رمضان الصباغ - العلاقة بين الصورة والمحتوى ( الشكل والمضمون ) فى العمل الفنى

بعد أن درسنا الصورة فى تجلياتها، والمحتوى فى علاقته بالواقع والظروف الاجتماعية والتاريخية، وتفصيلاته الداخلية، فإننا الآن سوف نبدأ فى محاولة لكشف النقاب عن العلاقة بين المصورة والمحتوى عبر رؤية نقدية للاتجاهات التى تفصل أو تربط بينهما مع دراسة لطبيعة تلك العلاقة.
ولقد انقسمت المدارس الفنية فى دراستها للصورة والمحتوى والربط أو التمييز بينهما، وكان أشهر هذه المدارس فى القرن الثامن عشر هى "مدارس تقول بجمال المحتوى ( Gehaltsaesthetik) وتلك التى تقول بجمال الصورة (Formaesthetilk) والمشكلات التى واجهتها هذه المدارس نجمت - بصفة عامة - عن السؤال الآتى:
هل يقوم الفن على المحتوى وحده Does Art Consist Solely Of The Content ، أم يقوم بالمحتوى والصورة معا´-or-Of Content And Form Together?. ماهى سمة المحتوى؟ وما هى الصورة الجمالية؟ البعض أجاب بأن الفن، ماهية الفن، هى فى المحتوى، وعرفوا المحتوى بأنه ما يبعث اللذّة تارة، أو بما هو أخلاقى تارة، وبما يسمو بالإنسان إلى سموات الدين والميتافيزيقا Religion And Metaphysics، أو بما هو صائب تاريخيا، أو أخيرا بما هو جميل

من الناحية الطبيعية والواقعية. وأجاب آخرون بأنه ليس للمحتوى من أهمية كبرى، فما هو إلا مشجب تعلق عليه الصور الجميلة التى تبدعها روح الجمال Aesthetic Spirit: الوحدة والانسجام، والتناسق، وغيرها. ويحاول كلا الاتجاهين أن يجتذب العنصر الذى استبعده فى بادئ الأمر من ماهية الجمال واعتباره عنصراً مكمـلا أو ثانويا: وبالنسبة لأتباع ( المحتوى) فإنهم يقبلون بأن يستفيد المحتوى ( والذى هو وفقا لرأيهم يعدّ العنصر الأساسى المكون للجميل) بتزيينه هو نفسه بصور جميلة، وأن يبدو فى وحدة وتناسق وانسجام.. الخ كما يرى "الشكليون"، من جهتهم، إذا كان الفن لا تعظم قيمته
بالمحتوى وحده فإننا نكون أمام تأثير قيمتين اثنتين لا قيمة واحدة. وقد وصلـت إلى أوجها فى المانيا لدى أتباع "هيجل" ( Hegelians) وأتباع "هـربرت" (Herlertians ) ويمكـن أن توجد بدرجة أكثر أو أقل فى تاريخ علم الجمال، فى العصور القديمة والعصور الوسطى، والحديثة والمعاصرة، وغالبـا ما يحدث بالنسبة للرأى العام بأن يقال: بأن المسرحية جميلة من حيث الصورة In Form ولكنها فاشلة من حيث المحتوى But A Failure In "Content" ، وكذلك يقال أن القصيدة نبيلة جـدا فى عاطفتها، ولكنها قبيحة Ugly من ناحية الأسلوب ويقولون عن مصورّ ما ليتْه لم يضيع مواهبه فى موضوعات صغيرة تافهة (Small Unworthy Themes) وأنفقها فى موضوعات ذات شأن تاريخى واجتماعى"(1).
إن المشكلة الأساسية التى تواجه الباحث فى دراسته للآراء التى تطرح موضوع العلاقة بين الصورة والمحتوى على بساط البحث هى تلك الآراء التى تضـع تمييزاً حاداً بين الصورة والمحتوى، والتى تجعلهما فى تضاد أو تنافر.

وهذه الآراء إنما تحاول أن تكون منسجمة مع أنساق فلسفية أو مذاهب جاءت هذه الآراء الجمالية فيها كجزء مكمّل، ومن منطلقات فلسفية - بالـدرجة الأولى - وليس نتيجة لممارسة ودراسة تفصيلية وعميقة للفن وسبر أغواره بحثا عن رؤية جمالية ، هذا فى الغالب بشكل عام. وإذا كانت بعض الآراء تجعل المحتوى هو الأساس، بينما الاتجاهات الأخرى ترى العكس (أى الصورة هى الأساس)، فإن هذا هو ما يسم تاريخ الفكر الجمالى بميسمه، وإن كان هذا لم يمنع وجود بعض الآراء التى حاولت سبر غور العـلاقة بشكل جدّى مع مراعاة ما للفن من خصوصية، وارتباط بالإنسان فى نفس الوقت.
لقد كان "كروتشة" فى النص السابق يحاول توصيف ما هو كائن بالنسبة للآراء السائدة، وذلك من خلال لهجة توحى بعدم موافقتة على ما يسودها من تعسف وخلط. وهو فى ذلك يرجع هذه الآراء أو النظريات إلى أصولها التى تنطلق منها، وهى "نظريات اللذّة، والنظريات الأخلاقية، والتصورية Conceptialistic والطبيعية فى الفنّ، هذه المذاهب التى فشلت فى إدراك ما يجعل الفن فنا Which Make Art Art، فاضطرت إلى اقتناص هذا الفن الذى أفلت من يديها لتعيد إدخاله كعنصر طارئ أو عرضى"(2).
فقد كان انطلاق الآراء من قاعدة ثابتة، ووجهة نظر سابقة، سواء كانت تصورية أو أخلاقية أو تعود للذّة…. الخ، يجعلها تحمل تصوراً جامدا - متّسقًا مع التصور المسبق - ويبعدها عن جوهر الفن، وعما يجعل الفن فناّ، أو ما يمثل ماهية الفن The Essence of Art الحقيقية. " فالصور الجميلة التى يقـول بها أتباع "هربرت" لا تختلف عن المحتويات الجميلة Beautiful Contents التى يقول بها أتباع هيجل ( الهيجبليون) (3)". على حد تعبير "بندتو كروتشه".

وقد تعددت الاتجاهات فى معالجتها موضوع العلاقة بين الشكل (الصورة) والمحتوى ( المضمون) فكان أحد هذه الاتّجاهات يرى أولية الشكل على المضمـون بينما يرى الاتجاه الآخر أولية المضمون على الشكل، وأخيرا ذلك الاتجاه - الثالث الذى يرى ضرورة وجود علاقة وثيقة - تكامل أو امتزاج.. بين الشكل والمضمون.

(1)

يقـول هنـرى لـوفافر:
" وفى رأى "كانط Kant" أن الشكل هو الذى يتغلب. فهو الذى يحدّد الأثر الفنى ويعينه، وللأثر الفنى وحدة، وطبيعة نهائية داخلية، وهى تؤّلف كلا خاصا، وهذه الخاصيـة تميزها عن كل شئ آخر، وتستثير الانفعال الجمالى. وهذه الخاصية مستقلة، ولا شك عن ( المحتوى)، ( عن المحسوس) هكذا يقـول كانط، وأكثر من هذا أيضا، نرى هذه الخاصيّة تبدو فى حالتها الصافية حين يتلاشـى المحتوى ويزول. كما يحدث فى الفن الزخرفى الصرف، والنقوش.. والنقش المخروطى"(3).
إن تغلب الشكل وتحديده لماهية الأثر الفنى منفردا، يؤكد على العناصـر الشكلية فى العمل الفنى، وأهمية الصورة فى مقابل إهمال أو تجاهـل دور المحتوى، وقد أكد "كانط" ذلك عندما قال "بتجرد حكم الذوق من كل محتوى"(5). كما رأى بأنه "لا أحد يمكن أن يحدد ما يجب أن يكون عليه الموضـوع، وأن هذا حينئذ يقدم الخلفية المحددّة للحكم بفضل وعينا التأملـى، ووعينا بالعالم بالرغم من ذاتيته، وحالات التوافق فى هذا التأمل، مع معرفة الموضوعات بصورة عامة، والتى لأجلها تكون صورة Form الموضوع هى النهائية"(6) وهى الفيصل.

وقد أكد نفس الرأى الشكليون فقد رأى "شكلوفسكى" أن "الفن كان مستقلاً تماما عن الحياة، ولم يعكس لون العلم الذى يرفرف فوق حصن المدينة Art Was Always Free Of Life, And Its Color Never Reflected The Color Of The Flag Which Waved On The Fortress Of The City "(7) وهذا يعنى أن المحتوى لم يكـن ذا بال بالنسبة لشكلوفسكى ( Shklovsky) وأن العمل الفنى فى استقلاله عن الحياة، وانفصاله عنها، إنما تتحدّد قيمته وفقا لصورته فحسب.
وكذلك رأى جاكوبسون Jacobson أن "الشعر تشكيل للكلمة. تشكيل له قيمته فى حد ذاته “Is A valuable In Itself" "(8). وأن "الشكل الجديد هو الذى رأى النور عفويا بصورة مستقلة بذاتها، و أرغم الشاعر على البحث عن مادة مناسبة، وجعله يتجه، مثل غيره، فى اتجاه المدينة"(9).
أى أن الشكل الجديد هو الذى ظهر أولا، وأرغم الشاعر على البحث عن موضوع مناسب، أما المحتوى فلم يكن فى ذهن الشاعر. فالشكل هو صاحب الأولوية وهو الذى يحدد ماهية العمل الفنى. وما "إن يوجد شكل جديد حتى يوجد مضمون جديد، فالشكل يحدد المضمون Form Thus Determins Content (10) كما يرى كروتشينيخ Kruchenikh.

يقـول تروتسكـى:
"لكن "جاكوبسون" يحاول أن يؤكد بإصرار، فيقول بأننا نجد لدى "ماياكوفسكى" نفسه أبياتاً كهذه: اتركـوا المدن Leave The Cities، أيها البشر الأغبياء You Silly People. ويقدم منظّر المدرسة الشكلية Fomalist School هذه المحاكمة العقلية: ما هذا إذن، إنه التناقض المنطقى؟ ولكن فليقل غيرى للشاعر ماهى الأفكار التى يعبر عنها فى أعماله. ان تجريم الشاعر بسبب الأفكار Ideads والمشاعر Feelings موقف لا يقل عبثية عن موقف جمهور
العصـور الوسطى حين كان ينهال بالضرب على الممثل الذى قام بدور يهوذا Which Beat The Actor Who Played Judas وهكذا"(11). ويعلق "تروتسكى" ساخراً بأنه من الواضح أن كل ما سبق كتبه تلميذ ثانوى موهوب.
وإذا كان الشكليون الروس قد أكدوا على دور الشكل عبر رؤية شاملة تضع الشكل أساس العمل الفنى، ومنبع قيمته الجمالية، ورأوا أن الشكل هو الذى يحدد المضمون، فإن "سوريو" - رأى أن "الشكل نفسه هو الذى يحدّد طبيعة الشئ أو ماهيته، وليست مهمة علم الجمال سوى دراسة عالم الصور"(12). ويرى أن "الصورة كيفية، باطنة فى الشئ نفسه، بحيث يصح أن نقول أن الصورة هى الشئ من حيث هو موضوع، لا من حيث هو امتداد محض.. وليست الصور علامات أو رموزاً، بل هى وقائع مليئة ذات حياة مستقلة. والمضمون الأساسى للصورة هو "مضمون صورى" بمعنى أن الصورة ليست مجرد رداء داخلى أو ثوب عرضى يتلبس بموضوع غريب عنه، بل هى بمثابة شكل جوهرى يتخذه الشئ"(13).
وقد كان إيثار الشكل ( الصورة ) فى التجربة الفنية معبراً عنه بواسطـة تلك النظرية التى قالت "بالصورة ذات المغزى Significant Form" وقد ذكرنا ذلك لدى "كليف بل"، "وفراى"، و"سوزان لانجر". ووفقا لهذه النظرية فإن ما يثير فينا الانفعال الاستاطبقى هو "ما يترتب على ترتيب الخطوط ترتيبا معينا، وعلى الجمع بين الألوان بطريقة معينة، وكل ما ينطوى تحت أسم "التكوين" وباختصار كل مالا يتبع المضمون"(14).
وقد رأى البعض أن اهتمام الفنان إنما يقع على الصورة، "فهو لا يضع المضمون أو الموضوع إلا فى الاعتبارة الثانى، واثقاً من أن مهمته الأولى إنما تنحصر فى خلق عالم متسق من الصور الحيّة"(15).

وقد عرف هريرت ريد Herbert Read": الفن بأنه "إرادة الصورة Will To Form. فما ذلك إلا لأنه فطن بأن العمل الفنى هو فى جانب كبير منه مجرد خلق لمجموعة من العلاقات الصورية(16).
ولقد كان تأثير الاتجاه الشكلى، أو الرأى القائل بأهمية الشكل، وثانوية المضمون كبيراً، لدرجة أن "جورج لوكاش" George Lukać-;-s فى مرحلته المبكرة رأى: أن العنصر الحقيقى فى الأدب هو الشكل كما سبق أن ذكرنا"(17).
وهكذا كان الاتجاه نحو الشكل أو الصورة مؤكدا على جمالية الصورة، ونابذاً الاهتمام بالمحتوى، أو جاعله - فى أحسن الأحوال - فى المرتبة الثانية، وتابعاً للشكل، ذا تأثير عميق، وقد تبناه العديد من المفكرين، بـدءاً من "كانط" إلى العصر الحاضر مجسدا فى الشكلية والبنيوية - وبدرجات مختلفة.
ان المدرسة الشكلية بعد أن أعلنت أن "ماهية الشعر The Essence Of Poetry هى الشكل وقفت مهمتها على تحليل وصفى، شبه سكونى للأصول الاشتقاقية والنحوية للأعمال الشعرية، ولأحرف العلة والصوامت والمقاطع والصفـات التى تتكرر"(18). هذا العمل الجزئى ضرورى ونافع على حدّ تعبير "تروتسكى"، ولكنه ليس كل شئ "فالشكليون يرفضون التسليم بأن مناهجهم ليس لها إلا قيمة مساعدة، نفعية تقنية، شبيهة بقيمة الإحصاء بالنسبة للعلوم الاجتماعية"(19). فدراسة الشكل فى العمل الفنى، وسبر أغواره وأعماقه، والوصول إلى مكوناته الجمالية لا يمثل فى الحقيقة إلا جزءاً من عملية النقد أو الدراسة، وهى جدّ مفيدة، ولكنها ليست كل شئ.
أن أهمية الشكل فى الدراسة الجمالية كبيرة، ولكن القول بأن الشكل هو كل شئ، هو الذى يجافى الحقيقة من وجهة نظرنا.
ولذا فإن دراسة الجوانب الأخرى فى العمل الفنى والاهتمام بها يعدّ أمراً ضروريا.

(2)

لقد رأى "جورج لوكاش" فى معنى الواقعية المعاصرة - "أن المضمـون يحدّد الشكل وليس هناك من مضمون إلا وكان الإنسان ذاته نقطته البؤرية، ومهما تنوّعت معطيات الأدب سواء كانت تجربة معينة أو هدفاً تعليميا، فالسؤال الأساسى هو، وسيظل، ماهو الإنسان؟" (20).
وهنا نجد "لوكاش" وقد خطا خطوة أخرى بعيدا عن كتاباته المبكرة -والتـى أشـرنا إليها فى القسم السابق من هذا الفصل إذْ كان يؤكد على أهمية الشكل أولا. بينما هنا نراه يؤكد على أسبقية المضمون، وأن المضمون ( أو المحتوى) هو الذى يحدّد الشكل، وذلك على اعتبار أن هذا المضمون يضع فى مركزه الإنسان، الذى هو أساس هذه الحياة. ويصرّ أيضا "لوكاش" على أن تأكيد الأمور الشكلية تأكيدا جامعاً مانعاً من الممكن أن يؤدى إلى سوء فهم خطير لطبيعة عمل الفنان"(21).
وبهذا يكون - لوكاش - قد تخلى تماما عن رؤيته الشكلية فى كتاباته المبكرة واتجه بوضوح نحو رؤية ماركسية متسقة مع نفسها.
وتأكيدا على أهمية المحتوى ، رأى "هيجل" كما سبق أن ذكرنا أنه لكى تمارس الموسيقى التأثير الذى بوسعها أن تمارسه، لابد من (مضمون). أى أن الموسيقى لابد لها أن توقظ فى النفس شعوراً حيّا (22).

فالموسيقى، وهى من الفنون التى يعد المضمون فيها مدفوناً تحت طبقات كثيفة من الشكل - إلى حد ان الكثيرين من النقاد والمفكرين تحدّثوا عنها كمثال لغياب المضمون تماما - نجد "هيجل" يؤكد على أهمية المضمون بالنسبة لها، وذلك حتى تمارس التأثير على النفوس. وتوقظ فيها الشعور الحىّ بالحيـاة . وإذا كان للمحتـوى أو المضمون من أهمية فذلك "ليس لأن بالإمكان اعتباره بذاته بالاستقلال عن التصوير، وإنما بالأحرى لأنه يحدّد الصورة الخاصة التى بدونها لن يكون سوى التجريد. إن ضبط المحتوى يعنى إذن إدراك سبب التصوير"(23).
فالفن فى رأى "هيجل" "هو إدخال فكرة فى مادة أو التعبير عن الفكرة أو الروح بوسائل مادية، والأهمية ليست للمادة والشكل، بل للمضمون. إن "هيجل" يركز على المضمون الذاتى، ولم يحلّ الشكل أو الإخراج سوى المرتبة الثانية من حيث الأهمية"(24).
وإذا كان "هيجل" قد أكد على أولوية المضمون وأهميته - فإنه لم يقـف عند هذا الحد، بل صاغ علاقة جدلية بين المضمون والشكل - وهذا ما سوف نشير إليه فيما بعد - وكان تأثيره كبيراً على الماركسيين.
وإذا كان "لوكاش" قد أوضح - فيما سبق أن ذكرنا فى مرحلة نضجه - متفقا مع هيجل والماركسين أترابه - أهمية المضمون وأولويته، فإنه ارتكازاً على هذا الموقف قد اتخذ موقفا رافضاً من الاتجاهات الحداثية. وقد كان "السبب الجوهرى لهذا الرفض لأغلب الأدب الحداثى هو الافتقار إلى المحتوى Lack of Content"(25). وقد رأى أن "تغيرّ الصورة يتغير تبعا لتغير الواقع ( الذى هو أساس المحتوى) وأن الفروق بين الإغريق وشكسبير هى فى الأساس فروق تاريخية Historical، فحالة الواقع لدى "سوفوكليس Sophoches”، " واسيخلوس Aeschylus" كانت أبسط من الواقع الذى عاصره "شكسبير" ولذلك فقد قدم "شكسبير" أسلوباً جديدا لحركة الإنسان والمجتمع يختلف عما لدى الإغريقين"(26).
وقد اكد الماركسيون المعاصرون ( على سبيل المثال "يغوروف") أيضا على أن المضمون يحدّد الشكل، وأنه هو الأولى Primary بينما الشكل ثانـوناً Secondery. فقد رأى أيضا أن العلم الماركس اللينينى - على حد تعبيره - "يـؤكد أن مضمون الوعى يستمـد من العالم الموضوعى، وهذا المضمون الـواقعى يحدّد شكله"(27). وقد انتقد استخلاص مضمون الفن فى - ما أسماه علم الجمال المثالى - " من الروح المطلق، والإلهام الإلهى أو انفعالات الفنان الذاتية اللاواعية والغائمة"(28). وعدم صحة ردّ خاصة الفنون إلى الشكل الفنـى. مؤكدا أن "الشكل ليس غاية فى ذاته، وبالتالى لا يمكنه أن يكون أسـاساً لتوضيح الخصائص المميزة للإبداع الفنى، إنه مرتبط بالمضمون الذى يعبر عنه"(29).
ولكنه أى - يغوروف - فى تأكيده على أهمية المضمون، "وقوله أن للمضمون فى الفن المقام الأول"(30). يستدرك قائلا: "بأن هذا لا يعنى أبدا أن المضمون هو كل شئ وأن الشكل لا شئ"(31).
أن الرأى الذى يؤكد على أولوية المضمون ( المحتوى) إنما ينطلق من تصوّر للعمل الفنى يرتبط ارتباطا وثيقا بالواقع، مؤكداً على التعبير - الفنى - عن هذا الواقع بكل ما فيه من تناقضات، بأحزانه وأفراحه بآلامه وما فيه من سعادة، فمحتوى كل إنتاج فنى هو الحياة منعكسة فيه، وتتحدد القيمة الاجتماعية للإنتاج الفنى، قبل كل شئ، بمحتواه، إذا أن المحتوى يضمر دائما علاقة معينة بالموضوع، فهو إما يثبت ظواهر معينة فى الحياة أو ينفيها"(32).

يقول جان فيريفل:
"إن لغة الأثر الأدبى وأسلوبه وتركيبه وطابعه الجمالى تتحدّد بمضمونه، أى بالتصور الذى يكونه الفنان لنفسه عن الواقع، وبالتجربة التى يمتلكها، وبالأيدلوجيا التى يعبر عنها"(33).
أى أن المضمون سابق على الشكل، وهذا المضمون يعكس تصورات الفنان، وعلاقته بالواقع، وموقعه وانتمائه الطبقى، والأيديولوجيا التى يبثها فى أعماله الفنية.
وهذا المضمون ليس فى حالة جمود أو سكون، بل هو فى تطور مستمر، لأنه يعكس- بشكل جدلى تناقضات المجتمع الداخلية.
وهذه التناقضات تنتقل إلى المحتوى ذاته، الذى يتطور بفضلها، ويتحرك باستمرار. والمضمون الجديد يقابله شكل جديد لأن الشكل القديم لا يستطيع مواكبة المضمون الجديد(34)" على حد تعبير آفاناسيف.
وإذا كان - آفانا سيف - يؤكد على أهمية المضمون (المحتوى) وأولويته، وضرورة تغير الشكل القديم وفقا لتغير المضمون، فإن "ارنست فيشر" يرى أنه "كثيراً ما يحدث أن يعبر المضمون الجديد فى الأشكال القديمة(35)" وذلك اعتماداً على أن المضمون (راديكالى) بينما الشكل (محافظ). أى أن التأثير الاجتماعى والسياسى للواقع يكون على المضمون بدرجة أكبر. فقد استخدم الفن المسيحى "الأشكال الوثنية القديمة للتعبير عن المضمون الجديد الذى لم يعد وثنيا. وقد اضطر الفنانون المسيحيون إلى استخدام الأشكال القديمة حتى يقدّموا المضمون الجديد فى صورة مباشرة بقدر الإمكان، إذ أن هذه الأشكال كانت تتفق مع الأساليب المألوفة فى رؤية الأشياء"(36). ولكن مع ذلك. فمن الممكن أن "يحطم المضمون الجديد الأشكال القديمة ويدمرّها بعنف، ويوجد الأشكال الجديدة مكانها"(37). ويؤكد فيشر أيضا علـى أولوية المضمون على الشكل دون لبس أو غموض، فيقول: " ولكن ينبغـى أن يكون واضحاً أن المضمون وليس الشكل هو الذى يتجدّد فى البداية دائما. المضمون هو الذى يـولدّ الشكـل وليس العكس. المضمون يأتى (أولا)، لامن حيث الأهمية فحسـب، بل ومن حيث الزمـن أيضا. وذلك ينطبق على الطبيعة وعلى المجتمع، وبالتالى على الفن"(38).
فالتطور فى المجتمع، وكذلك فى الفن، ينتج عنه أن المحتوى الجديد "يأتـى متناقضا مع الشكل القديم - فى علاقات الإنتاج - هذا التناقص يتم حلّه بواسطة إحلال علاقات الإنتاج الجديدة محل العلاقات القديمة والتى تعوق تطوّر القوى المنتجة Productive Forces"(39). وكذلك فى الفن يعوق الشكل القديم المضمون الجديد، فيكون ضروريا تغيره، ووجود شكل جديد.

وقد كتب "تيرى ايجلتون"
"فى العالم الحديث، وبصفة عامة مع الرومانتيكية Romanticism نجد أن الروحى استوعب المادى وهيمن المضمون على الشكل، وقد تقهقرت الأشكـال المادية مفسحة السبيل أمام تطور الروح وسموّها الذى يجاوز حدود القوالب الكلاسيكية التى احتوته فى السابق مثل قوى الإنتاج عند ماركس"(40).
وهكذا هيمن المضمون على الشكل متجاوزاً الحدود السابقة، والقوالب التى كانت مفروضة. بل، وقد رأى "ماركس" "أن الأشكال تحدّد تاريخيا بواسطة المضمون الذى تجسّده، إنها تتغير، وتتحول، بل تنحلّ، وتثوّر، وفقا لتغير المضمون نفسه Forms Are Histonically Determined By The Kind of Content, They Have To Embody, They Are Changed And Transfered, Broken (41)Revolutionized As The Content Itself Changes . Dowen

فالمضمون هو الذى يحدّد الشكل الذى يجسّده، سواء كان العمل الفنى نصاً مسـرحيا، أو شعريا أو كان تصويرا أو موسيقى، أو نحتا….الخ. وهذا التأكيد من "ماركس" يعّد الفيصل فى وجهة النظر الماركسية.
وإذا كان "هيجل"، و"ماركس" واتباعهما قد أشاعوا الرأى القائل بأولوية المضمون على الشكل، ورفضوا الاتجاهات التى ترى الفن مجرد شكل أو صـورة فإن "سارتر" فى مرحلته الثانية بعد اقترابة من الماركسية ودعوته إلى الالتزام - عبر توليفة ماركسية وجودية فريدة خاصة به وحده - يعدّ أحـد الذين رفضوا الشكلية و"جعلوا المضمون فى المرتبة الأولى أما الأسلوب فيأتى مكملا"(42).
وهكذا نجد أن "هيجل" والماركسية، و"سارتر" فى المرحلة المتأخرة - قد رأوا جميعا أن المحتوى هو الأساس، وله الأولوية على الصورة ( الشكل)، وذلك عبر ربط "هيجل" للمضمون بالتعبير عن الروح المطلق، أو عبر ربط الماركسيين للمضمون بالواقع الاجتماعى بكل تناقضاته، أو كما رأى "سارتر" أن على الأديب أن يقدم للقراء مادة فكرية، لا تحجبها الأساليب الشكلية، واللعب بالصورة.
ولكن رغم تأكيد هذه التيارات جميعا على أهمية المضمون وأولويته، فإنها لم تكن بمنأى تماما عن فهم ايجابى لدور الشكل، بل كان الاهتمام بالعلاقة بين الشكل والمضمون من أهم ما أنجزته هذه الاتجاهات، ولم تقف عند مجرد القول بأهمية المضمون وأولويته.

(3)

لقد رأينا كيف أن بعض مدارس الفن تجعل الصورة (الشكل) جوهر العمل الفنى، والمحتوى ( المضمون) يأتى بعد ذلك فى الأهمية أو قد يكون عديم الأهمية لدى الاتجاهات الشكلية؛ بينما ترى اتجاهات أخرى أن المضمون ( المحتوى ) هو الأساس، وله الأولوية والسبق، وهو الذى يحدّد الشكل، ارتكازا على أن المحتوى يعبر عن تناقضات الحياة الاجتماعية، والتغيرات التى تطرأ على الواقع، ولذا فهو دائما فى حركة وصيـرورة، وهو الذى يحدّد الشكل الملائم له وفقا للظروف المختلفة التاريخية والإجتماعية….الخ.
ولكن رغم ذلك فهناك اتجاهات أخرى تطرح أشكالا أخرى للعلاقة بين المحتوى والصورة، بل وبعض الاتجاهات السابقة - خاصة تلك التى تؤكد علـى أولوية المضمون، نجدها لا تقف عند هذا الحد، بل تتجاوزه إلى وصف العلاقة بشكل أدق، وعلى نحو أشمل.

لقد كتب "بندتوكروتشه".
".. ذلك أن الحقيقة هى أن المحتوى والصورة يجب أن يميّزا فى الفن. لكن لا يمكن أن يوصف كل منهما على انفراد بأنه (فنىّ)، لأن العلاقة القائمة بينهما هى وحدها (فنية)، ذلك أن، تلك الوحدة التى لا تدرك كوحدة مجردة ومينّة، بل كوحدة عيانية وحية، Concret And Living. والتى ترجع إلى التركيب القبلى Apriori والفن تركيب جمالى قبلـى للشعور والصورة فى الحدس Intuition، تركيب نستطيع أن نقول بصدق إن الشعور بدون صورة عماء Feeling Without Image Is Blind، وأن الصورة بدون شعور فارغة Image without Feeling Is Avoid والصورة والشعور (العاطفة) لا يوجدان بالنسبة للروح الفنى بعيداً عن التركيب"(43).
فالصورة والمحتوى يوجدان فى حالة امتزاج، وتداخل، فلا صورة بدون محتوى، ولا محتوى بدون صورة. وإذا كانت الدراسة تفرض علينا أن نميـز أحدهما عن الآخر، فهذا لا يعنى أن يوصف أحدهما منفرداً بأنه (فنىّ)، ذلك أن الوحدة بينهما هى وحدها "الفنية" كما يرى (كروتشه).
والجدير بالذكر أن كلمتى شكل ومضمون "متضايفتان مثل أب وابن وقد استعيض عن كلمتى شكل ومضمون بكلمتين أخريين هما (بناء) أو (تصميـم) كمقابل للشكل، والمحتوى الدرامى كمقابل للمضمون. وقد ننتبه إلى أحد الطرفين ولا نبالى بالطرف الآخر. ومن الأمثلة التى تدلّ على النوع الأول (الذى يتركز فيه الاهتمام على البناء أو التكوين أو التصميم) جميع رسـوم الأرابيسك، وزخارف الأقمشة، وأشكال التطريز، والفازات والـزهور. وفى حالة التكونيات الموسيقية لدينا العديد من الايقاعات والنغمات التى تبرز التكوين أكثر مما تبرز المضمون أو المحتوى الدرامى. وقد رأى بعض المفكرين تسمية هذا النوع من الأعمال الفنية بالفنون اللاتشخيصية.. وهى التى يظن خطأ أنها بلا ( مضمون). ولكن فى حالة الموسيقى البحتة ثمة مضمون حتى وإن عجزنا عن التعبير عنه"(44).
ان جوهر دراسة العمل الفنى هو إذن هذه العلاقة بين الشكل والمضمون، وإن ما يحدّد هذه العلاقة، كما يحدد طبيعة اختيار المضمون وقيمته هو الرؤية التى ينطلق منها الفنان. كما يرى "تشير نيشفسكى"(45).

ويجـب أن يكون بين الشكل والمضمون نوعاً من الانسجام والتـوافق، وإلا فإنه "عنـدما يتناقض الشكل تناقضاً فظاً مع المضمون، فمهما كان الشكل رائعاً فلن يكون للرواية إلا قيمة ضئيلة حتى من الناحية الفنية، فليس لهذه الرواية وحدة لا فتقارها إلى فكرة تستطيع أن تبث الحياة فى الناس وفى الحوادث"(46).
هنا يؤكد "تشير نيشفسكى" على أن ما يحدد طبيعة العلاقة بين الشكل والمضمون هو منطلقات الفنان أو الكاتب. وإن التوافق والتمازج أساس العـلاقة بين الشكل والمضمون، وإلا كان العمل ضئيل القيمة إذا كانت تعوزه الفكرة التى تنتظم كيانه، وتجعله واحدا، حتى لو كان الشكل على أحسن ما يكون.

هيجل والتطابق بين التمثيل والفكرة
مع أن " هيجل" أكد على أهمية المضمون وأولويته معارضاً آراء "كانـط" إلا أنه - هو (أى هيجل) وأتباعه - لم يهملوا دور الشكل (الصورة) بل حاول "هيجل" أن يؤكد على أهمية العلاقة بينهما، ويصف طبيعة هذه العلاقة كما رآها ماثلة، فى الفن، من وجهة نظره المثالية والجدلية.
"وفى الفن العالى يكون ثمّ تناظر بين المضمون والتمثيل ( أو التصوير) لهذا المضمون، بحيث يكون التخيل مطابقا للحقيقة، بمعنى أن الشكل الذى فيه تتجسد الفكرة هو الشكل الحق فى ذاته. وأن الفكرة التى يعبر عنها هى تعبير عن الحقيقة"(47).
فالتناظر الذى يقوم بين المضمون والشكل، والذى يجعل التخيل مطابقا للواقع، فيكون الشكل معبراً بدقة عن الفكرة ( أو المضمون) أفضل تعبير، ذلك ما يحدث فى الفن العالى أو الذى يحوز الإعجاب.

وفى دراسته عن الفن الرمزى - يرى "هيجل" أن السمة المميزة للفن الرمزى تكمن فى وجود توافق بين المدلول ونمط التمثيل بحيث لا يكون الهدف من الأشكال الطبيعية والأفعال الإنسانية،.. الخ، أن تمثل ذاتها، بما فيهـا من خصوصية وفردية، ولا أن تعرض للوعى مباشرة الإلهى المتضمن فيها: بل كل دورها أن تكون بحكم صفاتها التى يرتبط بها مدلول موسع، إشارة إلى الإلهى وتلميحا إليه"(48).
هذا التوافق بين المضمون والشكل فى الفن الرمزى يأتى نتيجة لكون الهـدف من الأشكال الطبيعية والأفعال الإنسانية إشارة إلى الإلهى وتلميحا له، وذلك عبر الرمز. ولكن الفن الرمزى لم يكن يحوز رضاء "هيجل" عنه بشكل كامل. فقد كانت "سمة الفن الرمزى المميزة تكمن فى أنه لم يرتق بعد بما فيه الكفـاية ليكون قادراً على تصوّر المدلولات بما هى كذلك، بصرف النظر عـن كل خارجية. لهذا يتخذ من الواقع العينى للطبيعة والروح نقطة انطلاقه. ثم يوّسعه ويعزو إليه مدلولات كلية لا يتضمنها هذا الواقع إلا جزئيا. ويخلق فى النهاية شكلا منبثقا عن الروح، حتى إذا ما عرض هذا الشكل للحدس جعل الوعى يستشف تلك الكلية عبر هذا الواقع الخصوصى"(49).
لقد كان الاتجاه إلى الرمز محاولة للتعبير عما يجول من ذهن الإنسان من افكار روحية، لا يجد لها التجسيد الكامل ولذا استخدم الرمز كوسيلة للتعبيـر. وما هيـة الرمز - كما يرى ولتر سيتس" أنه يوحى بالمعنى، ولكنه لا يعبر ولا يفصح عنه"(50).
ولقد كان الفن الرمزى يسعى إلى تحقيق الاتحاد بين المعنى الداخلى والشكل الخارجى. ولكن عدم اتفاق المعنى أو المدلول إلا بشكل فظ جدا - علـى حد تعبير روجيه جارودى - مع الإشارة الحسية. الحسّى يطفح ويفيض خارج الحسّى (51).
وقد أكد "هيجل" هذا المعنى فرأى أنه "فى الرمز كان الشكل هو الذى يلعب الدور الرئيسى، وكان الغرض منه أن يكون له مدلول، ولكن دون أن يكون فى مقدوره التعبير عنه كامل التعبير"(52).
وإذا كان هيجل يوجه انتقاداته إلى الفن الرمزى لتغلب الشكل على المضمون، وعدم قدرة هذا الشكل ( الرمزى ) على توصيل المضمون الذى كـن يُراد الوصول إليه، فإنه يرى فى الفن الكلاسيكى كمال الفن، وتمامه. لقد وجد ما يبحث عنه فى هذا الفن؛ حيث "الاتحاد الحميم بين المضمون والشكل المطابق له بقدر أو بآخر.. فالمضمون الحميم للجمال الكلاسيكى مدلول "حر" ومستقل، أى ليس مدلولا لشئ ما، بل هو مدلول فى ذاته، مدلول يـدل على ذاته، ويحمل فى ذاته تأويل ذاته. وما هذا المدلول إلا الروحى الـذى هو بوجه العموم موضوع ذاته"(53). أن التطابق بين المضمون والشكل، وامتثال "الشكل لمطلب الحرية والاستقلال، أى عين المطلب الذى يفـرّض نفسه على الممضون. ذلك الاستقلال الحر للكل، الاستقلال الذى يشكـل التعيين الرئيسى للفن الكلاسيكى، ليس ممكنا إلا إذا كان كل جانب من الجانبين، أى المضمون الرّوحى من جهة، والتظاهر الخارجى من الجهة الأخرى هو ذاته تلك الكلية التى تؤلف مفهوم الكل"(54).
فالفن الكلاسيكى - كما يرى هيجل(55) - نتاج روح حرّ واع بصفاء ووضوح لذاته. وكذلك الشكل أيضا شكل حر. وعلى هذا فإن وحدة هوية تتحقق بينهما، ويتقلص اختلافها إلى محض اختلاف شكلى فى داخل موضوع واحد. ففى الفن الكلاسيكى يوجد توازن، وانسجام كامل بين المحتوى (المضمـون) والشكل ( الصورة). "فلم يعد المضمون خارجيا بالنسبة للصورة (أو الشكل) على نحو ما كان فى الفن الرمزى. لكنه اقتحمها وأصبح كامناً فيها بوصفه روحها. فالشكل الخارجى أصبح، يعبر تعبيرا تاما عن المضمون الداخلى. ولا شئ فى المضمون يترك بدون تعبير"(56). فالانسجام والتوافق بين ( الشكل والمضمون) والتضـافر بينهما يظهر أننا أمام "مضمون تلقى الشكل اللائق به"(57).
وصار هذا التمازج والتوافق - فى رأى "هيجل" - هو النموذج الأمثل للعلاقة بين الشكل ( الصورة) والمضمون فى العمل الفنى.
وبناءً على ذلك فإن عدم وجود مضمون أو مدلول يفقد العمل الفنى وجـوده. وإن الفصل بين هذين العنصرين من عناصر العمل الفنى يؤدى إلى خلـل فى العمل، فمطلب الفن هو اجتماع الشكل والمضمون فى وحدة واحدة، وفى تمـازج وانسجام حميم، بحيث يبدو الشكل تعبيراً دقيقا عن الفكرة، بل كما لو كان المضمون قد تطابق مع الشكل.
و"إذا كان على الشكل كيما يستطيع التعبير عن المضمون المخصص هو له، أن يطهر ويخلّص من العوائق التى جعلته أسيراً لتناهيه المباشرة، فإن الروحية يجب عليها بدورها - من أجل أن يكون التوافق تاماً بين المعنى والشكل - أن يكون من الممكن التعبير عنها علـى نحو شامل فى الشكل الإنسـانى، دون تجاوز هذا التعبير، أعنى دون أن تدع المحسوس والجسمانى يمصّها، دون أن تتوحد وإياه"(58).
ان الكمال الحقيقى للفن يأتى من هذا التوافق والانسجام، بل والانصهـار بين المحتوى والشكل. ولقد حاول الفن الرمزى الوصول إلى هـذه الحالة إلا أنه لم ينجح، ولكن الفن الكلاسيكى - فى رأى "هيجل" - نجح فى ايجاد هذا التوازن.

وإذا كان الفن الكلاسيكى قد وجد التعبير التام عنه فى التوافق بين الشكل والمحتوى، فإن "السمه البارزة فى الفن الهندى هى عدم الكفاية التامة فى التعبير التى تكشف عنها بين المضمون والتجسد المادى. فالروح تكافح لكى نجد التعبير عنها لكنها تفشل فى ذلك. والاضطراب العنيف الذى يمثله هذا الكفاح لا يؤدى إلا إلى تلك الأشكال الخيالية الشائهة حيث تجد فيها كتل المادة الضخمة تطغى على الروح"(59).
فعدم التوافق، بين العنصرين، وكون الروح لا تصل إلى التعبير عنها بشكل تام، يؤدى إلى اضطراب فى التجسيد، وظهور أشكال شائهة وخيالية تطغـى فيها المادة على الروح. إن هذا الاضطراب كان نتيجة لطغيان المـادة، والمزج بين الإلهى والحسىّ، وعدم وصول الروح إلى التحقق الفعلى عبر الشكل اللائق به.
فى الرومانتيكية يتكون المضمون الحقيقى للفن من "الداخلية المطلقة، ويتكون شكله المطابق من الذاتية الروحية الواعية لاستقلالها وسؤددها وحريتها. وهذا اللاّتناهى وهذا الكلى الموجودان فى ذاتهما ولذاتها ينطويان على موقف سلبى مطلق إزاء كل خصوصيّة، على توافق بسيط يجهل كل انفصـال وكل صيرورات الطبيعة مع تعاقب الولادة والاضمحلال والانبعاث، وكل تحديد للحياة الروحية"(60). وهذا الانفصام بين الشكل والمضمون يؤدى إلى العودة إلى الرمزية، وإن كان بصورة أخرى.
فقد كان التعارض بين عنصرى العمل الفنى، هو أساس الفن الرومانتيكى، وكان الانفصام بين الواقع والفكرة مبررا لتراجعه - كما يرى هيجل.

إذا كان الفنى التشكيلى، خاصة النحت، تجد الروح فيه تجسيدا، وشكلا مطابقا، كما فى الفن الكلاسيكى، أو يحدث الانحراف عن المثل "الهيجلـى" الأعلى للعلاقة بين الشكل والمحتوى - كما حدث فى الفن الرمزى، والفن الرومانتيكى - فكان ذلك ابتعادا عن التحقق الفعلى للفن الحقّ، فإن مجالا كالموسيقى يكون البحث فيه عن هذا التطابق من الصعوبة بمكان.
"فالموسيقى لا تعرف أشكالا موجودة خارج تطاقها، فى مقدورها الاعتماد عليها، بل الأشكال التى تنبع منها قواعدها، وقوانينها وضروراتها تتألف من أصوات لا تقيم مع ( المضمون) المتضمن فيها علاقات وثيقة جدا، وتترك على العكس، للحرية الذاتية حقلا أوسع وأرحب بكثير من منظور أدائها وعزفها"(61). فالموسيقى تتمتع دون الفنون الأخرى بقدر كبير من الحرية، والانعتـاق من التعبير عن مضمون محدد. ولذا فإن مهمة الموسيقى، هى تقديم مضمون - إذ لابد من وجود مضمون فى العمل الفنى لدى "هيجل" - يمكن أن "تتعقله الذاتية الداخلية وأن يتكشف فيها بملء حيويته"(62). فالداخلية هى "الشكل الذى تقتدر به الموسيقى على تعقل مضمونها، مما يتيح لها أن تتمثل كل ما هو حقيق بإدراجه فى عداد الداخلية، ويتلبس شكل الشعور والعاطفة"(63).
ان "هيجل" يؤكد على اتفاق جانبى المضمون والشكل، حتى أن الموسيقى التى لا تقيم علاقات وثيقة مع المضمون - على حد تعبيره - إذ يتكون المضمون فيها من الشعور والعاطفة، ويظل الشعور دائما وكأنه (غلاف المضمون)، وعلى هذا الأساس يتم التوافق بين المضمون والشكل، بل "إنهما يتّحدان حتى أن الشكل يقوم بالتعبير التام والكامل عن المضمون، فى حيـن أن المضمون بدوره لا يكاد يجد تجسيداً آخر عن هذا التجسيد ذاته لكى يعبرّ عنه تعبيراً تاما كافيا"(64).

ولكن هل التوافق والوحدة بين الشكل والمضمون موجودان دائما، ومتحققتان فى كل أنماط الفن؟
وماذا يحدث لو أن خللا أصاب هذه العلاقة؟ أى ضرب هذا التوافق وتلك الوحدة؟
لا يكون هذا التوافق وتلك الوحدة موجودان ومتحققان إلا فى الفن الحق - كما يرى "هيجل". أى أنه توجد حالات كثيرة، يكون فيها عدم التوافق وفقدان الوحدة هما المسيطران على الفن، وعلى هذا فإن هذا يعطينا أنماطاً ثلاثة من الفن، هى تعبير عن تلك العلاقة.
"(1) المادة ( التجسيد) تطغى على الروح ( أو المضمون)، والمضمون الروحى هنا يكافح لكى يعثر على تعبيره الكامل، ولكنه يفشل فى الوصول إليه.. ويعطينا ذلك نوعاً من الفن الرمزى Symbolic Art.
(2) التوازن الكامل والوحدة التامة بين المادة والروح، وهذا يعطينا الفن الكلاسيكى.
(3) طغيان الروح على المادة وهذا يعطينا الفن الرومانتيكى"(65).
وهنا يؤكد "هيجل" على ضرورة التوازن الكامل والوحدة بين المادة والروح أو الشكل والمضمون حتى يكتمل الفن، ويكون تعبيرا حقيقيا عن الروح المطلق.
كما يؤكد على أن طغيان جانب من الجانبيين على الآخر يؤدى إلى خلل فى العمل الفنى وتشويهه، وإنتاج أعمال تفشل فيها الروح أن تجد التجسيـد المعبـر عنها فيها. فالتوازن والوحدة بين عنصرى العمل الفنى هذين، هما الفيصل فى إنتاج فن رفيع، والابتعاد عن التشوّّة، والخلل، فى رأى "هيجل".

جدل الشكل والمضمون
إذا كان "هيجل" قد رأى أن العلاقة بين عنصرى العمل الفنى ( الشكل والمضمون) قد تمثلت بشكل إيجابى وفعّال فى "الفن الإغريقى الكلاسيكى Greek Classical Art"، إذْ أنه أنجر وحدته الهارمونية بين العنصرين، المضمون والشكل، الروحى والمادى، إلا أنه مع العالم الحديث نجد أنه حدث خلل، وهذا "تـم بصفة خاصة مع الرومانتيكية Romanticism. فقد استوعب الروحى المادى وهيمين المضمون على الشكل، وتقهقرت الأشكال المادية مفسحة السبيـل أمام تطـور الروح وسموها"(66). فإن أتباع "هيجل" - من الماركسين - لم يدّخروا جهداً فى دراسة العلاقة بين الشكـل والمضمون فى الفن الحديث، ومحاولة وضع نظرية ( أو نظريات) لذلك، متجاوزين الرؤية المثالية الهيجلية، إلى رؤيا تقوم على علاقة وثيقة بين الفن والواقع، وإن اتخذت أشكالا متباينة فيما بينهم.
فإذا كان المحتوى هو الحياة منعكسة فى العمل الفنى، فإن هذا يعنى أن المحتـوى لكى يصل إلى المتلقى لابد أن تكون له صورة أو هيئة أو شكـل، فالشكل هو أسلوب التعبير عن المحتوى. وهذا يؤكد على وحدة الشكـل والمحتوى، وتناغم العلاقة بينهما، وضرورة ارتباطهما. وينتج عن ذلك أن يكون الشكل والمحتوى فى مستويين متساويين ويكونان - بتناغمهما - كلاّ واحدا.
وإذا كانت الماركسية قد قالت بأولوية المضمون على الشكل مقتفية بذلك أثر "هيجل" وإن كان لأسباب معارضة تماما - فإن هذا لم يمنع الماركسية من القول بالترابط الجدلى ( الديالكتيكى) بين الشكل والمضمون.

لقد كتب "رالف فوكس Ralph Fox" فى الرواية والناس The Novel And People عام 1937.

" الشكل الناتج عن المضمون متطابق Identical معه، وهما شئ واحد بالـرغم من أن الأولوية تكون للمضمون. والشكل يؤثر فى المضمون Form Reacts On Content دون أن يكون سببا له"(67).
وقد علق على هذا النص "ترى إيجلتون" قائلا: "إن هذا الفهم الديالكتيكى للعلاقة بين الشكل والمضمون، ينهض فى مواجهة موقفين متعارضين: أولهما موقف المدرسة الشكلية ( ويمثلها الشكلانيون الروس إبّان 1920) والتـى رأت أن المضمون مجرد وظيفة للشكل Fuction Of Form، وأن القصيدة لا تختار المضمون إلا لمجرد تأكيد وسائلها فى التكنيك. كما ينتقد هذا الموقف الماركسية الفجة Vulgar Masxism التى جعلت الشكل الفنى محض أداة خارجية مفروضة على المضمون المضطرب والقلق للتاريخ ذاته"(68).
فقد حلت العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون، محل العلاقة الشكلية ( التـى ترى الشكل هو الأساس وأن المضمون ليس إلا مجرد ناتج لهذا الشكل). أو العلاقة التى ترتكز على المحتوى، وترى أن الشكل مجرد حلية أو أداة أو وسيلة للتوصيل فحسب. وقد رأى "ليون تروتسكى - Leon Trotsky" أن "العلاقة بين الشكل والمضمون تتحدّد بواسطة أن الشكل الجديد يكتشف Is Discovered، ويظهر، ويتطور تحت ضغط الحاجة الداخلية لمطلب نفسى جماعى له - مثل أى شئ سواه - جذوره الاجتماعية"(69). فالتطورات الناجمة فى الشكل، ليست - فى رأيه - قادمة من الفراغ، بل هى "تنتج عن تغيرات ذات أهمية فى الأيديولوجيا، تجّسد طرقاً جديدة لفهم الواقع الاجتماعى وإدراكه، وعلاقات جديدة بين الفنان ( المبدع) وبين المتلقى"(70).

والشكل الأدبى - كما يؤكد "تروتسكى" يمتلك درجة عالية من الاستقلال، وهو يتطور جزئيا، بفعل ضرورات داخلية خاصة دون أن يهتز عندما تهب عليه رياح أيديولوجية ما. فالشكل هو دائما عبارة عن وحدة معقدة مـن عناصر ثلاثه على الأقل، أنه يتشكل - جزئياً - بواسطة التاريخ الأدبى المستقل نسبيا للأشكال Relativety Autonomous Literary History of Forms، ويتشكل من أنساق أيديولوجية سائدة، كما يمكن ملاحظة ذلك فى حالة الرواية، ويجّسد حالة معينة من العلاقات بين المؤلف والمتلقى والنقد الماركسى هو الذى يهتم بالوحدة الديالكتيكية بين هذه العناصر جميعا(71).
وإذا كان - وفقا للمفهوم الماركسى السائد - التجديد فى الشكل يرتبط ارتباطاً وثيقا بالتجديد فى المضمون، اعتماداً على أن الوسائل التى يتم بواسطتهـا التجديد فى الشكل ليست غاية فى حدّ ذاتها، وأن مصدر التجديد فى العنصـرين ( المضمـون والشكل ) هو الواقع نفسه، الذى يضع - على حد تعبير " يغوروف"(72). فى تطوره أمام الفنان أخلاقاً وصدامات جديدة تستلزم بطبيعـة الحال أشكالا جديدة فى التعبير. " فالمضمون والشكل مترابطان ترابطاً عضوياً حتى أننا حين نتكلم عن الشكل لا نستطيع أن نفصله عن المضمون إلا ذهنيا"(73). وقد أشار "بيلنيسكى" إلى هذا حين قال "حين يكون الشكل تعبيراً عن المضمون يكون مرتبطا به بحيث أن فصله عن المضمون معناه القضاء على هذا المضمون، وبالعكس، إن فصل المضمون عن الشكل معناه القضاء على الشكل ذاته"(74).

جورج لوكاش
لقد بدأ "لوكاش" هجيليا، وكان تأثير ذلك واضحاً فى آرائه المبكرة، ثم تحوّل إلى الماركسية، فكانت أراؤه وإسهاماته النقدية والنظرية ذات أثر بالغ فى الفكر الجمالى الماركسى.
لقد درس "جورج لوكاش" فى كتاباته المبكرة مشكلة الشكل الأدبى The Problem of Literary Form، وذلك قبل تحوّله إلى الماركسية، فى نظرية الرواية 1920, اتبع "لوكاش" طريقه "هيجل" فى دراسة الرواية بوصفها "ملحمة البورجوازية Bourgeois Epic"، ولكن ملحمة لا تشبه الملحمة الكلاسيكية، بل تكشف عن ضياع الإنسان وغربته فى المجتمع الحديث Modern Socitey"(75).
ففى تلك الفترة كان لوكاش يقع تحت تأثير "هيجل" وقد اعتقد لوكاش أن "العمـل الفنى Artistic Work هو عمل عقلى مدرك، يكون النصيب الأعظم للنشاط فيه للتشكيل الفنى، وتبدو نظرياته مفترضة أن الصورة Form فضلا على المحتوى Content لها المغزى الأعظم Greater Significance فى الفن لأنها ذات قيمة نهائية، والعنصر الذى يتصل مباشرة بالمتلقى"(76).
فقد كانت نظرية لوكاش فى المرحلة المبكرة تقترب من الشكلية أيضا، فقد جعل الصورة ذات مغزى. وأن التشكيل الفنى هو الأساس، وأن العلاقة بين الصورة والمحتوى علاقة تتغلب فيها الصورة، من ناحية المغزى أو القيمة.
فقد كان "التشكيل بمثابة عنصر حاسم، بينما العملية الجمالية للمحتوى ليسـت إلا مجرد إعداد، والتى لا تعنى إلا النذر اليسير فى ذاتها، لأن الإعداد لم ينته بعد، وجماليا لا تعنى شيئاً. هذه الحاجة إلى الاستقلال المفقودة (إعداد المحتوى من التشكيل)، لا تغير شيئا فى المحتوى الأولى Primary Content"(77). ولكن رغم ذلك، مع أن القيمة الفنية للعمل قد حدّدت بواسطة صورته "إلا أن إنجازها يكون مستحيلا بدون الإعداد الفنى للمحتوى"(78). فالعمل الفنى ينبثق - فى النهاية - من الحياة، وعلى هذا الأساس - يتقدم لوكاش خطوات بعيداً عن الهجيلية، فيرى أن المحتوى الأخلاقى الصارم للحيـاة يصبح مؤثرا جماليا لو أن العلاقة بين العالم الجمالى وعالم المستويات الأخلاقية قد أقيمت فى العمق، بكلمات أخرى، حتى أن المحتوى الأخلاقى ( البغيض) جدا، (الفعل، الشخصيـة) يمكن أن يكون موضوعا مناسباً للفن، إذا عولج بشكل ملائم"(79) وهكذا خطا لوكاش خطوات بعيدا عن الرؤية المثالية، وإن كان قوله بأهمية المحتوى، لا يزال يقع فى دائرة "الهيجيلية"، ولذا فإنه يخطو خطوة أخرى إلى الأمام حين يؤكد على أن الفن ليس مجسدا للصفات البشرية فحسب، بل يجعل الإنسان مركزه الأساسى. Not Only Anthropomorphic But Also Anthropocentric هذا يعنى أن البؤرة والمحتوى المركزى Central Content للفن هو الإنسان"(80).
لقد صار الإنسان هو جوهر العمل الفنى وبؤرته الرئيسية، وبناءً على ذلك ارتفع دور المحتوى إلى مركز أعلى، وصارت أهميته أكبر مما كانت عليه من ذى قبل. وصار السؤال الجوهرى ما هو الإنسان؟ فى رأى "لوكاش" هـو المحدد للصورة. لكى تكون "الصورة فى التحام مباشر بالمتلقى، وبالتالى يمكنها استثاره التأثير الجمالى. ولكن إذا كانت الصورة تفيض فى المحتوى Overflowed Into Content، وكانت ممتزجة معه امتزاجا تاما، ومتكاملة معه، وكانت - أى الصورة - مما لا يمكن إدراكه حسيًا أو عقليا ( كما أوضح ذلك "لوكاش") حينئذ فإن المتلقى أو المدرك سوف يتأثر فقط بـواسطة المحتوى.. المتلقى يعتقد أن ما يؤثر فيه هو المحتوى. أى أن ما هو جوهرى فى تحديد التأثير الجمالى هو المحتوى، وهذا التأثير، يكون مستحيلا بدون الوسيط الأساسى وهو الصورة الفنية"(81).
لقد رأى لوكاش أن الصورة هى العنصر الذى يتصل مباشرة بالمتلقى، ومع ذلك فإن كتاباته أيضا تشير إلى أهمية المحتوى الأولى، لأنه الأول فى سياق العمل الفنى، وهو المحدد لمادة العمل Determines The Sulotance Of The Work وهذا يؤكد أن موقف "لوكاش" - على حد تعبير كيراليفاليل Kiralyfalyl(82) كان غير جلىّ، ومتردّا فيما يتعلق بموضوع الصورة والمحتوى.
لقد رأى "لوكاش" أن تعريف الصورة يجب أن يحتوى على تعريف المحتوى كجزء عضوى. أى أن الصورة الفنية هى بمثابة صورة نوعية فريدة لمحتوى محدد، هذا المحتوى هو محتوى لعمل فنى خاص. ودلاليا، هذا يتضمـن أن كل عمل فنى متميزّ يمتلك صورته الخاصة ( المميزة) Particular Form، وهذا يتضمن أيضا أن الصورة لا تستطيع أن تجعل اللاشئ شيئاً، أو تحول المجرّد إلى متعيّن، ولكن فى امكانها أن تبدع الواقع الفنى ( الحقيقة الفنية) من الإمكانية المجردة وتستطيع أن تقوم بتغييرات كيفية فى اتجاه البنية الظاهرة للمحتوى(83).
ورغم تردد " لوكاش" الواضح، فإنه فى " معنى الواقعية المعاصرة" والذى كتبه "لوكاش" فى مرحلة متأخرة - عام 1957 يقول بشكل حاسم: " فهنا أريد أن أبرز فقط أن تأكيد الأمور الشكلية تأكيدا جامعاً مانعاً من الممكن أن يؤدى إلى سوء فهم خطير لطبيعة عمل الفنان"(84). وقد جاء ذلك فى إطار مقارنة بين " جيمس جويس" وبين " توماس مان". وكان " لوكاش" يرى أنه من " العبث أن نصف الاهتمام البالغ الذى يوليه "جويس" للتسجيل التفصيلى للحقائق الحسيـة، واهماله النسبى للأفكار والعواطف، بأنه فشل فنى، إذا أخـذنا فى الاعتبار تطلعاته الفنية، وقدراته الواضحة. فقد كان هذا متمشيا مع مقاصد جويس الفنية"(85).
ورغم تردّد " لوكاش" الواضح هنا، إلا أنه كان - فى معنى الواقعية المعاصرة - أكثر ميلا إلى الحسم، والاتجاه نحو تغليب المضمون (المحتوى) على الصـورة ( الشكل)، وذلك ارتكازاً على أن المحتوى، إنما هو تعبير عن الإنسان، والحياة.
"إن المضمون يحدد الشكل، وليس هناك من مضمون إلا وكان الإنسان ذاته نقطته البؤرية، ومهما تنوّعت معطيات الأدب ( سواء كانت تجربة معينة أو هدفا تعليميا) فالسؤال الأساسى هو، وسيظل: ما هو الإنسان"(86).
كما رأى "لوكاش" أن ما يهم هو "النظرة إلى العالم" أو العقائدية التى تكمـن تحت عمل الكاتب، ومحاولة الكاتب أن يعيد خلق هذه النظرة إلى العالم هى ما يشكل (قصده) وهى المبدأ التكوينى الذى يرتكز عليه اسلوب عمـل معين. وإذا نظرنا إلى الأسلوب بهذه الطريقة فإنه لا يصبح مجرد خانة شكلية. بل الأحرى أنه متأصل فى المضمون، فهو الشكل المحدد لمضمون محدد"(87).
وقد رأى "لوكاش" أن العلاقة بين الصورة والمحتوى - وذلك فى الفترة المتأخرة - كنوع من "الانعكاس الديالتيكى وأن أحدهما يكمل الآخر فى العمـل الفنى. بهذا المعنى كأنهما يكونان متساويين فى الأهمية ويكون تعريف أحدهما مستحيل بدون تعريف الآخر The Definition Of One Is Impossible Without Definition of The Other"(88).

وهنا ينتقل "لوكاش" من الموقف الذى يجعل المحتوى هو الأول، وهو المحدد للصورة، إلى العلاقة الديالتيكية بينهما، والتساوى فى الأهمية، وارتباط تعريف أحدهما بتعريف الآخر.
وقد رأى "تيرى ايجلتون": أن "مفاهيم "لوكاش" النقدية الأساسية Lukacc’s Major Critical Concepts، عن الشمولية والنمطية وتاريخية العالم، هى بالضرورة أقرب إلى الهيجيلية منها إلى الماركسية، بالرغم من أن ماركس وانجلز قد استخدما فكرة النمطية Typicallity فى نقدهما الأدبى"(89).
وقد أكد رأى "ايجلتون" - فى الروح الهيجلى لأفكار "لوكاش"، وتغابهـا على أفكاره الماركسية - أيضا "كيراليفيل Kiralyflyl. فقد رأى أن "لوكاش" فى اكثر تعريفاته لتحديد هذه العلاقة الجدلية، كان موافقا على وجهة نظر "هيجل" فى هذا الموضوع التى تقول بأن "المحتوى ليس إلا فيضان الصورة فى المحتوى، وأن المحتوى ليس إلا فيضان المحتوى فى الصورة. إن هذا يعنى أن اختيار المحتوى هو بمثابة عمل فنى. الصورة وحدها لا يمكن أن تؤدى إلى شئ ما جميل، والمحتوى (مهما اختير بعناية) لا يمكنه أن يقيم الفن إذا وصل إلى المتلقى مباشرة بدون الصورة الفنية"(90).
وإذا كان "لوكاش" فى موقفه من مشكلة العلاقة بين الشكل والمضمون والتى انتهى فيها إلى الرؤية الديالتيكية، الوثيقة الارتباط "بهيجل"، موضحا أن الصورة لا تقوم بدون المحتوى والعكس صحيح. وأن تجلّى أحدهما ليس إلا تجليّا أو فيضانا للآخر. وقد كان موقفه مذبذباً بين الانخلاع من الشكلية، والولوج إلى الماركسية - عبر "هيجل" - والعودة إليها مرّة آخـرى فإن تردده هذا كان واضحا أيضا فى موقفه من الاتجاهات الحديثة فى الأدب. فـرغم أنه - فى معنى الواقعية المعاصرة - فى بداية الكتاب - يحاول تبرير إهمال "جويس" النسبى للعواطف والأفكار (المحتوى) واهتمامه بطرائقه الفنية والشكلية، إلا أنه لم يلبث أن يرفض الشكلية، ويرفض الحركة الحديثة فى الأدب. فيـرى أنها " لا تؤدى إلى تحطيم الأشكال الأدبية التقليدية فحسب، بل تؤدى إلى هدم الأدب كأدب. وليس هذا صحيحا عن "جويس" فحسب، أو عن التعبيرية والسريالية. فلم يكن طموح "أندريه جيد"، على سبيل المثال، هو الذى أحدث الأسلوب الأدبى، بل كانت فلسفته هى التى أجبرته على التخلى عن الأشكال التقليدية"(91).
وهكذا يعود "لوكاش" مرة أخرى إلى أولوية المحتوى - أى فلسفة أندريه جيد، أو أيديولوجيته - وكون المحتوى هو السبب فى البحث عن أشكال جديدة وقد كان تبرير "لوكاش" فى رفضه لأدب الحداثة Modernist Literature" هو افتقارها إلى المحتوى"(92).
لقد كان موقف "لوكاش" المتردد من مشكلة الشكل والمحتوى واضحا، وإن كان يقول بديالكتيكية العلاقة بينهما إلا أنه فى الفترة المتأخرة - لم يلبـث أن يعود إلى القـول بأسبقية المحتوى وأولويته. وقد كان ذلك ناتجا عن ضيق دائرة الواقعية النقدية الذى يتبناه، وموقفه الصارم من ادب وفن اتجاه الحداثة، بكل ما حفل به من تجديدات فى الشكل، بل يمكن القول بانقلاب فى رؤية الشكل.

ارنست فيشر، ونظرية البللورات
لقد رأى "فيشر" أن مشكلة الشكل والمضمون من المشكلات التى طرحت منذ عهد "أرسطو"، - منذ ذلك الحين عبر الفلاسفة والفنانون عن رأيهم القائل بأن الشكل هو الجانب الجوهرى فى الفن، الجانب الأعلى، الجـانب الروحى، وأن المضمون هو الجانب الثانوى، الناقص، الذى لم يتوفر له من النقـاء ما يجعله كاملا. كما رأوا أن كل سعى نحو الكمال إنما يأتى من خلال الشكل. وبهذا يتطابق السبب الشكلى مع السبب الغائى. فالشكل يسعى إلى هدف، إلى غاية، وهو المصدر الأصلى للكمال. وبذلك يصبح الشكل مطابقا لجوهر الأشياء فى حين تنزل المادة إلى منزلة ثانوية ضئيلة القيمة(93).
ولكن على الجانب الآخر يرى "فيشر" أن "للأشكال الفنية" اتجاها محافظاً بوجه عام. وأنها تقاوم التغيير باستمرار"(94). وهذا يجعل التغيير يتجه اتجاها مباشرا للمضمون، فهو الأكثر حيوية، وقدرة على تقبل التغيير بشكل أسرع.

يقــول فيــشر:
"ان الأشكال ما إن تستقر وتختبر، وتنتقل من جيل إلى جيل، ويصدق عليهـا بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، حتى يصبح لها طبيعة محافظة مغرقة فى المحافظة وحتى بعد أن ينسى المغزى السحرى الذى نشأت منه فى البداية فى أغلب الأحوال، يبقى الناس متشبثين بها يغلبهم إزاءها التوقير والاحترام. ومازالـت كافة أشكال الكلمة والرقص والتصوير وغيرها مما كان له فى يوم من الأيـام مغزى سحرى واجتماعى، مازالت باقيه فى فنون المجتمعات المتقدمة المتطورة. فالقانون السحرى لا يتراجع إلا بالتدريج وببطء شديد ليتحول إلى قانون جمالى. وكان لابد من قانون اجتماعى جديد حتى يمكن تحطيم الأشكال القديمـة، من ناحية وتعديلها من ناحية أخرى، وحتى تظهر إلى الوجود أشكال جديدة"(95).

إن التغير فى المجتمع هو الذى يؤدى إلى التغير فى الشكل سواء بتعديله أو تحطيمه، ويأتى ذلك عبر التغير فى المضمون الخاص بالعمل الفنى. وهنا يحاول "فيشر" الرد على الاتجاهات المحافظة فى الفن والتى ارتكزت على قوة الشكل، سواء فى تحديد نوعية العمل الفنى وصفته، أو استناداً إلى استقراره النسبى، وجعله هو الأساس فى العمل. وإذا كانوا قدر رأوا نزوع الكائنات إلى الكمال، وأن الكمال هو كمال الشكل، فإنه يرد بنظـريته عن البلورات - (حيث يرى تضافر المضمون (المحتوى) مع الشكل (الصورة) إلى أقصى حد للوصول إلى وحدة لا تنفصم) - على هذه الاتجاهات.

يكتب ارنست فيشر:
"من المعتقد أن البلورات هى اكثر الأشكال كمالا فى الطبيعة غير العضوية بأسرها. وإذا نظرنا إلى تلك التكوينات ذات التركيب الرائع والضياء المشعّ وتأملنا انتظامها المذهل وجمالها الأخاذ، يمكن أن نتصور فعلاً أن المادة غير العضوية تحولت فيها إلى كيان روحى، وذلك باكتسابها كمالا لا شائية فيـه. وقد يتّجه المشاهد الساذج ذو العقلية غير العلمية إلى اعتبارها أعمالا فنية أنتجتها الطبيعة الخلاقة أو صنعتها قوة خالقه مقدسة"(96).
ويوضح "فيشر" كيف يرى أنصار المدرسة الحديثة أن البلورات هى تجسيد للرياضيات وأن التركيب الداخلى للذرة ليس بذى أهمية للبلورة، وأن السيمتـرية ( التمـاثل) لا ترجع إلى خواص الذرات التى تتشكل البلورة منها بل إلى شبكة بللورية ميتافيزيقية تتجاوز المادة، وأنها تمثل مبدأ النظام الذى يحدد الأشكال، وأن الشكل يوجد فى البللورة كفكرة، كرغبة فى بلوغ الكمال(97).

وهنا يتساءل فيشر:
هل حقا تخضع الطبيعة لمبدأ أو توقراطى يحدد الأشكال؟ وهل حقا يصنع الشكل البللورة؟ أم أن الشكل البللورى تحدّده ذرات المادة ذات الخواص المحددة؟.
وبعد أن يستفيض "فيشر" فى الشرح والتوضيح يصل إلى أن "المادة تتحوّل فى ظروف خاصة من حالة مرتبة إلى حالة غير مرتبة والعكس صحيح. بل هناك أوضاع ليست روحية بأى حال وإنما هى مادية تماماً، تغير فيها الذرات حالتها وترتيبها. وتحدث هذه التغيرات، التى تمهّد لها عملية تدريجيـة، بصورة مفاجئة: فتتحول جزئيات المادة من حالة الفوضى إلى حالة النظام"(98). ويصل فى النهاية إلى أن البللورة غير مستقرة وغير نهائية، وليسـت خاضعة لمبدأ ميتافيزيقى ويضرب مثلا بغاز ثانى أكسيد الكـربونCo2. إذْ يقرر أنه يمكننا أن نشهد بوضوح عمليات التحول من المادة غير المتبلورة إلى المادة المتبلورة والعكس أيضا. فهذا الغاز يتبلور فى درجة حرارة منحفضة، أى يمكن أن يقال: إنها تبقى مهيأة للتخلّى عن حالة النظام التى تجد نفسها فيها. وفى حالة وجود مزيج مؤلف من الأيدروجين بأربعة ذرات وذرة من الكربون، تتخذ ذرات الأيدروجين أوضاعاً معينة فى درجة الحرارة التى تقل عن 18° مئوية (64.4° فهر نهايت) ولكنها تستمر فى الذبذبة بلا توقف. فإذا تجاوزت درجة الحرارة (22.8° ) مئوية (73° ) فهرنهايت أسرعت ذرات الأيدروجين فى حركتها الدائرية مؤدية بذلك إلى اضطراب متزايد فى نظام الشبكة البللورية، ينتهى آخر الأمر بانهياره"(99).

كما يقرر أيضاً "أن الطبيعة لا تخضع لقوانين كمية متجهة، بل العكس، فالكميات المتجهة هى تعبير عن علاقات طبيعية"(100).

لقد جاءت الرياضيات لتحسب كافة أشكال التماثل الممكنة فى الطبيعة، وكان ذلك بعد أن أنتجت الطبيعة تلك الأشكال، فهى صاحبة المكانة الأولى - لا الرياضيات. أى أن وجود المادة أسبق من الوعى بها، على عكس ما ترى الاتجاهات المثالية.
إن البللورات، بشكلها البديع لم تكن إلا تجسيدا لمضمون محدد، كما يمكننا القول بأن، اختلاف البللورات فى الشكل، ليس إلا تعبيرا عن الاختلاف فى المادة، إذا وضعنا نصب أعيننا قانون ثبات (المادة - الطاقة) ذلك الذى يحدد مكان الذرة، وبالتالى شكل البللورة. إذ تتطلب كل "ذرة قدراً معيّناً من الفراغ، وهو يتوقف على ما تملك من طاقة"(101).
ويمكننا أن نضرب مثلا تتجسد فيه الوحدة الدقيقة بين الشكل والمضمون أو الحد الذى تكون فيه البللورات تعبيرا دقيقاً عن المحتوى (المضمون). فإذا أخذنا - على سبيل المثال - الجلوكوز، والفركتوز وهما نوعين من السكر الأحادى يختلفان فى موضع إحدى الروابط، حيث تكون فى الجلوكوز مجموعة (الداهايد) فى الموضع الذى توجد فيه فى الفركتور مجموعـة (أو كتان). وإذا نحن أجرينا جميع التجارب الكيميائية العادية لا نجد خلافاً فى النتائج، ولا نصل إلى التفرقة بينهما إلا عن طريق البللورات بفحصها تحت الميكروسكوب. حينئذ نستطيع الوصول إلى الفيصل.
وهذا دليل على أن الشكل صار تعبيراً عن المضمون، بل أصبح (الشكل - المضمون) كلا لا يتجزأ.
ويرى "فيشر" أن الزخارف فى الفن تمثل البللورات، وإن كان دعاة الميتافيزيقا - على حد تعبيره - قد فسّروا (السيمترية) أو التماثل بالنزوع نحو الشكل. بيد أن ما نجده فى البللورات حقاً، ليس شيئا مثاليا، ولا (نزوعا غامضاً)، بل اتجاها نحو تحقيق الحد الأقصى من التوازن والمحافظة على الطاقة(102).
لقد تجلّت العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون بوضوح فى البللورات. وإن كان الشكل بمثابة تعبير عن الاستقرار النسبى، فإن المضمون هو مثال الحركة والتغير.
أن التناقض قائم إذن بين الشكل المحافظ والمضمون (الثورى) أو المتغير، والتفجير المستمر للشكل الذى يمارسه المضمون. وهو يؤكد - رغم جدلية العلاقة بين الشكل والمضمون، وتعبير الشكل الدقيق عن المضمون المتصل به اتصالاً وثيقا، وعدم انفصامه، أو التعبير عما يسمى (الشكل - المضمون) - يؤكد على أولوية المضمون، ويضرب مثلا بالكائنات الحية، التى "إذا أعطينـا ها مضمونا جديداً (تغير الغذاء - التهجين..) فإن شكلها سوف يتغير أيضا"(103).
وهكذا نرى أن "فيشر" يؤكد على العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون، مع أولوية المضمون الذى يتغير تبعا لتغير الواقع الاجتماعى والظروف الأخرى ذات التأثير فيه، فى حين يكون ثبات الشكل أكثر نسبيا، وذلك لحاجته إلى التكيف وفقا للمضمون الجديد، بل إنه فى بعض الأحيان تصبّ المضامين الجديدة فى قوالب قديمة.

* * * *

مع أن الموقف الجدلى هو أساس العلاقة بين الشكل والمحتوى فى الماركسية - بشكل عام - إلا أن هذا لم يمنع أنصار الماركسية الفجة Vulgar Marxism من أن يجعلوا الشكل مجرد وسيلة خارجية مفروضة على المضمون القلـق، والمتوتر للتاريخ نفسه، ويضرب "تيرى ايجلتون" مثلا بـ (كريستوفر كودويل Christopher Caudwell فى كتابه دراسات فى ثقافة تموت 1938 Studies In A Dying Cultue 1938. إذ كان "كودويل" يفكر فى الوجود الاجتمـاعى (المضمون) بوصفه شيئا لا شكل (صورة) له بالضرورة. وذلك نوع من التفكير يفتقد الإدراك الجدلى للعلاقة بين الشكل والمحتوى. وما لم يره (كودويل) - فى رأى "ايجلتون" - هو أن الشكل لا يتعامل مع المحتوى من حيـث هو مادة خام، بل الأمر خلاف ذلك. فالمضمون سواء كان اجتماعيا أو أدبيا يمثل مشكلة لها بنيتها الدالة فى الفكر الماركسى. أما نظرة "كودويل" فهى لا تختلف عن النظرة البورجوازية المألوفة فى هذا الجانب، بل إنه لا يطرح سوى مجرد تنويع على هذه النظرة التى رأت أن الفن ينظم (هيولى) الواقع. (ترى ما الدلالة الأيديولوجية للواقع بوصفه هيولى؟) ولذلك نرى (فردريك جيسمون) يتحدث عن المنطق الداخلى للمضمون، ذلك المنطق الذى تنتج عنه الأشكال الاجتماعية والأدبية (104).
وبهذا نجد أن "ايجلتون"، الماركسى المعاصر، قد انتقد بشدة الآراء الماركسية التى كانت تتسم بالفجاجة والميكانيكية، والتى تجعل الشكل مجرد حلية، أو ثيابا خارجيا للمضمون. وفى نفس الوقت أكد على رؤية "فردريك جيمسون" التى تنطلق من مفهوم المنطق الداخلى للمضمون كأساس للفهم الجدلى للعلاقة بينه وبين الشكل.
أما "هنرى لوفافر" فإنه فى إطار طرحه لتصوره عن العلاقة بين الشكل والمحتوى، فإنه ينتقد بشدة أولئك الذين يفصلون بينهما، ويرونهما فى صورة تجريدية. فهم يرون "أن المحتوى، أو قوام الأثر الفنى يتعين فى نظـرهم على نحو أيديولوجى صرف، بالموضوعات المطروحة المنظور إليها من ناحية تجريدية. وكذلك الشكل يتحدّد تجريديا، بالنوع (مأساة، ملهاة..الخ) وبقواعد النوع. وهكذا يلوح المحتوى مصبوبا فى الشكل"(105).
ويرى "لوفافر" إن هذا ليس إلا عودة إلى جماليات (كانط Kant) الذى كان يرى - فى رأى لوفافر- "أن المحتوى المحسوس يدخل بطريقة لا نعلمها فى شكل قادم من منطقة أخرى من مناطق الوعى: فى وحدة مثالية ناتجة عن الفعل الصرف"(106). وأما بالنسبة له - أى للوفافر - فإنه ينطلق من وحدة الشكل والمحتوى الجوهرية، مع أولية المحتوى الذى يحدّد الشكل، دون أن يكون لهذا الوضع طابع آلى جبرى. والشكل الجمالى ليس إلا شكل الوعى الذى سوف يلتقط على النحو الأكثر حسية، الاتجاهات الجوهرية للمحتوى ويحققهـا فى شئ، هو الأثر الفنى، الأغنى، والأكثر تضمنا للدلالة من أى شئ وآخر(107).
وتأكيدا على أهمية الربط بين الشكل والمحتوى يقول "لوفافر": على الشاعر أن يعتبر الكلمات بمثابة حقائق واقعية، بمثابة مادة لفظية، وحقيقة موسيقية، أو موسيقى متخيلة محسوسة فى الأذن. إن كل قصيدة هى غناء، ولكن ما إن يعزل الشاعر الكلمات كى يعتبرها حقائق مستقلة قائمة بذاتها، حتـى يميل نحو النزعة الشكلية…. وتعريف مالارميه Mallarme للقصيدة بأنها تتألف من الكلمات (وليس من أفكار وعواطف)، ليس إلا نصف الحقيقة، ولكـن من الناحية المقابلة إذا نسى الشاعر أنه يعمل فى مادة من الكلمات، إذا نسى أن عليه الحصول على نغم وجرس وتساوق موسيقى، أو بنيه موسيقية، إذا لم ير إلا أشياء وعواطف. فإنه يسير نحو النزعة الطبيعية Naturalism التى يضيع فيها الشعر أيضا(108).

إن الاهتمام المبالغ فيه بالشكل يفقد العمل الفنى قيمته، وأهميته، كما أن الرأى الذى يرى أن العمل الفنى ليس سوى ( محتوى) يحوّل الجمال إلى مقولات فارغة. فالطبيعى هو أن يتم اتساق بين العنصرين.
"إن الواقعية لا تدرك بالمحتوى وحده، وبمعارضة المحتوى بالشكل، والموضوع بالصياغة، والملموس بالمجرد، وإنما تدرك الواقعية بتخطى هذا التعارض. يعنى بتفهمنا، مجدّدا الديالكتيكية الداخلية لكل فن ولكل أثر فنى: الفارق والوحدة بين المحتوى والشكل، مع اولية المحتوى"(109).
وهكذا يؤكد "لوفافر" على دياكلتيكية العلاقة - شأنه فى ذلك شأن ارنست فيشر، ولكنه فى نفس الوقت - كـ "فيشر" - يؤكد على أولية المحتوى، وهذا ما اعترض عليه "ايجلتون" - سابقا عندما ضرب مثلا بـ (كريستوفر كودويل ).
أما " يغوروف" فقد رأى أن "الشكل فى الفن كما فى أى شئ آخر، لا يوجد معزولاً عن المضمون. بل إن الشكل والمضمون فى الفن متلا زمان بحيث يشكلان وحدة، (أو تطابق الأضداد) (110).
فالكمال الجمالى للمؤلفات الفنية غير معقول خارج الوحدة العضوية بين الشكل والمحتوى. فتكامل العمل الفنى وتمامه يفترضان انسجام أو (توازن) كل عناصره. كما أن وحدة المؤلف الفنى لا توجد خارج الصور الفنية. والشكل ينهض على أساس مضمون معين، ولكنه بالضرورة، ليس شيئاً خارجياً بالنسبة لهذا المضمون(111).
ولقد كانت العلاقة الدياكلتيكية بين الشكل والمحتوى حجر الأساس فى القوانين العامة لتطور الفنون. والتنظيم الداخلى للفنون والانعكاس الجمالى على ذهن المتلقى. "فى هذا الاتجاه فإن العلاقات الداخلية بين المحتوى والشكل (الصورة) تظهر كل التناقضات فى عملية الإبداع الفنى، وقولبة الشخصية الفنية، وتشكيل الحركات والمدارس الفنية، التى تناسب التطوّر اللاحق، وفى الوقت نفسه تتضمن هذا الاستقلال النسبى للتطور الداخلى فى أوسع نطاق اجتماعى ثـقافى"(112).
أن العلاقة بين الشكل والمحتوى، لا تكون ممكنة الدراسة، بفصل المحتوى عن الشكل، بل بالكشف عن العلاقات الداخلية بينهما فى إطار العمل الفنى ككل، والطبيعة الديابلكتيكية لهذه العلاقة لا يمكن التفكير فيها بدون عمل فنى قائم فى مادة محددة، وبدون إبداع صورة ( شكل) Form متحققة جماليا وتتوجه نحو التعبير عن المحتوى The Expression Of Its Content. و"دراسة الرابطة فى الفن بين أجزائه تظهر الكثافة العضوية للمعانى المجازية، وتؤكد الانسجام بين مكوناته Harmony Of Its Component، فى حين أن ديالكتيك المحتوى والصورة يبرهن بوضوح على، ليس التوافق فى مجالاتها المختلفة فحسب، بل أيضا يبرهن على التوتر الداخلى، والتعارضات، والتناقضات التى تبقى ككل فى الانسجام النسبى. مع أن العلاقات الداخلية بين الصورة (الشكل) والمحتوى يمكن أن تدرك، الصعوبة، الانسجام المعقد Complex Harmany للصـراع، والتناقض. والمحتوى يتضمن مجالات المعنى الانفعالى والمجـازى والأيديولوجى والجمالى والمتقين والمحسوس للفن مترابطة بشكل منتظم ومتكامل. هذه هى وحدة مكونات ( عناصر) الأساس المجازى العقلى والرابطة بينهما"(113).
ان العلاقة اذن ليست علاقة ميكانيكية بسيطة، بل هى علاقة معقدة، تتداخل فيها عناصر الشكل مع عناصر المضمون، ويتحول فيها الشكل إلى مضمون - تعبير عنه - وكذلك يتحول المضمون إلى قاعدة للشكل.

"فى الأدب الماركسى يقام تمييز بين التصوّرات الفلسفية العامة، والتصورات المعرفية المنطقية للصورة. فى الأول، فى التفسير الفلسفى العام، تفسر الصورة على أنها تنوع المحتوى، شكله أو نمط وجوده Its Mode Of Existence، محددة بمجالات معيّنة. والمحتوى فى هذا التفسير يُرى كشئ وثابت نسبيا، سمة للموضوع لا تتغير، والصورة على أنها هى المتغيرة او المتنـوعة. تطبيقاً على الفن ككل. يمكننا القول بأن محتواه متضمن فى صور متعددة ومتنوعة.. الصورة تُرى فى التحام مع المحتوى لموضوع فنى، أو عملية فنية"(114)…
هذا الالتحام، أو الانغمار للمحتوى فى الصورة، وللصورة فى المحتوى، إنما يقوم على أساس ديالكتيكية العلاقة بينهما، والتى يؤثر فيها أحدهما فى الآخر، ويتأثر به، دون أن يكون لأى عنصر منهما دوراً ايجابيا مبالغا فيه، فى نفس الوقت ينحدر الآخر إلى السلبية.
وإذا كانت نظرية الانعكاس اللينينية تقدم الأسس الضرورية لفهم العلاقة الديالكتيكية بين المحتوى والصورة (الشكل) فى الفن. فإن الفارق بينهما - أى نظرية الانعكاس اللينينية - وبين علم الجمال المثالى Idialist Aesthetics، يمكن أن يتضح فى فهم الشخصية، ومصدر فكرة المحتوى فى العمل الفنى. هذا المحتوى ليس وحياً سماويا أو فكرة مطلقة Absolute Iaea، أو إرادة العالم World Will، ولا يمكن أن يخترل فى التعبير عن أفكار ومشاعر المؤلف، ولا انطباع عن عالمه الداخلى. المحتوى منغمس فى الصورة. وبعيداً عن الصورة لا يمكن أن يكون له أى وجود، إنه يتحدد بواسطتها ويحـوّل الصورة كانعكاس للحياة. بالطبع الصورة الفنية لا تعكس هـى بذاتها الحياة، ولكن يتم ذلك فى الارتباط بينها وبين المحتوى.. المحتوى والصـورة معا يعكسان الحياة، وبهذا فحسب، وبسبب ذلك فانهما يكونان شيئا واحدا(115).
وهكذا نجد أن التيارات الماركسية مع تباينها، قد رأت أن العلاقة بين الشكـل والمضمون علاقة جدلية، وأن الشكل والمضمون يتضمن أحدهما الآخر، وإن كانت هناك بعض العبارات التى مازالت عالقة فى الأذهان من تاثيرات الأفكار الحزبية الجافة، أو مادعاه "إيجلتون" بالماركسية الفجة، التى ترى المضمون يعلو الشكل.
وفى إطار نقد الماركسية، يرى "هربرت ماركيوز" أن الجمالية الماركسية رفضت "رفضا قاطعا فكرة الجمال، ووصمتها بأنها المفهوم الأساسى فى "الجمالية البورجوازية" ويبدو عسيراً بالفعل ربط هذا المفهوم بالفن الثورى. فالكلام عن الجمال يمكن أن يظهر، حيال مقتضيات الكفاح السياسى لامسئولا، بل ضرباً من حبَّ النظاهر"(116).
أن هذا النقد قد ينصبّ بشكل مباشر على الآراء الشائعة فى الماركسية، أو الاتجاهات التى كانت تعبر بشكل مباشر عن التوجه الحزبى، ودور الحزب السياسى.
و "ماركيوز" هنا بمعارضته للجمالية الماركسية، إنما يحاول أن يعيد أو يؤسس جمالية مختلفة، لا تضع المضمون ( الذى ينبع من الواقع الاجتماعى ويعبر عنه) فى مركز العمل الفنى. ويحاول أن يجعل وظيفة العمل الفنى تقوم على الشكل الجمالى أكثر من نهوضها على أساس من المضمون.

يقول "ماركيوز"
"إن وظيفة الفن النقدية، مساهمته فى النضال فى سبيل التحرر، تكمن فى الشكل الجمالى، فالعمل الفنى لا يكون أصيلا أو حقيقيا بحكم ( مضمونه) - أى بحكم اشتماله على تمثيل صحيح للشروط الاجتماعية) - ولا بحكم شكله ( الخالص)، و إنما لأن المضمون صار شكلا"(117).
إنه ينفى الدور الذى يقوم به الفن من مجرد وضوح مضمونه، وتمثيله للواقع الاجتماعى - الاتجاه الذى تقول به الماركسية - ولا بشكله الخالص الذى تتبناه المدرسة الشكلية، أو البنيوية - فيما بعد - بل بكون المضمون صار شكلا، أى بكوْن العمل الفنى كان بمثابة وحدة بين الشكل والمضمون بحيث لا يمكن الفصل بينهما بأى حال.
ويؤكد نفس المعنى "ماركيور" أيضا حين يقول: بأن "الشكل الجمالى لا يناقض المضمون ولو جدليا، ففى العمل الفنى يغدو الشكل مضموناً والعكس بالعكس. ( يكون المرء فناناً متى أحس بما يدعوه اللاّفنانون الشكل وكأنه المضمون، كأنه الشئ فى ذاته. وبذلك ينتمى إلى عالم معكوس، لأن كل مضمون يبدو الآن شكليا صرفا- بما فيه حياتنا بالذات) (118).
ويبالغ "ماركيوز" فى نقده للماركسية، عندما يشير إلى أن الشكل هو الذى يحدّد هوية العمل الفنى. "فالمسرحية أو الرواية تغدو عملا أدبيا بمقتضى الشكل الذى (يتمثل) ويصعّد (المادة) وقد تكون هذه الأخيرة نقطة انطلاق التحـويل الجمالى) فمن الممكن أن تتحدّد بوضع طبقى، لكن هذه (المادة) تغدو متى ما عُرِّيت من مباشريتها، شيئاً مختلفاً كيفا، شيئاً يندرج فى عداد واقع آخر. وحتى إذا بقيت أجزاء من الواقع غير محولة ( وعلى سبيل المثال شواهد من خطاب لروبسبيـر) فإن مضمونها يتغير بفعل العمل بمجمله، بل إن معناها قد ينعكس"(119).

أن رؤية "ماركيوز" تحاول أن تجعل للشكل إليد الطولى فى العمل الفنى، بل وإن المضمـون الأساسى للعمل لا ينبع إلا من الشكل، فهو يرى أن العمل الفنى لا يمكن أن تكون له قيمة سياسية، إلا بوصفه عملا مستقلا بذاته، وأساسه هو الشكل الجمالى، كما يرى أن خواص الشكل تنفى خواص المجتمع القمعـى، خواص الحياة، والكدح والحب، المعمول بها فيه. فوحدة ما هـو جمالى، وما هو سياسى ليست وحدة مباشرة، وإن كانت هناك علاقات حميمة تجمع بينها. ويستشهد "ماركيوز" "بوالتر بنيامين" إذا يقول: "أن العمل الأدبى لا يمكن أن يكون صحيحا من وجهة النظر السياسية، إلا إذا كان صحيحا أيضا بموجب المعايير الأدبيه" ويرى أن فى ذلك تفنيد واضح للماركسية المبتذلة، لكنها لا تحلّ الإشكال المتضمن فى فكرة بنيامين عن (الصحة) الأدبية. أعنى مماهاته بين الصفة السياسية والصفة الأدبية فى مضمار الفن. وهذه المماهاة تتسق وتضبط ايقاع التوتر بين الشكل الأدبى والمضمون السياسى: بمعنى أن الشكل الأدبى الأمثل يتجاوز الاتجاه السياسى الصحيح، فوحدة الاتجاه والنوعية وحدة تناقضية"(120).
أن العلاقة بين الشكل والمحتوى، هنا قد وصلت إلى نهاية المطاف، ففى هذه الرؤية - لماركيوز - وعبر نقده للماركسية - كما قام بتعميم آراء ممثليها - تجعل العلاقة عكس ما رآه الماركسيون من رؤية جدلية، فى مركزها المضمون - فى أغلب الآراء - إذ يجعل المركز هنا للشكل الجمالى. والجدير بالذكر، أن التركيز على أن العمل الفنى لا يمكن أن ينهض دون (شكل) أمر لا جدال فيه، ذلك لأن العمل يقوم على العنصرين الشكل والمحتوى، ودون أحدهما لا يكون هناك ما يسمى بالعمل الفنى. وقد يكون أحـد العنصرين بارزاً فى أكثر من الآخر فى عمل فنى ما، أو فى نوع معين مـن الفنـون، غير أن هذا لا ينفى أهمية العنصر الآخر. والحقيقة التى لابد مـن ذكـرها، بعد هذا الجدال الطويل حول العلاقة بين العنصرين، إنما تكمن فى أن العنصرين على قدم المساواة، وأن الانسجام والاتّساق بينهما هو الذى يجعل العمل الفنى أكثر كمالا، وقدرة على التأثير الجمالى.
ونحن إذا ضربنا مثلا بالموسيقى - والتى يرى الشكليون أنها شكل خالص فيما يزعمون - فإننا نرى مع "بروليه" أن الأساس الأول للإبداع الموسيقى هو الاتحاد الذى لا ينفصم بين الإحساس والشكل. ولا قيمة للإحساس دون إمكانياته الشكلية، لا لأن هذه الإمكانيات تسمح لنا بتجاوز الإحساس البحت، ولكنها بالأحرى هى وحدها التى تسمح لنا بامتلاك الإحساس، أعنى بنائه. كما أن ثراء المضمون لا يكفى لإخفاء ما فى الشكل من عـوز، فليس لاكتشاف أى تآلف جديد، أو إثراء أيا كان شأنه للمادة اللحنيـة من قيمة إلا إذا فتحا المجال لإمكانيات شكلية جديدة. فلابد أن تنطوى التآلفات الجديدة فى ذاتها على الشكل الذى يبررها. والحوار بين الشكل و المضمون بيدو لنا على أنه ماهية عملية الإبداع نفسها (121).
ومن هنا يتضح أن العلاقة بين الشكل والمضمون ليست علاقة بسيطـة، بل هى علاقة جدلية يؤثر كل منهما فى الآخر، كما أنها تحتوى على العديد من التناقضات التى تنبع من تفاصيل العمل الفنى، وعناصره، وهى علاقة تجمع بين الاتساق والانسجام، وفى نفس الوقت تحمل تناقضات وتعارضات، كما تحمل وحدة بين متكاملين، وفى نفس الوقت متناقضين أو متعارضين. ولعل هذا هو الذى جعل الآراء تتشعب، ويتّسع مجالها، نتيجة للاهتمام بجانب دون الآخر، أو تغليب أحد الجوانب على الجوانب الأخرى.

ولكن التعامل مع العمل الفنى ككل (كوحدة تحمل العديد من التناقضات، وككون تمكن داخله الصراعات العديدة….الخ) هو الذى يوضح إلى حد كبير عملية العلاقة بين عناصر هذا العمل، خاصة الشكل، والمحتوى، بمالهما من تاريخ طويل، وبما يحملانه من تراث فى التفسير والدراسة.


هوامش الفصل الرابع

1) Croce, Bendetto: The Essence of Aesthetic, Translated by Douglas Ainslie, The Arden Library, 1978, PP: 36 & 37.
2) Ibid: P. 37.
3) Ibid: p. 38.
4) لوفافر، هنرى: فى علم الجمال - ترجمة محمد عيتانى - دار المعجم العربى - بيروت - ص ص 19 ، 20.
5) Kant, I.: Critique of Judgment, Tsanslated with Analytical Indexes by James Creed Meredith, Oxford University Press, London, 1978, P. 36.
6) Ibid: p. 32.
7) Trotsky, leon: Literature and Revolution, Russell and Russell, New York, 1957, p. 164.
8) Ibid: p.p. 164 & 165.
9) Ibid: p. 165.
10) Ibid: p. 164.
11) Ibid: p.p. 165 & 166.
12) إبراهيم ، زكريا: فلسفة الفن فى الفكر المعاصر - مكتبة مصر - القاهرة - د.ت ص 298.
13) نفس المصدر - ص 298.
14) محمود، أحمد حمدى: ما رواء الفن - الهيئة المصرية العامـة للكتاب - القاهرة 1993 - ص 54.
15) ابراهيم، زكريا: مشكلة الفن - مكتبة. مصر - القاهرة - د.ت. ص 40.
16) Read, H.: The Meaning of Art, A pelican Books, 19 64, p.p. 21 &
160.
عن المصدر السابق - ص 40.
17) See: Eaglton, Terry: Marxism and Literary Critisicm - Methuen & . Co LTD. London, 1983 - p. 20.
18) Trotsky, L.: Op. Cit, p. 163.
19) Ibud p. 163.
20) لوكاش، جورج: معنى الواقعية المعاصرة - ترجمة أمين العيوطى - دار المعارف - القاهرة - 1971 - ص 17.
21) نفس المصدر - ص 17.
22) هيجل، فردرديك: فن الموسيقى - ترجمة جورج طرابيشى - دار العـودة - الطبعة الأولى - بيروت - نوفمبر1980 - ص 32.
23) برا، جيرار: هيجل والفن - ترجمة منصور القاضى - المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع - الطبعة الأولى - بيروت - 1993 - ص 58.
24) أبو ملحم، على: فى الجمـاليات - نحو رؤية جديدة إلى فلسفة الفن - المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع - الطبعة الأولى - بيروت - 1990 - ص 199.
25) Kiralyflyl, B.: The Aesthetics of Gyö-;-rg Lukać-;-s - Princeton university Press, prinecton and London, 1975, p.p. 110, 111.
26) I bid: p. 112.
27) يغـوروف، أ.غ: المحتوى والشكل فى الفن - ضمن ( أسس علم الجمال الماركس اللينينى) - باشراف ( بيرستنيف، ف. ف) تعريب يوسف حلاق - تدقيق عدنان جاموس - (دار الفارابى - دار الجماهير) - الطبعة الثانية (بيروت - دمشق) 1978 - ص 39.
28) نفس المصدر - ص 39.
29) نفس المصدر - ص 40.
30) نفس المصدر - ص 48.
31) نفس المصدر - ص 48.
32) كيللى، ف، ح كوفالزون، م.: المادية التاريخية - عرّبه عن الروسية احمد داود، راجعه بدر الدين السباعى - دار الجماهير - دمشق - أيلول - 1970 - ص 534.
33) انظر مقدمة "جان فريفل لكتاب بليخانوف: الفن والتصور المادى للتاريخ - ترجمة جورج طرابيشى- دار الطليعة - بيروت - نوفمبر 1977 - ص 41.
34) Avanasyev, v,: Masxist Philosophy - Apopular Outline, Tranlated From the Russian by leo Lempert, Edited by the late George Hanna, Progress Pulilishers, 3 rd ed, Moscow 1968 - P 139.
35) فيشر، إرنست: ضرورة الفن - ترجمة اسعد حليم - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - 1971 - ص 187.
36- نفس المصدر- ص 188. وفى هذا النص يستشهد فيشر بنص للناقد السويسرى "كونراد فارنر".
37- نفس المصدر - ص 187.
38- نفس المصدر - 188.
39) Avanasyev,v.: Op. Cit , p. 139.
40) Eaglton, Terry: Op. Cit. P. 22.
41) I bid: p. 22.
42) أبو ملحم، على: مصدر سابق - ص 121.
34) Croce, B.: Op cit, p. 39.
44) محمود، أحمد حمدى: مصدر سابق - ص 52.
45) لافـريتسكى، أ.: فى سبيل الواقعية، ترجمة جميل نصيف - مراجعة حياة شرارة - عالم المعرفة - بيروت - د. ت - ص28.
46) نفس المصدر - ص 28.
47) بدوى، عبد الرحمن: فلسفة الجمال والفن عند هيجل - دار الشروق - القاهرة 1996 - ص 46.
48) هيجل، فردريك: الفن الرمزى الكلاسيكى - الرومانسى - ترجمة جورج طرابيشى - دار الطليعة - بيروت - ص 76.
49) نفس المصدر - ص 77.
50) ستيس، ولتر: فلسفة هيجل - مجلد (2) فلسفة الروح - ترجمة إمام عبد الفتاح إمام - دار التنوير- الطبعة الثالثة - بيروت - 1983 - ص 140.
51) جارودى، روجيه: فكر هيجل - ترجمة الياس مرقص - دار الحقيقة - الطبعة الثانية - بيروت - 1983 - ص 226.
52) هيجل، فردريك: الفن الرمزى - الكلاسيكى - الرومانسى - مصدر سابق - ص 107.
53) المصدر السابق - ص ص 189 ، 190.
54) نفس المصدر - ص 197.
55) انظر نفس المصدر - ص ص 205، 207.
56) ستيس، ولتر: مصدر سابق - ص 147.
57) بدوى، عبد الرحمن: مصدر سابق - ص 47.
58) نفس المصدر - ص 48.
59) ستيس، ولتر: مصدر سابق - ص 143.
60) هيجل، فردريك: الفن الرمزى - الكلاسيكى - الرومانسى ، مصدر سابق - ص ص 336 ، 337.
61) هيجل، فردريك: فن الموسيقى - ترجمة جورج طرابيشى - دار الطليعـة - الطبعة الأولى - بيروت - نوفمبر 1980 - ص 18.
62) نفس المصدر - ص 24.
63) نفس المصدر - ص 24.
64) ستيس، ولتر- مصدر سابق - ص 139.
65) نفس المصدر - ص 140.
66) Eaglton, Terry: Op. Cit. P. 21.
67) See, I bid: p. 23.
68) I bid: p. 23.
69) See, Ibid: p. 24.
70) I bid: p. 25.
71) See Ibid, p. 28.
72) يغوروف أ. غ: مصدر سابق - ص 54.
73) نفس المصدر ص 55.
74) بلينسكى، ف. غ: المؤلفات الكاملة - المجلد التاسع - ص 535
عن : المصدر السابق - ص 55.
75) Eaglton, Terry: Op cit, P. 27.
76) Kiralyfalyl, B.: Op. Cit. P. 103.
77) I bid.: P. 104.
78) I bid.: p. 104.
79) I bid: P. 105.
80) I bid: p. 109.
81) I bid: p. 110.
82) I bid: p. 103.
83) A Kulõ-;-nõ-;-sseg, mink esztélikai Kategoria, p. 227.
See I bid: p. 105.
84) لوكاش، جورج: معنى الواقعية المعاصرة - ترجمة امين العيوطى - دار المعارف بمصر - القاهرة - 1971 - ص 17.
85) نفس المصدر - ص 17.
86) نفس المصدر - ص 18.
87) نفس المصدر - ص 18.
88) Kiralyfalyl, Bela: Op. Cit. PP. 103 , 104.
89) Eaglton, Terry: op cit. P. p. 28 , 29.
90) Kiralyfalyl, Bela: Op. Cit. P. 104.
91) لوكاش، جورج: مصدر سابق - ص 56.
92) Kiralyfalyl, Bela: op. Cit. P. p. 110 , 111.
93) فيشر، ارنست: ضرورة الفن - مصدر سابق - ص ص 159 ، 160.
94) نفس المصدر - ص 219.
95) نفس المصدر - ص ص 217 ، 218.
96) نفس المصدر - ص 155.
97) نفس المصدر - ص ص 155 ، 156.
98) نفس المصدر - ص 156.
99) نفس المصدر - ص 158.
100) نفس المصدر - ص 160.
101) نفس المصدر - ص 160.
102) نفس المصدر - ص ص 162.
103) نفس المصدر - ص ص 166 ، 167.
104) Eaglton, t.: Op cit, p. 23.
105) لوفافر، هنرى: مصدر سابق - ص 113.
106) نفس المصدر - ص ص 113 ، 114.
ويـرى "كانط" بعد أن قسمّ الجمال إلى نوعين جمال حر، وجمال لاصق. الأول لا يفترض أى تصوّر لما يجب أن يكون عليه الشئ، والثانى يفترض هذا التصور، وكمال الشئ وفقا له. وفى الحكم على الجمـال الحر (أى وفقـا للشكل فقط) يكون حكم الذوق حكما محضا، فلا تفترض فكرة غاية ماتؤديها عناصر الشئ المعطى.
راجع: كنت، امانويل: فلسفة القانون والسياسة - تأليف عبد الرحمن بدوى - وكالة المطبوعات - الكويت - 1979 - ص ص 341 ، 342. وفى هذا الكتاب عرض لكتاب كانط "نقد ملكة الحكم" Critique of Judgement.
107) أنظر: لوفافر، هنرى: مصدر سابق - ص 114.
108) نفس المصدر - ص 125.
109) نفس المصدر - ص 130.
110) يغوروف، أ. غ : مصدر سابق - ص 65.
111) نفس المصدر - ص ص 62 ، 64 ، 65.
112) See: Volkova, E. A. : The Dialectics Of Content And Form,in (Marxist Leninist Aesthetics The And Arts The Asts, Translated From the Russian by Angus Roxburgh, Progress Publishers, Moscow, 1980 P. 282.
113) Ibid: p.p. 283 & 285.
114) I bid: p. 285.
115) Vanlov, v.v.: On Content And Form In Art As A Reflection of Life,in ( Marxist Leninist Aesthetics And The Arts) Translated From The Russian by Angus
Roxburgh, Progress Pullishers, Moscow, 1980,p .p 272 , 273.
والاشارة هنا بأن المحتوى ليس فكرة مطلقة Absolute Idea إلى رأى "هيجل" Hegel أما الاشارة إلى "إرادة العالم World Will"" فهى إشارة إلى "أرتورشوبنهاور". كمثالين للنظرة المثالية إلى الجمال.
116) ماركيوز، هربرت: البعد الجمالى - ترجمة جورج طرابيشى - دار العودة - الطبعة الأولى - بيروت - ديسمبر 1979 - ص 78.
117) نفس المصدر - ص 20.
118) نيتشه، فردريك: إرادة القوة - شتوتغارت، كرونر - 1930 المجلد (1) ، ص 338. عن المصدر السابق - ص 55.
119) نفس المصدر - ص 55 - ويشير هنا إلى : فتفوغل، ك. أ: فى الانعطاف إلى اليسار - السنه الثانية العدد (2) برلين - تشرين الثانى - 1920 - طبعة جديدة 1970 - ص 9 - مقتبساً.
النص الذى يحدد نوعية العمل الأولى (مسرحية أو رواية ).
120) ماركيوز، هربرت: مصدر سابق - ص ص 66، 67.
والافنيـاس الذى أحال إليه من والتربنيامين جاء من: الكاتب كمنتج، فى الماركسية والأدب - فى مجلة الأدب - المجلد (2) - راينبك، روفولت - 1974 - ص 264.
121) انظر: بروليه، جيزيل: جماليات الإبداع الموسيقى - ترجمة فؤاد كامل، مكتبة غريب - القاهرة - 1970 - ص ص 35 - 40.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى