طارق طوفان - يأخذ الله بيد من يبدأون من جديد.. ترجمة عن التركية: مي عاشور

ذات صباح، عندما تنهضون من فُرشكم، تكتشفون أن قشرة طلاء الحياة بدأت في التصدع. تحملقون إلى عينوكم وكأنكم تتأملون وجه يائس وطاعن في السن.. يطل وجه الحقيقة الحزين الذي كان مغطى بالطلاء المتساقط من دورة المياه. تملأ كفوفكم رعشة قلق من الماضي لا يمكن أن تُخفي، والمعلوم أنها هي تلك قصص الهروب العشوائية،التي تمتزج بالدموع المنسكبة من عيونكم.

تتسرب إلى حجراتكم الدماء المنسفكة من كل بقعة من بقاع الشرق الأوسط والمذاعة في نشرات أخبار في الراديو، وفي جُنح الليل تنتفض أقدامكم -بفزع- في وسط منامات بلون الدم.

عندما تستيقظون ذات صباح، لن تكونوا أسعد حظًا من (*) جيورجر سامسا.

على سبيل المثال تتحولون إلى شىء مكنون في تفصيلة صغيرة للحياة. ستصيرون -قطعًا- غرباء أكثر فأكثر، مع مرور الوقت. أو مثلاً تصيرون فجأة مجرد رقم من أرقام مسلسلة على دفتر ادخار أو بطاقة ائتمان موجود في جيوبكم. أو قد لا تصبحون سوى رقم بين أرقام حساب إيداع تُرك ليتزايد في حياة عديمة البركة.

يمكنكم أن تفتحوا أعينكم على الدنيا، ولا يتعدى كونكم حرف من حروف لوحة إعلانات مضيئة. لما لا؟ فربما تحملقون هكذا في الحياة، كملصق مُعلق على لوحة إعلانات. وكذلك يجوز أيضًا أن تستفيقوا ذات صباح في صورة لبيسة أحذية، أو لوحة مفاتيح للحاسوب.قد أنسلختم عن ذاوتكم متحولين إلى شىء ما. يمكنكم أن تهووا إلى السكون المخيف للأشياء وتغرقون في الصمت الرهيب لتلك التي سُلبت منها قدسيتها.

ربما تُحَوِل الدماء المتساقطة من بين أسنانكم قمصانكم ناصعة البياض إلى لون قاني في لحظة، بينما تمضغون أنتم لقمة مغموسة بألم الخيانة جاءت من نصيبكم، وسط الفوضى المتأججة في المدينة.

تظل الرأفة التي تتكففونها من الأوراق البيروقراطية عالقة على وجوهكم، كبقعة غريبة عجزتم عن محوها بالغسيل. وتضيع كلماتكم الأخيرة وسط الصرخات الهائجة والتي لن يسمعها مخلوق. وتُحبسون صامتين داخل نيرانكم حتى تعجزون عن إنشاء جملة جديدة. ولن يَسمح (*)هريركم التعبيرعن جملة واحدة ذات معنى، وستطوفون حول المعبد عديمي الحيلة بلغة لا يفهما أحد.

قد بقيت الأثار العميقة للحياة السابقة، معلقة في ذيل رياح غير منصفة. أما المطر الآتي من صدر غيمة مباركة، فمن الآن فصاعدًا سيهتن بعيد جداً، وسيظل محكومًا على قلوبكم المنهكة بالمجاعة في أيام القحط.

عندما تصحون، ذات صباح في مدينة تلاشى وجود إلهها، ويملأ صوت الشيطان الذي ذاع فيها مكاتب شركاتكم ، ستصير أذانكم على وشك الانفجار. قد ضاعت الآية الأخيرة بين جداول الحسابات والإحصائيات. سيَحرق أبدانكم نسيان الدعوات الأخيرة. وستعجز ثيابكم الأنيقة عن منع رجفة متعرقة لحمى. وستصبح علبة الطعام التي سرقتموها من صبية نيرانًا تلتهمكم. وستبحثون في دومات الجُبن عن جمل للنجاة، وستعكس عيونكم الواجلة صورة مذنب ُطرد من (*) الأعراف.

ذات صباح عندما تستفيقون، لن تجدوا في المدينة أي مبنى حجري باقِ يؤوى إليه….

لن تخبئكم أي بناية…

ولن يستر ذنوبكم أي بيت…

ولن تُشرق أي شمس من أجل العيش….

وسيصبح تألم روح مسكينة تأخر حتى موتها من قسمتكم….

والآن يا سادة، سيبدأ كل شيء من جديد!

عندما يبزغ نور الصباح غداً، سنقول كلمة مقاومة عنيدة في سبيل الحياة.

من جديد !

من جديد!

من جديد !

والله يأخذ بيد من يبدأون من جديد.


____________________________
(*)جيروجر سامسا : هو الشخص ذكره كافكا في روايته “المسخ” ، والذي استيقظ ذات يوم وجد نفسه متحولاً إلى حشرة
(*)الأعراف: الحاجز بين الجنة والنار.
(*)الهرير: صوت الكلب عندما يكشر عن أنيابه.


* منقول عن:
Tumblr



طارق طوفان.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى