ألموج بيهار - هذي القرى الخالية.. ترجمة: ب. فاروق مواسي

القرى الوادعة هذي، وقد كانت عمياء لنظرتنا العمياء عشرات السنين
بقيت مكنونة عن العين العبرية، حيث تعلمتْ هذي العين أن تلعب
بتبديل الأسماء وحرصت على ترقيق ثقل العين والحاء الشرقيتين.
والقرى في سكونها حافظت على جدران بيوت بقيت صامدة
منفردة مثل شواهد بعد أن تلاشى صدى التفجيرات، دافعت عن حجارة انتثرت
بين عشب نما بريًا، ورددتْ في قلبها المهجور منذ جيل أسمائها الممحوة.
كما في الطريق الصاعد غربي القدس: بيوت لفتا مازالت تنصبّ في المنحدر الجبلي،
وليس هناك راع ليدخلها، فهي نصف مهدمة، نصف مهجورة، تتصدى لرياح
التغييرات المصنوعة من صًـلْب و للأسماء المستجدة.
لفتا مأهولة فقط بأشباح الموتى، وبالتائبين والمرنّمين من أبناء برسلاف (1) القادمين
ليتطهروا بماء العين، وكذلك بالمغمضين أعينهم عقب أسئلة الفتيات العابرة، وهم يقفون أزواجًا
حيث حبهم يحوجهم بشدة إلى سقف وجدران،
ولفتا تتناثر فيها إبر المخدرات المرمية.
فيمنتصف النهار، بين هذه البيوت الملأى بالنُّفايات الجديدة جدًا التي يخلفها ضيوف
يتغيرون. ضيوف لم يدعهم أحد، أخذ حلم يقظة يجتاح رأسي، وأنا أتذكر نبوءة س. يزهار (2),
التي كانت كُتبت في أيام الحرب تلك، الطويلة، القاسية، الحبلى بالقدر:
لن تستطيع هذه البيوت الخالية –إلى الأبد- أن تستمرعلى صمتها،
سيأتي يوم فيه ترفع أصواتها بصدى صراخات قديمة، والجدران تذكّـر بماضيها
وهي ترويها لسكانها الجدد،وهي تتحدث بلغة سكانها القدامى،
الذين خلّـفوا وراءهم سريرًا غطاؤه دافئ، والقهوة قبيل الغلي، وكتاب أدعيات
مازال ينتظر أن يكون مقروءًا في ذلك الدعاء نفسه.
الهيكل الثالث – الأخير- سيهبط من السماء في أحد الأيام، وكله من صنيع الله(3).
وكذلك القرية، القرى الكثيرة هبطت من سماء الله مع سكانها الذين شاخوا كثيرًا،
وبذا تتم نهاية شتاتهم الطويل على الأرض، بين مخيمات اللاجئين الفلسطينيين
ذوي الذكريات المغتاظة. وفي لحظة عودة الأصوات القديمة:
ثمة نداء الاستيقاظ للصلاة ونداء الأمهات، أصوات الغناء في الحب والأعراس،
وأصوات القصاصين الكهول ذوي الشوارب الكـثـّة، وبسماتهم المتسعة
وهم يصفون خلال ألفليلة ويوم كيف خلت البيوت وكيف عادت لتكونعامرة.
في أثناء ذلك آباء كثيرون - مثلا لله الواحد أيام ذاك- يأخذون أبناءهم
(كما حدث مع موسى نبي بني إسرائيل قبيل وفاته)، حيث يُـرونهم البلاد الموعودة
المزروعة بالقرى الخالية، وذلك من جبال نبو الشامخة الكثيرة التي تعلو حولها.


* ملاحظات للتوضيح:
1- أبناء برسلاف: جماعة يهودية متزمتة، جاءوا من هذه المدينة.
2- س. يزهار: كاتب عبري كتب روايات ومسرحيات منها "خربة خزعة"، وهي معروفة بحدة نقدها.
3- في نهاية الأيام كما أجابني الشاعر بخصوص ذلك، وهو له ميوله الدينية، حيث لايتعارض في رأيه مع عودة اللاجئين، ويعطى كل ذي حق حقه.


ألموج بيهار.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى