عبد الكريم العامري - حفلة سمر من أجل 9 أبريل

إهداء:
الى روح سعد الله ونوس
الى روح الأمة العربية التي كانت مجيدة!

كلمة لابد منه:ا

لا أعرف لِمَ تذكرت الشاعر خليل حاوي وأنا أرى دبابة أميركية تجوب شوارعنا الممزقة، ساعتها أحسست بالجبن تجاه ما أرى، لعنت الزمن الذي أعيش فيه وأنا أشهد تراب العراق الطاهر الذي سالت فوقه أطهر دماء لأبناء أمتنا العراقية تُداس بالبساطيل الإنكلوأميركية..
كل صباح يبزغ فاتراً اسأل نفسي: لماذا لم نفعل ما فعله الشاعر خليل حاوي حين فتح نافذته ورأى الدبابات الإسرائيلية وهي تقدم على الدخول لبيروت عندها استل مسدسه ليودع رصاصة في رأسه ليحييه وإلى الأبد؟
لماذا لم تكن لنا الشجاعة نحن أدباء العراق أن نفعل ما فعله حاوي، أو على أقل تقدير ما فعله ونوس تجاه النكوص العربي..أمقدرٌ علينا أن نصفق لهذا وذاك حتى لو جاء لذبحنا وذبح عيالنا؟ أمقدرٌ علينا أن يسلمنا ظالم إلى ظالم آخر؟ أمقدرٌ علينا أن نشهد جبننا ونحن نرى مدننا تموت تحت وابل الرصاص الأميركي؟
لماذا إذن لم نقل كلمة في الذي صار، والذي يحدث يومياً، والذي سيصير لاحقاً؟
أننتظر الجنود الغازية أن تكسر علينا أبوابنا لتنتشلنا من مخادعنا وتنتهك أعراضنا، وتغتصب أمهاتنا وزوجاتنا وبناتنا أمام أعيننا؟
كل شيء مباح فينا، الدم والعرض والمال، ما دام بعضنا يقبل اليد الأميركية الناعمة الملطخة بدمائنا..
كل شيء مباح هنا، مادمنا نخشى المرور قرب مقبرة الإنجليز خشية أن تلتهمنا أجداث أجدادهم التعسة..
كل شيء مباح هنا، ما دام الغرباء يؤسسون لزمن العهر، بعدما ولّى زمن الفضيلة بموت الضمير العربي..
حفلة سمر من أجل 9 نيسان..
حفلة سمر من أجل بغداد، البصرة، الموصل، الأنبار، النجف، كربلاء..... ومدن عراقية جريحة أخرى..
حفلة سمر من أجل النكوص العربي بعدما انهد عرش بغداد ليأتي دور مدن أخرى، دمشق، بيروت، القاهرة، طرابلس...و..و... وأخرى ما زالت في لائحة الثأر الأميركي الوحشي.
حفلة سمر من أجل نكباتنا المتلاحقة.. وخيباتنا التي لم تغطِّ عورات أنظمتنا المستبدة..
حفلة سمر من أجل القتل الجماعي، والهروب الجماعي.. والزواج الجماعي!!
حفلة سمر من أجل الذل، والقنوط، والضياع العربي.
إليكم مع التحية.

عبد الكريم العامري
تشرين الثاني 2006


--------------

شخوص المسرحية
1-المهرجون (4،3،2،1)
2-الراوي
3-رجل
4-امرأة
5-المنادي
6- رجال (3،2،1)


مدخل:
على يبابك، يفتحُ العاقولُ فماً، يسعُ الكون..
وفي طرقاتكِ، ينصهرُ الحديد،
وتكتظُّ البيوتُ باراملَ شتى..
ما كانَ عهدنا بك،
ان تلتقطَ انفاسكَ خائفاً..
فشتانِ ما بينَ موتكَ والحياة
يا موغلاً بفمِ الزمان
ساعياً للخلاص..
حسبناكَ تنجو من مخالب الذئاب
وما نجوتَ.
أيُّ ذنبٍ لحقَ بكَ الرزايا
وقادَ أهلك للدمار..
دار.. دور.. نار.. نور
لا دارَ فيك استوت
في لجةِ الحروب..
ولا سفينة.
لم تبقَ الا النار تأكل من عظامك..
تشرّفتَ بالموتِ مثل النخيل
وما انحنيت..
تبارى عليك الأراذل..
وكنتَ انقى من بياض.
مُذ وطأ الجندُ روابيكَ
هل ماتَ طُهرُ الدنيا بموتك ؟
أم الدارُ فرَّ منها الخائنون ؟


الراوي: في عامِ الفيل الأمريكي
تناهبَ الواهمونَ الحصاد
غرّهم ضعفُ ابداننا
وقصرُ ايادينا
من سني الحصار..
فاستفحلوا في البلاد
واستعبدوا العباد
وحالوا اخضرارَ الروابي سواد!
عامٌ مرهونٌ بالوحشةِ لا دارَ أبي سفيانَ تقينا النارَ
ولا بيت الضاد..
جراد.. جراد.. جراد
ينهشُ عظمنا الناتئ
يمضي.. بجنائزنا حيثُ تخومِ الوحشةِ والأحقاد
في عامِ الفيلِ الأمريكي
ماتَ ضميرُ الأنسان...

المهرجون يلتفون حول نار
مهرج1: يا سادةَ هذا الكون
لنشربَ نخبَ ضمائرنا
المختومة بالأوهام
مهرج2: نشربُ ماذا؟
لا خمرَ نعتّقهُ ولا مار..
مهرج1: اتسمّي الخمرَ شراباً
نحنُ في القرنِ الحادي والعشرين
لا نشربَ الا الدم.
مهرج2: الدم... أه الدم... ما اعذبهُ
يذكرني بليالي الكيف الحمراء!
مهرج3: أما أنا يا سادتي يا كرام..
يذكرني الدم بلباسِ الغيداء
صاحبةُ العينين الزرقاوين
مهرج4: ما أتعسُ حظي..
هذا اللونُ يذكّرني بالغرفِ الحمراء
مهرج1: غرفٌ حمراء؟ يا سعدكَ
مهرج4: ملآنةٌ بجثثٍ حمراء
لحروبٍ أُدخلنا فيها جبناء
مهرج1: ليكن هذا النخبُ طريقاً للحرية
مهرج2: حريةُ من؟
مهرج1: ليسَ لدينا الوقت لكي نبحثَ في كتبِ التاريخ
مهرج3: ما أغبانا!
كنا نظنُّ بأنَّ التاريخَ مفازاتُ خلاص
مهرج3: أتشكُّ بتاريخ الأمة..؟
مهرج2: أمةُ مَنْ...؟
أتسمّي شرذمةٌ أمّة؟
لسنا سوى حطبٍ لمواقد أسيادِ الغرفِ الحمراء!!
انظرْ....
هيّ ذي بغداد، مَنْ أشعلَ فيها النار... ومن نفخَ النار..؟
أبالأمةِ ننجو.. وقد أكلت تلك النارُ الأولاد..؟
مهرج1: لنشربَ نخبَ الأولاد
(لغط وهرج)
قطع
أمرأة: (تنعى باللهجة العراقية)
يوليدي الجفــن ما يغمـــض اليوم
ردتــك يالـولــد يبنـــــي إلـي دوم
دارك خالية وبس تنعى بيها البوم
رد شـــوف الوكت خلالي الهموم
يوليــــــدي انتفض من موتك كوم
رجل: وفّري دموعكِ ليومٍ آخر
امرأة: هل تستطيع..؟
رجل: ليتني استطعت ... ولكن....
امرأة: (تصمت)
رجل: دموعكِ تلك تحطمني...
أمرأة: ومن اغلى منه كي ابكيه.. ولدي!
رجل: هناك ما هو اغلى وأعز منه...
أمرأة: (مستغربة) من ولدي ؟
رجل: منا جميعاً...
وفري دموعكِ سيدتي
قد يأتي يومٌ يضيعُ فيه الجميع..
امرأة: أللآن لم نضع...؟
رجل: ربما ضعنا ولكن ثمةَ أمل قريب..
امرأة: توعدوننا بالأمل وقد مللناه..
اين ذاكَ الأمل الذي تتحدثون عنه..؟
أين هو..؟
بعدما صار الأخ يأكل من لحم اخيه
املزمونَ نحنُ بالبلاء..؟
املزمونَ نحن بالعويلِ والبكاء..؟
رجل: ملزمونَ نحنُ بالرفض..
لهذا طُعِنّا !
قطع

المهرجون في ذات المكان
مهرج1: لنشربَ نخب الرفض
مهرج2: لنشربَ نخبَ الرقص
مهرج3: عيبٌ يا إخوان... العربيُ لا يرقص.. بل يرفض!
مهرج2: يرفضُ ماذا...؟
مهرج3: لا أدري.. يرفضُ ما يمكن ان يُرفض..
مهرج1: يرفضُ ما يؤخذُ منه فينسى..
مهرج3: أنسيت أنت..؟
مهرج1: نسيتُ الأهلَ ، والصحبةَ، والأوطان..
مهرج2: (ثملاً) لنشربَ نخبَ الأوطان... وننسى ما كان..
قد بدا الحفل..! ( ينشد)
موطني... موطني...
ضائعاً مضيعاً، وصابراً مفجّعاً
الخرابُ والدمارُ... في رباك وهواك
موطني... موطني
(المهرجون يشكلون كورس وينشدون)
قطع

الراوي: كان يا ما كان،
في بلد الأحزان،
آلافٌ من أجداثِ الأولاد،
تُركت في الصحراء..
فوق الكثبانِ الرمليةِ ..
تبحثُ عن أهلٍ وحبيباتٍ
ما زلنَ يقفنَ على عتباتِ الوحشةِ
علَّ الغائب يأتي.
كان يا ما كان،
في البلدِ المخذولِ
ثمة موتى ما زالوا ينتظرون
واحياءٌ يقتحمونَ الوقتَ
في مركز تسليم الشهداء...
توابيتٌ ملآى برفاة الأولاد..
ارقامٌ لا حدّ لها...
ووجوهٌ لم تتركْ الا الموت

مجموعة المهرجين تحمل أكياساً تنفخ فيها
مهرج1: انفخْ.. انفخْ.. انفخْ
ستلتهبُ الأرض
مهرج2: دونكمو الأخشاب..
مهرج3: ليست أخشاباً، تلك توابيت فيها رفات الجند.. من حربِ الأمس..
مهرج1: حربُ الأمس...؟
(ينفخ ويتوقف) سلاماً يا حربَ السنواتِ المُرّة...
سلاماً يا سنوات الموت...
مهرج2: جندٌ مجهولون، لفظتهم نارُ الحرب..
مهرج1: (مستهزئاً) حسناً.. حسناً..
ليترجلَ فرسان الأمسِ من تلك الأخشاب..
وبيعوها!!
ليصنعَ منها النجارون أسرّةَ نومٍ للعرسان..
مهرج2: وماذا سنصنعُ برفاةِ المغدورين؟
مهرج1: مغدورون؟!
لم نرسلْهم نحنُ للحرب.. حتى نبتلي بهم..
الحيّ ابقى من الميت..
خذوا تلك الأخشاب
والقوا برفاةِ الموتى
قطع
الراوي: حينَ هبَّ الجرادُ وغطّى العيون
بدأ الزرعُ يئنُّ كامٍّ ثكلى..
يا زمن الفرهود
رفقاً بالأرضِ وبالناس..
ما عادَ لنا في الأرضِ مقام
وكروشُ جبابرة الزمنِ المشؤومِ
تنتفخُ مثل كرةِ الثلج.
صوت من الخارج: انفخْ في الصورِ وفي البلوى..
أصوات: انفخ.. انفخ.. انفخ
(أصوات جلبة..)
رجل1: من يأتيني بعشرةِ ليراتٍ من ذهبٍ
تحملُ عشقَ الطينِ
وبلوى الأهل..
رجل2: سنأتيكَ ببحرٍ لا يهدأ
ورجالٍ تملأُ عينَ الشمسِ
رجل3:أسدٌ في قفصٍ مملوءٍ بالعز
تحاصرهُ من كلِّ بقاعِ الأرضِ عيون
رجل1: أمضِ يا شعلان...
فما برحَ الموتُ بيوتَ الأهلِ
رجل2: أترضونَ بذلِّ بساطيل الأغراب
خسئت هذي النفس إذا رضيت بالعار..
أصوات: شعلان أغثنا...شعلان أغثنا!
صوت منفرد: ذئابُ الليلِ تحوم
وما ملكت ايدينا الاّكَ
أتبقى يا أسد العِزِّ أسيراً..؟
رجل1: هاتوا بعشرةِ ليراتٍ من ذهبٍ صافٍ
سيلقونَ حممَ الأرضِ
وبراكينَ الآفاقِ تزاحمهم!
امرأة: (بلهجة عراقية) بس لا تتعذر موش آنا
رجل: (بلهجة عراقية) حطوني بحلكة وقلت آنا
صوت من الخارج: (بلهجة راقية)
كركي قتل زعفران يا أهل السويكة عزلوا!
تتداخل الأصوات:
هم قتلوها.. تلكَ العارية اليدين، فغطى سواد الليلِ السوق.
(1) دونكمو الطوب.. هبّوا مثل خناجر مسمومة..
(2) يا شعلان.. من يسقي الأرضَ وأنتَ بعيد
(3) من يملأ هذا الفجرَ قسطاً وعدلاً..؟
(المجاميع تدور مثل ناعور وسط المسرح)
أمرأة: الأرضُ تدور..
وزمان المكر يدور..
ستخضرُّ الأرضُ ، وينكفيءُ البور..
المجاميع تردد: ستخضرُّ الأرضَ .. وينكفيءُ البور..
قطع..
مهرج1: لنشربَ نخب البور.. لنشربَ نخبَ زمانٍ ما زالَ يدور..
الراوي: في زمنِ الفيلِ الأمريكي
لم تبقَ دارٌ آمنةً
مَنْ دخلَ دارةَ بوش فهو آمن!
مَنْ دخلَ المنطقةَ الخضراء فهو آمن!
مَنْ سارَ بدربِ الفقراءِ لا نعرف هل يرجع للبيتِ
أو يؤتى به!!
قطع
(المجموعةما زالت أمام توابيت ضحايا حرب الثمانينيات)
مهرج1: خذوا كلَّ الأخشاب، وارموا أرقام الحربِ بعيداً
مهرج2: مللنا الحرب..وهي تدورُ كرحى لا تهدأ
مهرج3: هل نصنع من أخشاب الموتى سلالمَ للمجد.. مهرج1: بل نصنعُ منها أبواباً لزمنِ الفرهود..
مهرج2: ( يضحك بهستيريا)
مهرج1: ما يضحكك.؟
مهرج2: غريبٌ حقاً، محتلٌّ وفرهود..!
مهرج1: مَنْ فرهدَ مَنْ؟ نحنُ أم هم؟
مهرج3: هل ننسى السير بيرسي كوكس؟ أم ننسى لجمن؟
داسوا ببساطيلَ معفرةً بالحقدِ ترابَ الأهلِ
وها هم أحفادُ الأغرابِ يدكّونَ الأرضَ
صوت المنادي: يا أهلَ بغداد..
ما جئناكم فاتحين..
بل جئنا محررين...!
(أصوات ضحك متكرر، ولغط في الشارع)
محررون.. محررون.. محررون!
رجل1: هل سمعتم آخر طرفة؟
رجل2: (ضاحكاً) قلها أخزاكَ الله
رجل1: في زمنٍ ما، اصدرَ والي البلدان الممهورةِ بالذلِّ فرماناً:
صوت المنادي: بأمرِ الوالي، للأعورِ درهمٌ
وللأعمى اثنان
من يأتينا بأعورين له خمسة دراهم
رجل1: فغابَ العورانِ والعميانِ..
لم يبقَ في البلدان احدٌ منهم!!
رجل2: (هازئاً) لو كنتُ هناك، لفقأتَ عينيكَ
وربحت الدرهم..
رجل3:بل قل نفقأ أعيننا ونربح ديناراً أو إثنين
(يضحكون جميعاً)
قطع
(المهرجون يدخلون من جوانب مختلفة)
مهرج1: آهٍ يا زمن المخدوعين
نركضُ خلفَ الدينارِ
وننسى أنَّ كرامتنا أولى
مهرج2: (ضاحكاً) لنشربَ نخبَ كرامتنا!
كرامتنا.. كرامتنا..
اشربوا واضحكوا.. (يضحك بصوت عالٍ ثم يتوقف )
لماذا لا تضحكون؟
أتستحون؟
منذُ سنينٍ والناسُ تضحك علينا...
لنضحك في العمرِ مرةً!
(يضحك بهستيريا)
مهرج1: (ينشد)
بلادُ العربِ أوطاني من الشآم لبغدانِ
المهرجون ينشدو خلفه وهم يغلقون الستار
ختام- ستار

البصرة
تشرين الثاني 2006



عبد الكريم العامري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى