مجيد طوبيا - بــر إيزيس ..

بعد انتحار كليوباترا‏،‏ كانت في مصر قوات رومانية‏،‏ آمن قادتهم بآلهة الفراعنة‏،‏ وكانوا يقومون بطقوس الاستخارة في معابدهم‏،‏ وبخاصة معبد زيوس آمون في سيوة‏،‏ قبل توجههم إلى ميادين القتال‏،‏ واتخذوا من الربة إيزيس رمزًا يتبركون به لتحميهم في الحرب‏،‏ ويطلقون اسمها على معسكراتهم وحصونهم‏،‏ وهو بر إيزيس أي بيت إيزيس‏..‏ فلما عادوا إلى روما أقاموا لها أكثر من معبد‏.

وعندما غزوا بلاد غرب أوربا‏،‏ أقام قائد القوات معسكرًا في موقع إحدى القري على نهر السين‏،‏ وأطلق عليه الاسم المعتاد‏،‏ بر إيزيس الذي حُرِّفَ إلى اسم باريس‏،‏ فالاسم في الأصل مصري وليس فرنسيًّا‏،‏ أو لاتينيًّا‏.‏

هذا ما ذكره الدكتور سيد كريم في كتابه القاهرة عمرها ‏50‏ ألف عام‏..‏ وهذا يفسر لنا اسم قريتنا باريس في الوادي الجديد‏،‏ حيث كان للرومان معسكر بها‏.‏

يؤكد ذلك ما جاء في معجم الحضارة المصرية القديمة من أن عبادة إيزيس انتشرت خارج مصر‏،‏ على السواحل العربية واليونانية‏،‏ ثم في أرجاء الإمبراطورية الرومانية‏..‏ وكانت باريس قرية صغيرة عندما غزاها قيصر‏،‏ سرعان ما نمت لتصبح مدينة رومانية مهمة‏،‏ وبعد قرون عديدة في عام ‏1687‏م أعلن كونت باريس‏،‏ أي حاكم مقاطعة باريس نفسَه ملكًا على فرنسا لتصبح العاصمة القومية‏.‏

في القرن التاسع عشر قام المهندس «هوسمان» بتخطيط معظم باريس الحديثة‏..‏ وعندما تسلم الخديو «إسماعيل» الحكم كان الأجانب الذين زاروا القاهرة يقولون عنها: إنها عاصمة البعوض‏..‏ من يشرب من نيلها يعود إلى بلاده ليتداوى من مرض الملاريا أو النزلات المعوية‏!..‏ فاستدعى إسماعيل مهندسًا نمساويًّا‏،‏ وطلب منه أن يقوم بإعادة تخطيط القاهرة على نسق تخطيط باريس‏،‏ ولهذا سُمِّيت قاهرته المجددة باريس الشرق‏.‏

كان النيل يمر ببولاق الدكرور والدقي وإمبابة‏،‏ فنُقِلَ مجراه ورُدِمَ المسار القديم‏،‏ فنشأت الأرض التي عليها الآن جامعة القاهرة وأحياء الجيزة والدقي‏،‏ كانت المستنقعات ‏‏ والبعوض‏)‏ تملأ المساحة من العتبة إلى شاطئ النيل‏،‏ فرُدِمَتْ لتصبح ما نُطلق عليه الآن وسط البلد‏،‏ أقام كذلك أول مشروع مجارٍ‏،‏ وأول شبكة إنارة بالغاز للشوارع والمساكن‏،‏ وأول شبكة مياه نظيفة‏،‏ وحدائق الأورمان والحيوانات والأزبكية والجزيرة‏،‏ وأقام أول كوبري على مجرى النيل كله ‏1871‏م، ومكانه الآن كوبري قصر النيل الذي شيَّده الملك «فؤاد» سنة ‏1933م..‏ وأول دار كتب عام ‏1870‏م وأول مرصد بالعباسية‏،‏ وأول دار أُُبِرَا في الشرق وإفريقيا عام 1869م.‏

كل هذا وغيره يدعونا إلى التحسر على قاهرة اليوم؛‏ من أحياء عشوائية إلى الباعة على الأرصفة‏،‏ والضجيج والتلوث‏،‏ وكان الدكتور سيد كريم يطالب بإقامة مدينة نصر بالصحراء‏،‏ أُسوةً بمصر الجديدة التي شيدها البارون إمبان‏،‏ لكن ولسنوات طويلة ظهرت أحياء خرسانية مثل المهندسين والإعلاميين وعلى جانبي طريق الهرم‏،‏ ومعظم شبرا والجيزة وجوار كوبري القبة‏،‏ وكانت هذه المناطق أراضي زراعية عالية الخصوبة تمدُّ سكان العاصمة بالخضر والفاكهة كل صباح‏،‏ اختفت بفعل الغباء والجشع‏،‏ وبعد أن خربوها تذكروا البناء في الصحراء‏!‏

أُقيمت الشوارع في قاهرة الخديو إسماعيل واسعة في زمن كانت فيه المواصلات نادرة‏،‏ وكان تعداد القاهرة ‏350‏ ألف نسمة فقط‏،‏ قفز سنة ‏1952‏م إلى أربعة ملايين‏،‏ وكان المفروض علميًّا ألا يتجاوز سبعة ملايين لكن مع عشوائية الحكومات المتتالية‏،‏ ومع حرمان الصعيد والدلتا من فرص العمل‏،‏ والهجرة إليها بحثًا عن الرزق‏،‏ تخطى عام ‏2000‏م ‏15‏ مليونًا‏،‏ وأضحت القاهرة مدينة عشوائية مثل محافظيها‏!‏

وعقب احتلال الإنجليز مصر عملوا على تشويه صورة إسماعيل‏،‏ واستمر ذلك بعد جلائهم‏،‏ ذكروا العيوب دون المحاسن‏..‏ وعند إنشاء أول جامعة في مصر والمنطقة‏،‏ كان لابنته الأميرة «فاطمة» فضل المساهمة بمعظم النفقات‏.

مجيد طوبيا

1649339320748.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى