جعفر الديري - هيا آل خليفة: العدوية والآبلية لقاء التصوف في ما وراء الحدود

كتب جعفر الديري

قالت المحامية والدبلوماسية البحرينية هيا بنت راشد آل خليفة ان لقاء التصوف بين رابعة العدوية وتريزا الآبلية هو حوار إنساني بين الثقافات والأديان في ما وراء الحدود الجغرافية وما وراء الأزمنة وفيما وراء اللقاء بين شخصيتين نادرتين قربت بينهما التجربة الانسانية.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقتها هيا آل خليفة مساء الاثنين 13 فبراير/ شباط 2006 في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، تناولت فيها جانبا من حياة كل من المتصوفة الاسلامية رابعة العدوية والقديسة تريزا الآبلية.
وقالت هيا آل خليفة: في هذا الزمن الذي نعيش فيه والمشحون بالعنف والتدمير والقتل. هذه النزعات النابعة من الأحادية والتعصب في الرأي واليقين البالغ بامتلاك الحقيقة واقصاء الآخر يأتي هذا الحوار وهو حوار إنساني بين الثقافات والأديان بين رابعة العدوية المتصوفة المسلمة التي ولدت في البصرة في العراق والتي اختلفت المراجع في تحديد تاريخ ميلادها ووفاتها عن ثمانين عاما. وتريزا الآبلية القديسة المسيحية التي ولدت في مدينة أبيلا في اسبانيا في العام 1515 وتوفيت في العام 1582.

طريقة تفكير

وأضافت الباحثة: ان التصوف طريقة فكر ومنهج بل انه طريق للوصول الى الله والطرق متعددة بتعدد الذين يسلكونها بحسب الأحوال النفسية الخاصة بهم وان كانت غاية الدين هي المثول بين يدي الله في الآخرة فالمتصوف لا يريد أن ينتظر الموت للحصول على ذلك في الآخرة فيلجأ الى أعمال يعتبرها متعدية على فرائض الدين المطلوبة من المؤمنين. وهو لا يسعى الى الحصول على السعادة مادية كانت أم معنوية في هذا العالم بل انه يسعى الى سعادة أعمق مدى منها وغاية التصوف هو الوصول أو الاتحاد بالله وهو اتحاد تتلاشى فيه جميع الغايات الشخصية المحدودة. قال الحلاج: "عجبت منك ومني يا منية المتمني (أدنيتني منك حتى ظننت أنك أني) وغبت في الوجد حتى أثنيتني بتعني". هذا الفناء في الآخر يطالعنا أيضاً وبأروع صوره عند رابعة العدوية حين سألت كيف رأت المحبة فقالت "ليس للمحب وحبيبه بين وانما هو نطق عن شوق ووصف عن ذوق فمن ذاق عرف ومن وصف فما اتصف وكيف تصف شيئا أنت في حضرته غائر" وبموازاة ذلك تنطلق تريزا الآبلية من عبارات وردت في المزامير والتوراة جاء فيها: "لا أخشى أي مكروه لأنك أنت بقربي". وسرعان ما تتجاوزها الى الموقع الذي تبطل فيه الحدود والفواصل أي بينها وبين الآخر الذي تخاطبه تتماهى معه ويصبح للموت انذاك طعم آخر وفي هذا الصدد تقول تريزا الآبلية: "أعيش لكن من دون أن أعيش فيك، ورجائي كبير هو رجائي لدرجة أني أموت لأني لا أموت".

لحظة البدء

وحول رابعة العدوية وعن نقطة البدء لها في رحاب التصوف، قالت هيا آل خليفة: ان رابعة العدوية هي أم الخير رابعة بنت اسماعيل العدوي القيسية البصرية ولدت في مدينة البصرة وقد خلط المؤرخون بينها وبين رابعة الشامية زوجة أحمد بن أبي الحواري ميمون من أهل دمشق والتي توفيت بعد مئة عام من وفاة رابعة العدوية. فرابعة العدوية ابنة مدينة البصرة التي كانت نجما يتلألأ بين المدن وهي مدينة باذخة مترفة وأثر معماري اسلامي رائع وصرح تتطلع اليه العيون والعقول التي تطلب العلم والفكر وهي بالتالي جمعت في نفوس ساكنيها بين صفتين متلازمتين وهما حب الحياة وحب العلم والذهاب الى أقصى الحدود فيهما مدينة البصرة أو كما سميت فينيسيا العربية الى جانب حياة البذخ ودور العزف والغناء واللهو الناعم عاش فيها عدد كبير من الفقراء. وفي أحد الأكواخ الفقيرة المتناثرة في مدينة البصرة ولدت رابعة العدوية لأبوين فقيرين وكان لأبيها ثلاث بنات فسميت رابعة لأنها رابعتهن وقد مات أبوها وأمها تباعا وهي في سن صغيرة فقد حدث في البصرة قحط فتفرقت مع اخواتها الثلاث. فهمن على وجوههن ورآها شخص وأسرها وباعها بستة دراهم لرجل أثقل عليها بالعمل وقد روى العطار وهو أكثر من كتب عن رابعة العدوية. كيف انها تحررت من العبودية فقد روى أن سيدها استيقظ ذات ليلة ونظر اليها من خصاص في الباب فرآها تصلي وتقول «يا الهي تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك ونور عيني في خدمة عتبتك ولو ان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن خدمتك لكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبدتك» وخلال دعائها وصلاتها شاهد قنديلا فوق رأسها - بحسب ما يعلق العطار - معلقاً بسلسلة وله ضياء يغمر البيت هكذا وصفها العطار فلما أبصر النور العجيب فزع ونهض من مكانه وناداها وخيرها بين البقاء أو الذهاب فقررت ان تمشي وودعته ورحلت وكانت تلك لحظة البدء بالنسبة الى المتصوفة المسلمة رابعة العدوية.

روح تريزا

وواصلت الباحثة: أما تريزا فولدت في مدينة آبيلا وهي مدينة في وسط إسبانيا من ابوين متدينين وقد كان جدها يهوديا تحول الى المسيحية في الشمال الغربي من مدريد التي يحيط بها سور من الجرانيت يبلغ 2526 وارتفاعه 12 متراً وعرضه ثلاثة أمتار وهي مدينة تحمل عبق القرون الوسطى وعندما تدخل اليها تشعر بروح تريزا في كل شارع وفي كل مكان وفي كل حجر ودائما تجد السياح وأهالي آبيلا يتكلمون عن تريزا وعن أثرها لأن هذه المدينة موسومة بها وليس هناك تاريخ لانشاء هذه المدينة وقد وقعت تحت سيطرة العرب منذ العام 714 الى أن استعادها المسيحيون في 1088 ويقال ان سور ابيلا بناه الرومان ويحتوي على 2500 فتحة في البروج التي فوق السور.
وأضافت: في هذه المدينة يقع بيت تريزا الآبلية وقد تم تشييد هذا السور من مسافة بعيدة وقد تم تشييد كنيسة مكان البيت الذي كانت تسكن فيه تريزا واحتفظ بغرفتها بالكنيسة. تقول تريزا "نحن ثلاث أخوات وتسعة اخوة"، وكانت هي المفضلة لدى والدها وكان ذلك في بداية القرن السادس عشر وفي تلك الحقبة من الزمن كانت تسود اسبانيا حمى المغامرات وقد كان محفورا في الضمير الجماعي لأهالي آبيلا الأعمال الرائعة لجيمينا هذا الشجاع الذي قام في العام 1110 بتشجيع النساء على ارتداء اللباس الحربي وأخذ السلاح للدفاع عن المدينة ضد الغزاة وقد كان من المتعارف عليه في عائلات النبلاء قراءة كتب المغامرات والحروب ولاشك أن مثل هذه الكتب وقعت بيد تريزا وهي في السابعة من عمرها حين حاولت الهروب مع اخيها رودريكو وكان عمره أربع سنوات الى افريقيا لكي تحصل على الشهادة وترى الله ولكن عمها اكتشفها وأعادها الى البيت وكان ذلك رحلة البدء بالنسبة إلى تريزا.

صحيفة الوسط البحرينية
العدد : 1259 | الأربعاء 15 فبراير 2006م الموافق 21 صفر 1441هـ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى