نقوس المهدي - خورخي لويس بورخيس - Jorge Luis Borges.. على سبيل التمهيد

على سبيل التقديم
عن الصفدي في الوافي بالوفيات عن الجنيد قال: "كل الخلق يركضون فإذا بلغوا ميدان أبي يزيد هملجوا.." .. وقول الجنيد هذا عن ابي يزيد البسطامي يصدق تمام الصدق حينما نعرض لحياة بعض الشخصيات، ومنهم خورخي لويس بورخيس على سبيل المثال .. هذا الأرجنتيني الكوني الكفيف الذي يستعصي على التصنيف والتوصيف، او وضعه ضمن خانة من الخانات الإبداعية، لا هو من بين المستشرقين ولا المستغربين، لا من زمرة الفلاسفة والعارفين، ولا الشعراء والقصاصين، ولا الباحثين والمنظرين والنقاد بجمعه لكل هذه المحاسن دفعة واحدة.. حتى أن من يجازف في البحث عن حياة بورخيس سيجابه بتحديات كبيرة لانها حيوات يكتنفها سر مكنون. ولأن حياة واحدة لا تكفيه
فهو لم يسع طول حياته وراء تكريم أو حيازة جائزة أو نيل منصب رفيع، مكتفيا بنبوغه، -بالرعم من انه ظل على قوائم جائزة نوبل منذ أن طُرح اسمه اول مرة في منتصف الخمسينيات- ولم يقع بحسب نجم والي: "صريعاً لموجات الأدب الجديدة، وأنه لا يتعب من التأكيد على احترام الماضي، في الأقل أن الماضي قابل للتغيير بسهولة جداً في الحاضر، الطريف أن بورخيس عند اجابته على سؤال محاروه الشاعر والدبلوماسي أوزفالدو فيريري، قبل قرابة ربع قرن، لا ينسى أن يؤكد، أنه سيكرر نفسه، وما سيقوله في هذا الصدد هو إعادة لما قاله مرات عديدة، لكن أفضل له تكرار نفسه من تكرار ما يقوله الآخرون،"
شغف خورخي لويس بورخيس كثيرا بالكتب و"لطالما تخيل الجنة على هيئة مكتبة، هو الذي نذر حياته لها فأكلت عينيه، وربما اكترى من يقرأ له،
أنشئْ مَكتبةً ولو مِن ثَلاثةِ كُتبٍ، وسَتقاوم جزءاً مِن قَباحةِ هذا العالم، كُلّ مَكتبةٍ هي صَفعةٌ في وجه العالم الجاهل، وتَرفعُ عَن أُميَّتِهِ وخفِّتِه ".
كتب بورخيس، نقلا عن عبدالسلام بنعبدالعالي من كتاب الناقد ليس صيرفيا:
«كل مرة أقرأ فيها مقالاً ينتقدني أكون متفقا مع صاحبه، بل إنني أعتقد أنه كان بإمكاني أن أكتب أنا أحسن من ذلك المقال بنفسي. ولربما كان علي أن أنصح أعدائي المزعومين بأن يبعثوا إلي بانتقاداتهم، قبل نشرها، ضامنا لهم عوني ومساعدتي، وكم وددت أن أكتب باسم مستعار مقالا قاسيا عن نفسي».
هذا هو باختصار شديد، البصير الذي شبه يوما في محاضرة "مديح العمى" انحسار رؤيته بشمس آفلة. والأشياء من حوله باتت تنأى عن عينيه تدريجيا، والعالم المرئي يبتعد الى الأبد. فشبهها بأعطية حتى طبقت شهرته الأمصار، واتخذها ذريعة للنبوغ، واضحى جواب افاق وقاهر عتمات، وجرب في كل لون وجنس معرفي، واتقن بمعرفة مكينة عدة السن، وانفتح على عدة حضارات شعوب وديانات اقوام ومعتقدات واساطير الاولين، وكتب عن الحضارات المشرقية و الديانات الشرقية بمللها ونحلها وكتبها السماوية والوصعية الشئ الكثير حتى باتت معارفنا نحن كمسلمين ضئيلة جدا بالقياس اليه.. وبثنا نعتقد جازمين ان ضمن كل ما يتعلق بالحضارة المشرقية وما اليها يستشبح فيه قبس من تخرصات وروح بورخيس بكل عنفوانها وصفائها ..
الحقيقة اننا لا نستطيع تحبير اكثر مما قلنا ومما عرفنا عن فكر وحياة هذا الانسان سليل هوميروس وميلتون واعمى المعرة وبشار بن برد وطه حسين، وقافلة مبصرين اخرين استشعروا الدنيا بنفاذ مجسات بصيرتهم وعزمهم الذي لا يلين، وحدسهم الذي التي لايخطئ .. والذي يعرف حضارتنا اكثر منا مستضيئين في معرفته بهدي البرتو مانغويل، قارئه ومقرؤه و الذي يصدق عليه قول احمد بن الحسين المتنبي "إذا أردتم ان تعرفوا شيئا عني، فاسألوا ابن جني فهو أعرف بشعري مني."..
نعني اسألوا ألبرتو مانغويل

نقوس المهدي - اليوسفية - المغرب
  • Like
التفاعلات: Maged Elgrah

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى