روجَن بارناس - يوم سعيد يا روزا !.. قصيدة، الترجمة عن الكردية مع التقديم: ابراهيم محمود.

الاسم الفعلي : محمد كَمجي Gemici " أي محمد البحَّار بالتركية ". إنه شاعر كُردي معروف، من مواليد فارقين " تركيا " عام 1944، درس في مسقط رأسه ثم في ديار بكر، واسمه الحركي روجن بارناس " Rojen Barnas والذي يعني الشمس النابضة بالحِمْل المعروف، بالكردية " . مارس النضال السياسي، وتعرَّض للسجن والاعتقال جرّاء ذلك، سنة 1971، وحكِم عليه بالسجن سنتين، حيث يتناول تجربته هذه في كتابه " فارقين "، وبعد ذلك باشر الانخراط في العمل الصحافي والكتابة الأدبية، من قصة وشعر، وفولكور كردي، وبعد انقلاب 12 أيلول 1980 في تركيا استقر في السويد كالعشرات من أقرانه من أهل الكتابة الكرد، وهو الآن أحد النشطاء العاملين في خدمة الثقافة الكردية للمعهد الكردي في باريس.
كتبه المنشورة : عند سد الصباح " شعر " 1979- قمر في سماء ديار بكر " شعر " 1983 ، مُلْك الحب " شعر " 1985، حينها " قصة " 1987...الخ
هذه القصيدة المختارة من كتابه المعنون بـ" مجرة درب التبانة " والذي يضم المجموعات الشعرية التالي: عند سد الصباح- قمر في سماء ديار بكر- مُلْك الحب- يَلْدا" منشورات نوبهار، ستانبول، ط1، 2013، والتي تستغرق خمس صفحات منه " 190-194 "، مكتوبة بلغة غنائية، بشفافيتها وحزنها العميق معاً . إذ إن الغربة ذاتها باعثة على التلوع والحنين المقض للروح، هي ذاتها علامة استئثار بحزن يحرّض كامل الجسد أحياناً على الدخول في تراجيديا الحالة النفسية القائمة على لغة المفارقات، والتي توفّر ذخيرة كلمات وصوتاً يتقطر شجناً.
في حال شاعرنا الكردي، كما هو اسمه: لقبه، ومفارقة التحويل، ينبري هذا الوجود الممزق داخله، وهو يخاطب حسناءه الأوربية بالتأكيد، حبَّه ربما ، حيث يعيش مغترباً، ممتلئاً قهراً، ليعرّف بنفسه، حقيقة ما هو عليه داخلاً، وليس ما تعرفه هي، مترجماً بعضاً من مناخات حنينه إلى وطنه اللاوطن: كردستانه، كما هو ملحوظ في بنية القصيدة الطويلة نسبياً، والتي يكون الكردي فيها واحداً، فهو إذ يستهل قصيدته بتحية صباحية مكررة تقريباً: يوم سعيد- صباح الخير، لعلها العبارة نفسها أداءَ تعبير، فأن تتهجى أياً منهما، تكون قد عبَّرت عن أول النهار. سوى أن الشاعر يستحضر الكردي الناطق بلهجة " كُرمانجية " في شمال كردستان، حيث تكون " لغته/ لهجته "، و" سورانية " بالنسبة لمن يعيش في " السليمانية " في جنوب كردستان.

ولهذا كان الاستهلال :
Robaş
Beyanî be xêr
أي: يوم سعيد- صباح الخير
حيث كل تحية تشير إلى جهة، ولكنها حالة واحدة في التحيَّتين، كما أسلفت .
وتكون الجهات ذاتها ذات دلالة، وأنوّه إلى سمتها الخاصة، لمن لا يكون على بيّنة منها.

الشاعر عندما يخاطب حسناء قائلاً :
Xarîta dinyayê veke li ber xwe
Li hêla bakurîn binhêre
Tê bibînî ….
ضعي خريطة العالم مفتوحة أمامك
انظري الجهة الشمالية
سترين...

إنها إشارة إلى الجهة الجغرافية الكردية التي خرج منها مضطراً " الشمال: شمال كردستان "، ولهذا، فإنه حين كان أي كردي يسمي هذه الجهة، وخاصة في الكتابة وفي الشعر، يُسأل عن مقصده في الحال من أولي الأمر السياسيين، وأن الجهة تدرَك مباشرة في دلالتها، كما في عبارة " جنوب كردستان : Başûrî Kurdistan " أي " إقليم كردستان العراق...وهكذا.
ما توخيتُه من ترجمة هذه القصيدة من الكردية إلى العربية، هو عرضها لقارىء العربية ومعايشة عالمها الفني، وما إذا كان الشاعر أفلح في الإخلاص للقصيدة فنياً، وما توخيته من التقديم، هو إضاءة بعض النقاط الخاصة بمسميات القصيدة كردياً، وليس الدعاية للقصيدة أبداً!

نص القصيدة :
يوم سعيد
صباح الخير
أنا وأنت ِ
حلَّقنا مع العصفور
متباعدين ثلاثة آلاف كيلومتر عن بعضنا بعضاً
إنما روحاً
أقرب لبعضنا بعضاً من روحينا


صوتي لا يتناهى إليك ِ، أعرف ذلك
عند أول إطلالة الصباح
في نوم عميق
لا صوت
لا نأمة
حيث أقول :
يوم سعيد في النوم
صباح الخير في الخيال


افتحي عينيك بنعومة
نشّطي جسمك ِ بأريحية
وأنت تبثين الحركة في روحك
وتذكّري بعمق
أن حركة أمواج الحس
تخرج
وهي تعبر البراري والبحار
وهي تصخب
من أعماقي المتأججة
صحبة أنّاتي
لا تخافي، هذا ليس خبراً جديداً
إنه إعلام
إنها معلومةٌ سليلة قلبي
قلبي
ينبوع النار
قلبي
قوس الحب

ضعي خريطة العالم مفتوحة أمامك
انظري للجهة الشمالية
سترين
أرضاً
مثل رأس مدْية
وهي تنحدر صوب المحيط
وقلبها يلتهب
توقاً إلى الشمس
هـ...
هنا !
هناك،
يكون عش عزلة قلبي

ورد على غصنه
زهرة أكثر زهواً في فننها
إذ ما أن تفارق الماء
يموت السمك
صحيح،
أن الإنسان سمَّى الإنسان
والسمكُ السمكَ كذلك
نحن
لسنا سمكاً، لسنا ورداً، لسنا زهراً
-بعين مجردة
عندما ينظَر إليه-
إنما نحن أيضاً
عندما نخرج من عشنا الثقافي- الاجتماعي
لسنا أكثر اختلافاً عما ذكرنا جميعاً

أنا
لست غصن حَوْر
لست خيزران دالية
كي أنبت من جديد دونما روح
أمدُّ جذوراً في التربة من جديد

أنت هكذا
لا تنظري
إلى شبابي
بعين مجردة
بمنطق عار ٍ
طِيني
قد عجّن
في وعاء ثقافة فكرية
على مدى آلاف السنين
واعتنيَ بي
في مصهر القومية الفعلية
وأقدَمَ من ذلك
وأنا
أقدم من زرادشت
أكثر نماء من عمري المائة


الغربة مريعة
التغرُّب
كابوس مسعور يربض على صدرنا
والوحدة
مثل
قطرة عارية
تعيش
بمفردها
في محيط كبير
وهي معروفة
ووهي تتنفس...

أيتها السخونة طيَّ أمواج الدم
لا تتنملي
لا تجمدي
لا تتوقفي
هزة
تبخَّري
اغلي
لا تعيقي طوافك
انتبهي إلى
نفسك

من أجل وطني، بعيد أنا عن وطني
من أجل وطني هلاميٌّ ووحيد
من أجل وطني
تعيسٌ في هذه الأمكنة

أيا رنين القمر
حيث
سرابه الآن يجهش بالبكاء
في دجلة
في الفرات
حيث
يسأل أمام ضوئه
ألا تعرفون أن قلبي
إلى أي مدى متعلق به،
كيف ينبض توقاً إليه
كيف يذبل
مرة في تحفزه

أيا روزا
يتها الجميلة
الحلوة
المرنانة
النور أمام قدرتي
فَلَاح للرغبة في مقصدي
إنما
عروس الليلة الواحدة
التي لم تنم مع العريس
قبّلي بالنيابة عني
بعينيك الشهلاوين
نجومي الواحد تلو الآخر
واخرجي انتظاراً للشمس
وقولي
مع برودة الصباح :
-أيا صديقنا الماضي
ملاذ توقعاتنا !
متى ستبتسم لنا ؟
متى ستخرج معنا
إلى النصر ؟

أي روزا !
يا مراح حبّي
لك السرور والحبور
نهار سعيد !
صباح الخير !

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى