د. زياد الحكيم - الانتقاد البناء والانتقاد الهدام

من المهارات الحياتية المهمة ان يعرف الواحد منا كيف يتعامل مع الانتقاد الذي يوجهه الاخرون الينا والى ما نقوم به من عمل سواء في البيت او المدرسة او الشارع او اي مكان آخر. فهذه المهارة تساعدنا في بناء مزيد من الثقة بالنفس وتفتح لنا مجالات للتعلم والتطور والنمو. وهي في الوقت نفسه تساعدنا في تجنب الاحساس بالغضب والتوتر.

ويتطلب التعامل مع انتقاد الناس لنا قدرا كبيرا من احترام الذات والحزم.

والانتقاد نوعان: انتقاد بناء وانتقاد هدام. ولابد من القدرة على التمييز بين هذين النوعين من اجل التعامل بشكل صحيح معهما.

يقول المثل الانكليزي: يستطيع اي احمق ان ينتقد وان يشكو. ومن الشائع ان تكون ردة الفعل الاولى لاي شخص يتعرض للانتقاد هي ردة فعل سلبية. فهو قد يغضب وقد يفقد السيطرة على الموقف فينفعل ويسب ويشتم وقد يلجأ الى العنف البدني. وردة الفعل هذه تنعكس سلبا على صورتنا العامة وعلى قدرتنا على التفكير والشعور. لذلك علينا ان نلزم جانب الحذر والصبر.

ومع ان الانتقاد البناء والانتقاد الهدام كلاهما يتناول طريقتنا في السلوك والتفكير الا ان الفرق بينهما يكمن في الطريقة التي يقدم بها الانتقاد. فالانتقاد الهدام يمس وترا حساسا يتعلق باحترامنا لانفسنا وثقتنا بها. وقد يكون سبب ذلك قصورا في اسلوب المنتقد او قد يكون الانتقاد الهدام يهدف الى النيل منا بشكل متعمد. ولذلك فهذا النوع من الانتقاد يؤدي في كثير من الاحيان الى الغضب والتوتر في العلاقة بين الجانبين.

من ناحية اخرى فان الانتقاد البناء يهدف الى توضيح اخطائنا من وجهة نظر الطرف الاخر والى اقتراح طرق لتصحيح هذه الاخطاء. فهو اذن يهدف الى التحسين والاصلاح والتطوير وليس الى النيل منا او الاساءة الينا. لذلك يجب ان نرحب به ونستفيد منه قدر الامكان. وهو بطبيعة الحال اكثر قبولا عند الناس وان كان هو ايضا يسبب بعض الحرج احيانا.

كيف نتعامل مع المنتقدين؟

بعض الناس كثيرو الانتقاد بطبعهم. ولا يخطر ببالهم انهم بذلك يسببون الحرج ويسيؤون الى الاخرين بانتقاداتهم. واذا كنت تعرف شخصا كثير الانتقاد فعليك ان لا تأخذ انتقاداته مأخذ الجد. فميله الى الانتقاد دليل على خاصة من خصائص شخصيته وليس دليلا على جدية ما ينتقده. واذا اخذنا انتقادات مثل هذا الشخص مأخذ الجد فان ذلك سيؤدي الى احساس بالضيق وبالتالي فان علاقتنا به سيلحق بها كثير من التوتر. ويجب ان نذكر هنا ان هؤلاء الناس الذين يكثرون من الانتقاد هم في واقع الامر بحاجة الى مساعدة اكثر مما يحتاج اليها الطرف الاخر الذي هو محل الانتقاد.

واذا شعرنا ان الانتقاد يسبب لنا الازعاج فعلينا ان نترك الشخص المنتقد وشأنه ونبتعد عنه قدر الامكان بعد ان نكون قد اوضحنا له ان انتقاداته تسبب لنا الحرج ولا تفيدنا في شيء. ومع ذلك فان بامكاننا ان نحلل فحوى الانتقاد والاسس التي يقوم عليها فلعل فيه ما يمكننا ان نستفيد منه في التعديل والتطوير في سلوكنا وتفكيرنا. وفي الوقت نفسه يجب ان يكون واضحا ان الانتقاد قد لا يقوم على اساس منطقي، بل قد يكون وراءه احساس بالحسد او الحقد او حتى الكره لسبب من الاسباب. وحتى في هذه الحالة بامكاننا ان نتعلم منه عن طبيعة الناس وافكارهم وسلوكهم.

هناك فرص كثيرة للتعلم من الناس وعنهم. وبذلك تزداد قدرتنا على مواجهة الانتقاد الهدام والتقليل من تأثيره السلبي علينا. وفي الوقت نفسه تزداد قدرتنا على تحسين انفسنا وسلوكنا وتفكيرنا وكذلك تحسين علاقاتنا بالاخرين.


[email protected]
لندن - بريطانيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى