ديوان الغائبين نيكولاي غوميليف Nikolaj Gumilëv - روسيا - 1886–1921

نيقولاي گوميليوف، (1886-1921) شاعر روسي. يعتبر الشاعر الكبير الوحيد في سلسلة شعراء "العهد الفضي" للشعر الروسي الذي اعدم بقرار محكمة بلشفية. لقي حتفه على ايدي عناصر المخابرات البلشفية محتفظا بشرفه كضابط عزيز النفس لم يخن القسم الذي اداه للقيصر، الامر الذي حير حتى رجال المخابرات الذين نفذوا فيه حكم الاعدام والذين قالوا عنه: "من المؤسف انه ربط نفسه بمعسكر المعارضة. لو كان قد انتقل الى جانبنا لافتخرنا به كبطل."
تزوج في عام 1910 آنا غورينكو المعروفة بـ آنا اخماتوفا الشاعرة الروسية المشهورة والعضوة في المدرسة الشعرية الاكميزمية التي أسسها غوميليوف. وانجبت انا اخماتوفا منه عام 1912 طفلا اطلق عليه اسم ليف غوميليوف الذي يصبح فيما بعد عالما روسيا كبيرا وواحدا من مؤسسي المذهب الاوراسي في روسيا.
تطوع عام 1914 للخدمة في الجيش الروسي ومحاربة الالمان خلافا لمعظم شعراء زمانه الذين فضلوا كتابة اشعار وطنية عن الذهاب لجبهة الحرب . وتم تكريمه عام 1915 بوسام القديس جورجيوس من الدرجة الثالثة لقاء بطولاته التي ابداها في الجبهة الروسية الالمانية. وفي عام 1917 خدم غوميليوف مرافقا لدى مفوض الحكومة الروسية المؤقتة في باريس فاحب الفرنسية ايلينا دي بوشي وكرس لها ديوانه الشعري " صوب نجم ازرق" الذي يعد ذروة شعر غوميليوف الوجداني.
اعتقل يوم 3 اغسطس/آب عام 1921 . فوجهت اليه تهمة بالمشاركة في المؤامرة ضد الحكم البلشفي الجديد ، واصدرت محكمة بطرسبورغ قرارا باعدامه. ولا يعرف أحد حتى الان مكان وموعد تنفيذ هذا الحكم.
أثر ابداع غوميليوف تأثيرا كبيرا ولو غير معروف على شعراء الحقبة السوفيتية الذين اعتبره قسم منهم - وبينهم غيورغي ايفانوف ونيقولاي تيخونوف وايرينا اودويفتسيفا وغيرهم - اعتبروا قدوة لاداء الواجب والوفاء للقسم. كما يعد غوميليوف في المحيط الشعري آخر فارس بين الشعراء وآخر شاعر بين الفرسان. وجدير بالذكر ان نيقولاي غوميليوف اعتبر في زمان السلطة السوفيتية شاعرا محظورا .

ما كتبه (يفغيني يفتوشينكو) عن الشاعر

ولد في كرونشتاد . مات في بلدة بيرنغاردوفكا بالقرب من بطرسبورغ. الشاعر، الذي كانت أسطورة حياته واقعية إلى حد كبير، ولعبت دورا في تكوين مجده لا يقل أهمية عن شعره. ابن لمهندس عسكري ـ بحري، تلقى تربية في مدرسة مدينة تسارسكوي تحت إشراف اينّوكينتي انّينسكي. درس الفلسفة في جامعة بطرسبورغ وفي باريس من عام 1907 حتى عام 1914. الزوج الأول للشاعرة آنّا آحمادوفا. قام بالترحال في أفريقيا، الشرق الأوسط، إيطاليا. تطوع للخدمة أثناء الحرب العالمية الأولى، خدم في البعثة الروسية في باريس. بعد عودته عام 1918 إلى روسيا، ترأس مع م. غوركي تحرير مجلة "الأدب العالمي"، ثم اصبح رئيساً لاتحاد الشعراء لعموم روسيا بعد بـلوك.

حسب تعبير بلوك الشهير، إن شعر غوميليف يشبه بعض غبار البلدان البعيدة، التي بقيت محفوظة بشكل عجيب على مدية. على صور الشاب غوميليف تلاحظ كبرياء مراهق ديناميكي يحاول إخفاء عدم الثقة، ويسعى للظهور اكبر واكثر خبرة مما هو في الواقع. إن مثل هؤلاء الأولاد يقتربون من مجسم الكرة الأرضية كما يتحسسون جسد المرأة الحبيبة. هكذا هي نفسية ذي الخمسة عشر ربيعاً، الضابط للابد.

كوبر، ماين ريد، ستيفنسون، كيبلينغ، رامبو، نيتشه والفلسفة الشرقية - هذه هي مكونات الرومانسية عند غوميليف. مع التشديد على الشعر الرجولي.

لقد احب غوميليف، كما الطفل، أن يترأس شيئا ما. وقد ترأس غوميليف حركة الكماليين[2]، واضعا الدقة، الوضوح والتحديد في وجه الرمزية، التي اعتمدت الغموض المقصود بشكل مهني. لكنه، أي غوميليف، كما الرمزيين، كان ينزلق أحيانا إلى بعض العلو والجمالية الزائدة. لا يوجد عند غوميليف اشعرا متوسطة - إما سيئة للغاية، إما روائع.

إن غوميليف، الذي كان قد تنبأ بموته في قصيدة "العامل"، تم إعدامه رميا بالرصاص لمشاركته في مؤامرة الثورة المضادة. يُقال انه قبل الإعدام راح يغني "الهي، احفظ القيصر"، على الرغم من انه لم يكن ملكيا أبدا. (وفق شهادة الأب الكسندر تورينتسيف، في أحد الأيام ظل جالسا وبصق الشمبانيا عبر كتفه، في حين أن الجميع قفزوا واقفين عند شرب نخب الإمبراطور ـ القيصر). لقد تصرف غوميليف مع جلاديه كما لو انه متآمر حقا ـ بفخر، وباستهزاء. فيما بعد تبين انه لم يشترك ولا في أية مؤامرة.

بعد انتولوجيا يجوف و شاموريف (1925) لم تعاد طباعة كتب غوميليف، لكن كان من الممكن اقتناؤها في محلات بيع الكتب المستعملة وعن طريق الطباعة الذاتية. وقد روى لي رئيس تحرير مجلة " اغانيوك " ـ الشعلة، كم كانت دهشته كبيرة حين قام المنظر الإيديولوجي الكبير في الحزب أيغور ليخاتشوف، وهو في مكتبه في اللجنة المركزية، باطلاعه على مجلد أنيق لأعمال غوميليف. وفقط خلال مرحلة غورباتشوف، تمت إعادة النظر في " قضية غوميليف " وتم سحب التهمة الموجهة إليه بخصوص التآمر مع القوى المعادية للثورة، مما سمح ببعث أشعاره، فأصبحت في متناول جمهور القراء، لكن دون أن يبعث ذلك المؤلف.

الحــاسة الســـادسة

رائع لدينا الخمر الذي نحب
والخبز الطيب لأجلنا يصنع في الفرنْ،
والمرأة، التي خُلقت،
بعد عناء، كي نهنأ نحنْ.
ماذا نفعل نع الفجر الورديّ
في أعلى السماوات الباردة،
حيث الصمت وهدوء غير دنيوي،
ماذا نفعل بالأشعار الخالدة؟
لا تُؤكل، لا تُشرب، لا تُلْثَم.
تهرب اللحظة من غير رجعة،
بينما نحن، من جديد، نفرك أيدينا
مقدر لنا السير بمحاذاة، بلا وقفة.
كما الصبي، ألعابه وقد نسي،
يتطلع حينا إلى حمام الصبية
و، دون أن يعرف عن الحب أي شيء،
راحت تعذبه رغبة غامضة.
كتلك الحشرة الزاحفة يوماً
على ذيل فرس أشعر،
تشهق مدركة عجزها
إذ تحس بالأجنحة التي لم تظهر.
هكذا ـ أقريبا، يا رب؟، قرنا بعد قرن،
بفعل مشرط الفن والطبيعة،
ستصرخ الروح، والجسد يئن
فيخلق عضو الحاسة السادسة.

*

ترجمة: د. إبراهيم استنبولي

*********

مصـر (1921)

كما اللوحة في كتاب قديم،
تؤنس مسا آتي،
تلك السهول الزمر دية
و مراوح النخيل المترامي الأغصان.
قنوات، قنوات، وقنوات،
بمحاذاة الجدران الطينية تجري،
وهي تروي صخور دمياط
برذاذ زهريٍّ من الزَبَدِ.
و تلك الجمال المُضحكة،
بجسد السمك ورؤوس الأفاعي،
كالعجائب القديمة، الضخمة،
من أعماق البحار المزركشة.
هكذا مصرَ أنت سترى
في الساعة المقدسة ثلاثاً، حين
تشرب الشمس نهار الإنسان
و، كالساحر، يتبخر الماء.
إلى أشجار الدلب المزهرة
تأتي، كما مشى مِن قبْلك
هنا حكيم، وهو يحاكي الأزل،
وقد احب الطيور والنجوم إلى الأبد.

.....

أو الماء يضج باستسلام
بين النواعير الثقيلة،
أو أبيس الأبيض كالثلج يئن،
وقد أدمته سلاسل الورد.
هل ذاك نظرة ايسيدا الخيِّرة
أم لمعان القمر الطالع؟
لكن انتبه! تنهض الأهرامات
أمامك، سوداء ومرعبة.
جلس، يحرس المكان المقدس، أبو الهول
وهو يرنو مع ابتسامة من علُ،
بانتظار ضيوف من الصحراء،
الذين لا تعرفهم أنت.

.....

هناك، بعد أن ترى النهر في الصحراء،
ستصرخ أنت: " لكن هذا حلم!
أنا لست مكبلاً إلى قرننا،
طالما أني أرى منذ القدم.
أليس على مرأى مني، منفذين
أوامر الفراعنة، العبيد العراة
حملوا الحجارة في الصحراء،
ليشيدوا هذه الأعمدة؟

.....

أليس أمامي، بعد مئات السنين،
غنوا للتمساح أهازيج،
حلقات الكهنة الراقصين
وركعوا قدام أبيس؟
و انطونيو الحبيب مُنتظرة،
وقد رفعت عينين كبيرتين،
راحت تحسب في النيل كليوباترا
السفن العابرة".
لكن كفى! أانت تريد
العيش للابد بين الأفراح القديمة؟
و إنك غير سعيد بهذه الليلة
و بأزهار اليوم غير سعيد؟
وعلى المدرجات المكشوفة الباردة
تنظف النسوة ذهب الجدائل،
وتطعم صديقاتها السود العيون
العنبر ومربى من الورود.
والمشايخ يصلّون، عابسين، جاديّن،
وقد وُضِع أمامهم القرآن،
حيث الرسوم الفارسية -
كما الفراشات من بلاد خرافية.
ليس عبثا انه في البلاد قيل
مثلٌ في كل العالم انتشَرَ:

ـ من جرّب الماء من النيل،
سيسعى دائما إلى القاهرة.
ليكن السادة هنا ـ هم الإنكليز،
يشربون الخمر ويلعبون الفوتبول
والخديوي في ديوانه العالي
لم يعد للعنف المقدس قبول!.

....

إذا حط بالقرب لَقْلَقٌ تائه
وبنى عشا في حقلك،
اكتب رسالة بالإنكليزية
واربطها تحت جناحه.
في الربيع، على ورقة أوكاليبتوس،
لو عاد اللقلق إليك،
ستستلم تحية من مصر
من أولاد الفلاحين المرحين.

1918، 1921

*

ترجمة: د. إبراهيم استنبولي

******

الربابنة:

يصعد ربانٌ
الى برجٍ متموجٍ
مستذكرا مرفأ بعيدا
فيضرب أعلى جزمتِهْ
بعصاه
لتتطاير شظايا الرغوةِ
ويسحب مسدسا
حين يكشف تمردا
على متن السفينةِ
ليتساقط ذهب الزخرفةِ
من أكمامه الورديةِ.


Nikolaj Stepanovič Gumilëv.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى