ويستن هيو أودن - الأول من سبتمبر 1939*

أجلسُ في إحدَى الحانَاتِ الرّخيصَةِ
في الشّارعِ الثاني والخمسين
مُرتبِكاً وخائِفاً
فيما الأماني الجميلةُ تلفظُ أنْفاسَها
في هذا العِقدِ الحقيرِ الكئيبِ من السنوات..
أمواجٌ من الغضبِ والخوفِ تغطّي الفرح
وتطغى بظُلمتِها على مساحاتِ الأرض
مُقلِقةً حياتَنا السريّةَ,
فيما نفحةُ الموتِ البغيضةِ
تنتهِكُ ليلَ سبتمبر.
***
بإمكانِ الدّارسِ المدقِّقِ
اكتشافُ الجريمةِ كلِّها
منذ "لوثر" حتى يومِنا هذا
ذاك الذي قادَ الثقافةَ نحو الجنون.
انظر ماذا حدثَ في "لِينز",
أيُّ صنيعةٍ يافعةٍ هائلةٍ
ذلك الربُّ السَيكوباتيّ:
نعلم أنا والناس
كل ما يتعلّمُه أطفالُ المدارس,
إنَّ أولئكَ الذين يُمارَسُ عليهِم الشرُّ
سيفعلونَ الشرَّ بالمقابل..
***
لقد عرَفَ "ثوسيديدز" المنفيُّ
كلَّ ما يمكنُ أنْ يقولَهُ
خِطابٌ ما عن الديموقراطية
عرَفَ ماذا يفعلُ الديكتاتوريون
أولئكَ العجائزُ حثالةُ الناسِ
الذين يتحدثون إلى قبرٍ باردٍ,
لقد حلَّلَ كلَّ هذا في كتابِهِ:
التنويرَ الذي سيق بعيداً إلى غيرِ رجعةٍ
الألمَ الذي أدمَنَّاه
الإخفاقَ وسوءَ التدبير:
كل هذا يجب أنْ نعانِيهِ مرّةً أخرى.
***
في هذا الهواءِ الحِياديِّ
حيثُ ناطحاتُ السحابِ العمياءُ تستخدمُ
كاملَ ارتفاعاتِها كي تنادي
بقوّةِ الرجالِ المتَّحِدِين,
وبكلِّ لغةٍ تتدفّقُ بعجرفتِها
وبازدحامِ الأعذار:
من الذي يستطيعُ العيشَ طويلاً
في حلمٍ سعيد!
وهما يحدّقانِ خارجَ المرايا:
وجهُ الإمبريالية
والخلَلُ العالميّ..
***
الوجوهُ على امتدادِ البارِ
ملتصِقَةٌ بأيّامِها العاديّةِ:
الأضواءُ يجبُ ألاّ تنْطفئ
الموسيقى يجبُ أنْ تبقى دائماً
إن كلَّ المعاهداتِ تتآمرُ
لجعلِ هذا المَعقِلَ مُتخَيَّلاً بأثاثِ الوطن
مخافةَ أنْ نرى أينَ نحن
-كما يجبُ أنْ نفعل-
نحنُ الضائعونَ في غابةٍ مسكونةٍ بالجِنِّ
نحنُ الأطفالُ الخائفونَ من الليل
الذينَ لم يكونوا يوماً سعداءَ أو بصحةٍ جيّدةٍ.
***
المقاتلونَ همُ القمامةُ المعرَّضَةُ للريح
والأشخاصُ المُهِمُّون يصرخون.
ألم يكنْ بسيطاً جداً كأمنياتِنا
ما كتَبَهُ "نيجينسكي" المجنونُ
حولَ "دياغيلف"
كان صحيحاً بالنسبةِ للقلوبِ الطبيعيّةِ
أنَّ الخلَلَ يتناسَلُ في عِظامِ
كلِّ رجُلٍ وكلِّ إمرأة
وأنَّ القبورَ لا يمكنُها أنْ تحتوِيه,
ما مِنْ عشقٍ كونيٍّ
ما لمْ يكُنْ عِشقاً وحيداً.
***
من الظلامِ المُحافظِ
إلى الحياةِ الأخلاقيَّةِ
يأتي قادَةُ التغييرِ البُلَهاء,
مُكرِّرِينَ عهودَهم الصباحيّةَ,
" سأبقى مخلصاً للزوجة,
سأركّزُ على عمَلي أكثر..",
هؤلاء الحكّامُ العاجزونَ يسهرون
ليستأنفوا لُعبَتَهم مُجبَرينَ عليها..
من يستطيع أن يحرّرَهم الآن,
من يستطيع إسماعَ الأصَمّ,
من يستطيع التحدّثَ إلى الغبيّ؟
***
كلُّ ما أملكه هو الصوت
لأفكِّكَ الكِذْبةَ المعقودَةَ,
الكِذبةَ الرومانطيقيّة
في عقلِ الرجُل الشهوانيّ في الشارع
وكِذبةَ السُّلْطة
وكِذبة الأبنيةِ وهي تتلمَّسُ طريقَها إلى السماء:
ليس ثمّةَ شيءٌ يماثلُ الدولةَ
وليس هنالك مِنْ كائنٍ يعيشُ وحيداً,
فالجوعُ لا يتركُ خياراً آخرَ
للمواطنِ أو لرجُلِ الشرطة,
فلْيُحِبّ أحدُنا الآخرَ أو فلْيَمُتْ.


الإقتتالُ تحتَ جنح الظلام
والأكاذيبُ الباعثةُ على الخَدَرِ في عالمِنَا هذا,
ما تزالُ تومضُ في كلِّ مكان.
فيما النِّقاطُ القويّةُ للضوء
التي تومِضُ حيثُ يكونُ العَدل
تُبدِّلُ رسَائِلَهُمْ:
ترى هل أقدِرُ أن أكونَ مثلَ هذهِ الرسائل
مكتُوباً بالشّهْوةِ والغُبَار
مُحاصَراً بذاتِ الإنكار
وبذاتِ اليأس,
إنّما,
مُشتَعِلاً بالّلهَبِ الأكِيد..

ــــــــــــــــ

* نشرت القصيدة سنة 1940.
** نشرت في ملحق السفير الثقافي 18 نيسان 2008
  • Like
التفاعلات: مليكة ابابوس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى