الفرفار العياشي - الشباب و الهوية السائلة

صباح اليوم , وعلى غير العادة غيرت المقهى الذي ارتاده كل صباح , قدر جميل جعلني التقي استاذي الاديب عبد الله لوريكة , جلسنا حيت يفضل ان يجلس , حوار في عوالم متعالية وراقية حيت للفكر متعة .
مر من امامنا شاب لا يستطيع حتى رفع سرواله و التحكم فيه , حين تجالس مفكرا , فالامر يعني اليقظة و الانتباه الى ما يحيط بك و ما يمر من امامك , انها القدرة على التقاط التفاصيل .
مرور الشاب غير مجريات الحديث المتعالي و انزلنا الى واقع صعب و غريب و مشتت و ربما هو واقع اصبح سائلا من كثرة ميوعته , لحظتها اخبرني سي عبد الله ان شباب اليوم لم يعد قادرا عتى المضغ ؟؟
عبارة عميقة ودالة و كثيفة تحيل الى واقع يتشكل يوميا و يشكل هوية جديدة لكنها هوية معولمة تصنع هناك خارج جغرافية الهوية المحلية المسيجة بقيم مؤسسات التنشيئة الاجتماعية التقليدية ( الاسرة – المدرسة – الحزب – الجمعية – الحومة و الحي ) .
ربما الرجوع بعض الشئ الى الوراء يكشف حجم الاختلاف بين الشباب , و ربما جوهر المقارنة يقود الى استناج بسيط انها مقارنة بين هوية صلبة و هوية سائلة ؟؟؟
هوية صلبة تجد اساسها في المؤسسات الحاضنة لها و المسؤولة عنها كمؤسسات قوية و فاعلة و لها تاثير و مفعول على سلوك الافراد , فالاسرة و المدرسة و الحي و الدوار و الجماعة و القبيلة والعائلة كلها اطارات لبناء هوية تحترم المشترك الجمعي و تحافظ على القيم الاجتماعية و الاخلاقية كاطار للسلوك , و هو ما انتج جيلا صلبا قويا , متحكم في جسده و في لباسه و حتى في عواطفه .
اما الهوية السائلة فهي هوية هجينة تصنع هناك و في مكان ما , وان شئنا التدقيق في اللامكان , انها هوية سائلة و ذائبة تنتج الكثير من السلوكات الرخوة مظاهرها تتجسد في انماط سلوكية غريبة تغزو شوارعنا و احيائنا مثل نوع اللباس و كيفية اللباس و نوع الحلاقة و كيفية الكلام ونوع الكلام و اشكال التواصل و الحوار و العلاقة مع المحيط و الاسرة , حتى العاطفة اصبحت عاطفة سيالة و رخوة , نسبة الطلاق عند الشباب كبيرة مما يعكس انه شباب بهوية سيالة و سائلة ./ متوسط عمر الزواج ست اشهر ؟؟؟
العولمة اخرجتنا من هويتنا الصلبة المسيجة بالاعراف و التقاليد و القيم المتوارتة واستطاعت ان تصنع لنا هوية سائلة لا تعترف بالثبات و القيم و الاعراف حتى انها استطاعت ان تجعل الشباب لا يستطيع التحكم حتى في سرواله و لربما التخلي عنه ؟؟؟
فالهوية البديلة و السائلة هي عملية تدويب الثقافة المحلية و اعدامها من خلال تشجيع منطق الاستهلاك . عبر تكوين تقافة استهلاكية عالمية أحادية المصدر، جارفة، لا تبالي بتنوع القيم و لا باختلاف العادات و التقاليد تهدف الى هندسة مجتمعات مقولبة و سائلة بلا اصل و بلا تاريخ هي ثقافة تعادي كل من يقف امام الاستهلاك , لذا نجد اغلب الاحزاب ذات المرجعية الليبرالية تتبنى مشروعها الايديولوجي من اجل فسح المجال امام العولمة لكي تسود و تهمين. و هو ما يفسر شدة الغضب و التوثر الذي صاحب حملة المقاطعة لبعض منتوجات بالمغرب , لدرجة ان اصحاب الشركات تخلوا عن كبريائهم و قدموا اعتذارا لكنهم غير مستعدين للتخلي على ترسيخ تقافة الاستهلاك لانها للطريق الوحيد نحو الربح و المزيد من الربح .
العولمة نجحت في ربط اللذة و السعادة بالاستهلاك , فسعادتك رهينة بما تستهلكه لذا لا نفاجى ان المتاجر الفاخرة بواجهاتها الزجاجية تتكاثر , فالسعادة تعني القدرة على الاستهلاك و النتيجة تراكم الازبال لاننا نشتري اكثر مما نستهلك , فاصبحنا عاجزين حتى عن تدبير وجمع ازالنا ليس لان عمال النظافة لا يقومون بمهاهم و لكن لاننا ننتج الكثير من الازبال ؟؟؟
العولمة و الاستهلاك جعلتنا نملك فائضا من الازبال بسبب كثرة الاستهلاك و ربط سعادتنا وفرحنا به , بعد ان كنا بلا مطارح و لا مزابل , و اننا نشتري ماهو اساسي . اتذكر مساء كل اثنين و هو يوم السوق الاسبوعي ,هو اليوم الوحيد لكي ناكل فيه اللحم , فكان يوم عيد , نلتقي على طبق واحد , ناكل و اذا تبق شئ فان الكلب امام الباب ينتظر دوره فيما تبقى من عضام وفتات خبز اما القط فهو يقيم تحت الطاولة يشاركنا وجبة العشاء و لو خلسة ,فلا شئ يضيع ولاوجود للازبال ؟
الاكيد ان العولمة نجحت في ترسيخ منطق السهعادة كلذة و هو منطق يقود الى الكسل و التراخي و النتيجة ما عبر عنه الاستاذ عبد الله لوريكة بكون الشباب لم يعد قادرا حتى على المضغ فكيف له بكسب الرزق ؟؟ شباب لا يستطيع حتى التحكم في سرواله فكيف له ان يتحكم في وقته و في جسده .
العولمة الماكرة استطاعت ان تصنع كائنات معولمة و ليس عالمية , البعض يعتقد واهما انه يعيش ما يعيشه الاخرون و لعل الافلام و المسلسات المدبلجة بالعربية تمنح المشاهد لذة و استرخاء و حتى احساسا بالتفوق ان الاخرين يتكلمون لغته ؟؟
انهم لا يتكلمون لغتنا , بل انهم يوظفونها لسرقوا منا هويتنا الصلبة و استبدالها بهوية سائلة يكون فيها الشباب غير قادر حتى على المضغ ؟؟؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى