يانغ تچيانغ - خواطر المائة عام.. ترجمتها عن الصينية : مي عاشور

أصبحت في المئة من عمري هذا العام، فقد وصلت إلى حافة الحياة، ولست متأكدة على الإطلاق أنه لا يزال بوسعي السير بخطى أبعد من ذلك، فمستحيل التحكم في العمر، لكنني أعي جيدًا أنني أوشكت على “العودة إلى دار الحق”.

يجب أن أغسل كل ما دنّس هذه المئة عام من شوائب، ثم أعود إلى دار الآخرة. لا يمتلكني شعور بأنني عظيمة أو في مكانة مرموقة، وكأنني أقف على قمة جبل التاي* وأرى الدنيا صغيرة من تحت قدمي، فأنا أقضي حياة هادئة بداخل عالمي الصغير وحسب. حينما أفكر ملياً في هذا الأمر، يسكن قلبي كالماء، فينبغي أن أستقبل كل يوم بسلام، وأستعد للعودة إلى الآخرة.

إن حياة الإنسان حقًا قاسية، وسط هذا العالم الذي تغمره التطلعات المادية. تضمر في نيتك أن تكون شخصًا صادقًا وزاهدًا في الدنيا، لكن سرعان ما يستغلك بعض الناس ويحقدون عليك. إذا كنت تملك قدرًا من الموهبة والخلق، سيحسدك الآخرون عليهما، بل وسيحاولون إقصاءك. وإن كنت حليمًا متهاونًا، سيحاول الآخرون الاعتداء عليك وإلحاق الضرر بكَ. فلو كنت لا ترغب في التصادم مع الآخرين، يجب ألا يكون عند مطالب من الدنيا أو مساعِ فيها. وفي نفس الوقت ينبغي عليكَ أن تحافظ على قوتك وتستعد للصراع والكفاح. ولو كنت تريد التعايش بشكل سلمي مع البشر، فعليك أن تختلط بهم أولاً، وتكون مستعدًا لأن يداهمك الأذى في أي لحظة.

يكون المرء مولعًا باللعب واللهو عندما يكون في صباه، وعندما يصير شابًا يصبح مهووسًا بالحب، وعندما يكون في عنفوانه يغدو متلهفًا إلى الشهرة والجاه، وعندما يبلغ من العمر أرذله يجد في خداع نفسه طمأنة لقلبه.

كم يبلغ طول عمر الإنسان، وكم من الوقت يحتاج المعدن الخام حتى يصير ذهبًا خالصاً؟ فإن الدرجات المتفاوتة من التدريب، تؤدي حتمًا إلى درجات متفاوتة من النتائج، والدرجات المتفاوتة لإطلاق العنان للشهوات من دون ضبط النفس، ينجم عنها درجات مختلفة من الشر والفساد.

لا يجعل الله السعادة كلها تجتمع في قلب شخص واحد، فربما ينال هذا الشخص الحب، ولكن لا يمتلك أموالاً، أو وربما يكون غنيًا ولكن ليس ضروريًا أن يكون سعيدًا، وقد يحظى على السعادة ولا ينعم بالصحة، أو ربما ينعم بالصحة، ولكن لا تسير الأمور كلها وفقًا لما يتمناه.

إن الاحتفاظ دومًا بسيكولوجية راضية وسعيدة، هي أفضل طريقة لتصفية العقل وتنقية الروح. فإن الاستمتاع بشتى أنواع السعادة في الأصل، متعلقٌ بالروح. وهذا النوع من السعادة يحول المعاناة إلى متعة، ويعد ظفرًا للروح على المادة، فهذه هي فسلفة الحياة.

يمر الإنسان بمراحل متباينة من الصقل، وبالتالي يحظى على درجات متفاوتة من تهذيب الذات، بل ومن الإنجازات أيضًا. كأن الأمر أشبه بعطر كلما حاولت الإمساك به تناثر أكثر، وكلما مسحته تضاءل، ولكن في نفس الوقت أصبح أريجه فواحًا أكثر. قد اعتدنا على تأمُل أمواج القَدر، ولكننا اكتشفنا في النهاية أن أكثر مناظر الحياة روعةً، هي هدوء وسكينة القلب. واعتدنا على انتظار تأييد المحيطين بنا، ولكن سرعان ما أدركنا في النهاية أن العالم بأسره ملك لنا، وليس للآخرين أدنى دخل بذلك.


* جبل التاي: جبل له أهمية تاريخية وثقافية في الصين. يرجع تاريخه إلى 2000 سنة، يقع شمال مدينة تاي آن، بمقاطعة شاندونغ.





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يانغ تجيانغ (1911-2016) كاتبة ومترجمة صينية كبيرة، أتقنت اللغة الإنجليزية، والفرنسية والإسبانية. أول من نقل “دون كيشوت” من الإسبانية مباشرة إلى الصينية، وهي زوجة الكاتب الصيني الكبير تشيان جونغ شو. لها العديد من المؤلفات النثرية والروايات، والمسرحيات. توفيت عن عمر يناهر 105 أعوام.

يانغ تچيانغ.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى