أندريس نيومان - استمرارية الجحيم.. ت: أبوالحسن أحمد هاتف

خلال ذلك الوقت الذي كان فيه والدي في المستشفى، كان من المنطقي أن اترك السيارة في مرآب تحت الأرض في المستشفى. وددت أن اتوقف عند الجزء العلوي من المدخل في الهاوية الصغيرة واسمح لسيارتي الأوبل البيضاء بأن، تنزلق الى أسفل المنحدر. كنت لأضغط الزر و امر تحت القضيب وأباشر بالبحث عن بقعة لركن سيارتي، كنت اجد واحدة دائما.
لقد كرهت الذهاب إلى المستشفى، أن اتظاهر بالصفاء الذي لم اتحلى به، أن احشر نفسي في صناديق المصاعد العملاقة، وأن اتنفس الهواء الذي كان نظيفا جدا، غير واقعي، مشبع بغاز الأمونيا، حتى وصولي إلى الطابق الخامس. المشي بين أسرة المرضى يشبه السير في حقل من ألالغام-لا تلمسني، لا تدع لمسة الموت تلمسني، ثم مرحبا، يا أبي، كيف تسير الامور؟،هل كل شيء على ما يرام؟، استرح.
لقد كرهت الذهاب الى المستشفى، على الرغم من أنني احببت الانزلاق الى أسفل المرآب والمناورة ببطء بسيارتي الأوبل البيضاء. ان الغرق في أحشاء الاسفلت أعطاني شعورا غريبا من الهدوء. كنت اقوم بتشغيل المصابيح الأمامية للسيارة، واثاثها الداخلي الرمادي والأحمر، والأصفر، والتماثل من الجدران والأعمدة، وأصبح عالم يمكن الاعتماد عليه مع قواعده آلأمنة والصمت ألخيالي (هل نحلم بالأصوات؟).
لحسن الحظ، في نهاية بضعة أسابيع تحسنت حالة والدي. لذلك أنا وعائلتي وافقنا على المناوبات اليومية التي تسمح للجميع بالراحة. لقد لاحظت كيف بوركنا كثيرا بالسعادة، أن الساعات اصبحت تمضي بسرعة أكبر من قبل. ألا أني لاحظت في نفسي حنينا معينا للمرآب تحت الأرض في المستشفى. هذا الشعور الذي لا يوصف منعني من تنويع روتيني على الفور. ولكن وصلت الى لحظة، في الأيام التي لم أذهب فيها، كنت قد بدأت بتجربة قلق جديد الذي كان من المستحيل التخلص منه: القلق من العبث، عندما ندرك أن اللامعقول هو حقيقي. و في الكثير من الأحيان، كنت أذهب إلى المستشفى خلال أيام العطلة.عائلتي أثنت على لا نهاية قدرتي على التضحية، كان والدي مبتهجا. شعرت وكأني احد حيوانات الحفريات.
أطلقوا سراح والدي صباح أحد الأيام في أبريل. عندما اصبح في المنزل، أصبحت فترة النقاهة أكثر تقبلا من جانبه، وأقل تطلبا للجميع. كنت سعيدا جدا لرؤيته حولنا في مزاج جيد ومتحمسا جدا للتحسن، ولكن في نفس الوقت افتقرت إلى شيء ما. بعد أيام قليلة من المقاومة الغير مجدية، تقبلت واقع وجوب عودتي إلى مرآب السيارات. في البداية حاولت مع بعض الكراجات وسط المدينة. ولكني أدركت على الفور أنها ليست نفسها: كانت السلالم والممرات دوامة والسلالم غريبة تماما بالنسبة لي. كنت أتوق الى ممرات المستشفى الرمادية والحمراء والصفراء، حيث كنت قد تعلمت ألاحساس بالأمان وتوصلت إلى معرفتهم كما لو كنت المهندس الخاص بهم.
ركنت هناك كلما واتتني الفرصة. وعندما خرجت من السيارة، شعرت ان شيئا ما يدعوني لبذل جهد لمتابعة المشي نحو المخرج والظهور خارج المرأب، وكان الصيف على وشك الحلول. بعد فترة وجيزة، بدأت امضي كمية كبيرة من وقتي في مرآب السيارات تحت الأرض في المستشفى، واتمدد براحة على مقعد الاوبل مصغيا لصوت الراديو. كان الجو باردا هناك. ان واقع قربي من المرضى ساعدني على تذكر أنني كنت متمتعا بصحة جيدة، وأنني يمكن أن اغادر متى شئت.
لم أكن قادرا على التمتع بإقامتي لفترة طويلة، في 22 حزيران أخذت بالانهيار، ومنذ ذلك الحين، وجدتني تحت المراقبة، فلم يحتاج الامر جهدا كبيرا، عندما وجدني ذلك الرجل الصالح ملقى على الأرض، كان على الإسعاف فقط النزول أسفل المنحدر ثم الرجوع للوصول الى المستشفى. أسوأ جزء من وجودي هنا هو الحرارة والأسرة غير مريحة. الرعاية جيدة. حتى أن هناك ممرضة اسمها حسب المعلومات التي كانت لدي، هو روزا، ولكن للأسف لديها عشيقها المحامي الذي ينتظرها دائما في البار عبر الشارع من المستشفى.
اليوم اكثر سخونة من أي وقت مضى، شراشفي منقوعة. وقد اكد لي الأطباء أنهم سوف يفرجون عني اليوم أو غدا. والدي يزورني أكثر من أي شخص، اصبح حنونا أكثر من أي وقت مضى. انه يأتي في وقت الإفطار، ويغادر بعد الغداء، وأحيانا يعود في وقت العشاء الخاص بي. هذه الليلة، على سبيل المثال، قد وعد انه سوف يأتي. وكان سعيدا جدا بذلك. قبل مغادرته قال: أعتقد أنني سوف اعود في الساعة الثامنة. هذا الجهد لايزعجني، لا تقلق ياابني، ان الوصول الى هنا بالسيارة لا يستغرق وقتا طويلا على الإطلاق. الى جانب ذلك، دائما ما أجد بقعة في مرآب سيارات المستشفى. هل لاحظت سهولة الركن هناك؟

أندريس نيومان (1977، بوينس آيرس) هو روائي وكاتب قصة قصيرة، شاعر، كاتب مقالة. روايته الرابعة (مسافر القرن) فازت سنة 2009 بجائزة (الفاكوارا) الاسبانية و جائزة النقد الوطني، التي تمنحها جمعية نقاد الأدب الإسباني. وقد ضمها نقاد الجريدتين الاسبانيتين ايل بايس وايل موندو في أفضل خمس روايات من السنة باللغة الإسبانية.

أندريس نيومان

الارجنتين – أندريس نيومان
الترجمة عن الاسبانية\ جورج هنسون

* عن الصباح الجديد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى