن ترده إلى زوجه ثانية، ولكن يندر أن يسمح للمستحل بالقباء في المنزل. وبعد ذلك تستطيع الزوجة - عندما تنتهي عدتها - إن تعود إلى زوجها بعد أن فارقته مدة العدتين وذلك ما يقرب من نصف سن أو يزيد.

ومن الميسور أن نتصور ما تنتجه سهولة الطلاق من ضرر ينال الجنسين معاً. وفي مصر رجال يتزوجون في عشر سنين عشرين امرأة أو ثلاثين أو أكثر من ذلك. وفيها كذلك نساء لم تتقدم بهن السن يتزوجن عشرة رجال أو اكثر على التوالي. وقد أُخبرت أن هناك رجالاً تعودوا الزواج كل شهر تقريباً بامرأة جديدة. ولا يصعب ذلك على الرجل ولو لم يملك إلا القليل، إذ يستطيع أن يختار من بين نساء الطبقات السفلى أرملة شابة أو مطلقة ترضى أن تصبح زوجة له بمهر يقرب من عشرة شلنات، ولا يلتزم عندما يطلقها بأكثر من ضعف هذا المبلغ أثناء عدتها. ولكن يجب القول بأن المصريين على العموم يعتبرون مثل هذه التصرفات فاضحة، وقلما توافق عائلات الطبقات العليا والوسطى أن يزوجن بناتهن من رجل مزواج.

ويقل تعدد الزوجات في الطبقات العليا والوسطى عنه في الطبقات السفلى. وتعدد الزوجات مفسد لأخلاق الزوج وزوجاته، ولا يبرره غير تقليله ارتكاب الفاحشة، ويستطيع الفقير أن ينعم بزوجين أو أكثر، وتستطيع كل منهن أن تقوم بضروريات معيشتها تقريباً بأي صنعة أو عمل. إلا أن أغلب رجال الطبقات العليا والوسطى منصرفون عن ذلك لما يحدثه تعدد الزوجات من نفقات وتعب. وقد يضطر الرجل الذي يحب زوجته العقيم إلى الزواج بأخرى أحياناً لتكون له ذرية، وقد يتزوج بثالثة أو رابعة للسبب نفسه. بيْد أن السبب البيّن والمألوف لتعدد الزوجات هو عدم استقرار الشهوة؛ ولكن قلّ من يرضي هواه بالأسلوب السالف. وأعتقد أن ليس هناك أكثر من رجل واحد بين كل عشرين رجلاُ ينعم بزوجتين.

وتتمتع زوجة الرجل الأولى بالمكان الأول بين زوجاته الأخريات وتسمى (الست الكبيرة). ومن هنا كان كثيراً ما يحدث عندما يرغب الرجل في الزواج أن يشترط أهل الفتاة المخطوبة أو الفتاة نفسها أن يطلق الزوجة الأولى أولاً. وطبيعي أن المرأة لا تستحسن زواج الرجل بأكثر من واحدة. ويُعد الرجل الثري أو المتوسط الحال حتى الفقير لكل من زوجاته مسكناً منفصلاً. وتستطيع الزوجة أن تجبر زوجها على أن يخصص لها (مسكناً شرعياً) منفصلاً أو شقة (بها غرفة واحدة للنوم وللجلوس ومطبخ ودورة مياه) منفصلة عن غرف المنزل الأخرى. وتسمى كل من الزوجتين أو الزوجات (ضُرَّة) وكثيراً ما يتحدث الناس عن مشاجرات الضرائر. ويستنتج طبعاً أن الصداقة لا تحصل دائماً بين امرأتين يقتسمان حب رجل واحد وحدبه. وكذلك الحال على العموم بين الزوجة والسرّية اللتين تعيشان في منزل واحد وفي أحوال متشابهة. ويحدث أحياناً إذا عقمت السيدة وحملت من دونها، زوجة كانت أو سرية، أن تصبح الأخيرة مفضلة لدى الرجل، (وتصغر في عينها) سيدة المنزل كما صغرت امرأة إبراهيم في عيني هاجر للسبب نفسه ولذلك كان كثيراً ما تفقد الزوجة الأولى مكانتها وامتيازاتها. وتصبح الأخرى سيدة المنزل يعاملها منافساتها والحريم جميعه والزائرات، لخطوتها عند الزوج، بنفس الاحترام الظاهر الذي كانت تتمتع به الزوجة الأولى. ولكن قد تستعمل الكأس المسمومة أحياناً للتخلص منها. وكثيراً ما يكون تفضيل الزوجة الثانية سبباً في تقييد الزوجة الأولى في المحكمة (ناشرة) بناء على طلب الزوج أو طلب الزوجة الأولى نفسها. ومع ذلك كان كثيراً ما يرى زوجات يخضعن إلى أزواجهن الخضوع المثالي الصادق في مثل هذه الأحوال، ويعاملن الزوجة المفضلة بود وطيبة. لبعض الزوجات جوار يشترين خاصة أو تقدم لهن قبل الزواج. وأولئك الجواري لا يصبحن سريات للزوج إلا بإذن تسمح به السيدة أحياناً (كما كان حال هاجر جارية سارة) ولكن ذلك نادر جداً. وكثيراً لا تسمح أيضاً الزوجة لجارتها أن تسفر في حضرة زوجها. وقد يتسرى الزوج بالجارية دون إذن سيدتها؛ وقد تحمل منه فيصبح الطفل عبداً إلا إذا بيعت الأم أو أهديت إلى الأب قبل ولادة الطفل.

والجواري البيض غالباً في حوزة الأتراك الأثرياء، أما سراري المصريين في الطبقتين العليا والوسطى فهن من الحبشيات. ويبدو أولئك الحبشيات من سيماهن ولون وجههن من جنس وسط بين الزنوج والبيض وإن كان الفرق بينهن وبين الجنسين كبيراً. ولكن الحبشيات يعتقدن أن ما بينهن وبين الجنس الأبيض من تفاوت قليل فلا يمكن حملهن على القيام بخدمة زوجات سادتهن مع الخضوع الواجب. وتشعر الجارية السوداء نحو الحبشية الشعور نفسه، ولكنها تخدم البيض بكل ارتياح. وأذكر هنا أن الجواري اللاتي يسمين حبشيات لسن، ما عدا القليل منهن، من بلاد الحبشة، ولكنهن من أقاليم الجلا المجاورة.

وأغلب الحبشيات جميلات. وتقدر الحبشية المتوسطة الجمال من عشرة جنيهات إسترليني إلى خمسة عشر، ولكن هذا نصف ما كان يدفع عادة ثمناً للواحدة من سنوات قليلة خلت. ويقدر أصحاب الشهوة في مصر الحبشيات كثيراً. ولكنهن رقيقات التكوين فيغني أغلبهن رويداً في هذا البلد. ويقدر ثمن الجارية البيضاء عادة من ثلاثة أضعاف إلى عشرة أضعاف الحبشية، وثمن السوداء حوالي النصف أو الثلثين أو ما يزيد بكثير إذا كانت تجيد الطهي. وتقوم الجواري السود بالخدمة.

ويدخل جميع الجواري تقريباً في دين الإسلام. ولكنهن على العموم لا يعرفن من دينهن الجديد إلا قليلاً. وأغلب الجواري البيض اللائى كن بمصر أثناء زيارتي الأولى يونانيات. وقد أسرت الجيوش التركية المصرية تحت قيادة إبراهيم باشا كثيرين من أبناء هذا الشعب البائس، وأرسل كثيرون منهم ذكوراً وإناثاً وأطفالاً ليباعوا في مصر. وقد قل طلب الجواري البيض فيما بعد لشيوع الفقر بالطبقات العليا في مصر. ويجلب من الجركس والكرج عدد قليل قد تلقى بعضهن نوعاً من الثقافة الأولية إذ يتعلمن الموسيقى وبعض الفنون الأخرى. وقد شغلت الجواري البيض مكانة أعلى من مكانة الحرائر في مصر عند الرأي العام. فكثيرات منهن كن رفيقات لعظماء الأتراك أو زوجاتهم. وكان الأتراك يفضلوهن على الأخريات. ويلبس أولئك الجواري أفخر الملابس، ويتقلدن الحلي النفيسة، وينعمن تقريباً بكل مستطاع، ويعتبرن في بعض الأحوال إذا لم يستعملن للخدمة سعيدات. وقد أثبت ذلك أخيراً - منذ انتهاء الحرب في اليونان - أن جواري كثيرات بقين أسيرات في الحريم، ولم يرغبن في الحرية. ولا يمكن افتراض عملهن نتيجة جهل بحالة أسرهن وأقاربهن، أو خوف التعرض للفقر. وإن كان يحتمل وإن كان يحتمل أن بعضهن حمل على البقاء تحت تأثير الظروف الدينية والأخلاقية التي أخضعن إليها قسراً، ولأنهن دخلن في سلطان سادتهن أطفالاً. ولكن إذا كان بعضهن سعيدات وقتاً ما على الأقل فهن قليلات نسبياً. وقد قدَّر لأغلبهن أن يخدمن زميلاتهن الحظيات أو السيدات التركيات، أو أن يتقبلن كرهاً ملاطفات عجوز غني، أو رجل أنهك الإفراط جسده وعقله، ثم يُعرضن للبيع إذا لم يكن لهن أطفال عندما يسأمهن سادتهن أو سيداتهن، أو عندما يموتون، أو يحررون ويزوجن من بعض الوضعاء الذين لا يستطيعون أن يمنحوهن إلا القليل مما تعودنه من الرفاهية. وتعتبر جواري الطبقات الوسطى أحسن حالاً من جواري الأغنياء؛ فلا يعكر صفوهن في أغلب الأحوال منافسة عندما يستخدمن للتسري، ولا يتعبن أو يشتد عليهن عندما يخضعن للخدمة. وكثيراً ما تكون حالة السرية أسعد من حالة الزوجة إذا دامت المحبة المتبادلة بينها وبين سيدها. إذ أن الزوجة قد تطرد في وقت غضب الزوج، فيوقع عليها طلاقاً لا رجعة فيه فتمسي في حالة فقر. بينما يندر أن يطرد رجل جاريته دون أن يدبر لها الأمر. فإن لم تكن تعودت الترف لا تتألم كثيراً أو إطلاقاً من هذا التبدل. فيعتقها السيد ويمنحها مهراً ويزوجها رجلاً طيب السمعة أو يقدمها إلى صديق.

وسبق أن ذكرت أن السيد لا يمكنه التصرف في جارية حملت منه وأعترف بولدها. وكثيراً ما يحدث أن تعتق هذه الجارية بعد الحمل فوراً وتصبح زوجة. فلا تستطيع الجارية عندما تعتق أن تقوم طويلاً مقام الزوجة شرعاً إلا إذا تزوج بها السيد. ويرى بعض الناس أن من العار بيع الجارية التي بقيت طويلاً في خدمتهم. ويفسد (الجلاّب) أو تاجر الرقيق - في الصعيد والنوبة - الجواري الحبشيات والسود أقبح فساد. ويندر أن ينجو من في سن الثامنة أو التاسعة من شدة عنف النخاسين. وكثيراً ما يلقى هؤلاء الأطفال والأحباش منهم خاصة، أنفسهم في النيل أثناء السفر، هرباً من قسوة (الجلاب). وتعتبر الجواري من أي طبقة أغلى ثمناً من الذكور في السن نفسه. ويعطى المشتري ثلاثة أيام تظل الجارية أثناءها في حريمه أو في حريم صديق له ليقدم النساء له تقريراً عنها. ومن أسباب إعادة الجارية إلى التاجر أن تغط في نومها أو تصر بأسنانها أو تتكلم أثناء النوم. وتشبه ملابس الجواري ملابس المصريات.

(يتبع)

عدلي طاهر نور

مجلة الرسالة - العدد 447
بتاريخ: 26 - 01 - 1942

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى