أحمد بلحاج آية وارهام - ذو الرمة يفتخر بشعره

الكتابة قلق وأرق، وألم ومعاناة، ودخول في أودية النار الزرقاء التي تذوب فيها الذات من أجل إبداع جملة مفارقة لم يسبق لها ضريب، ولا مثيل في المدونات الإبداعية. فتفتيت جبل أسهل من إنتاج نص يتيم، وخاصة في ميدان الشعر؛ الذي قال عنه الفرزدق إنه لتمر عليه أوقات يكون خلع ضرس فيها أهون عليه من قول بيت من الشعر.
وإني لأقضي العجبَ ممن يظن أنه يكتب الشعر وكأنه يشرب الماء، ولا يدري أنه يرقرق سرابا على وجه البيداء، فهو لم يُدرك بعدُ أن الشعر الحق نارٌ ، لا يأتي إلا إذا أطعمنا هذه النار كليَّة ذواتنا. ولذلك فإن الذين يحرقون ذواتهم قربانا للشعر هم الذين يعبرون الأزمنة والأمكنة والنفوس بأحنحة النور، وينبتون فيها أزهار اللانهائي الفاغمة.
ومن هؤلاء الذين أحرقوا ذواتهم ليصعد الشعر سدرة منتهاه الشاعر ذو الرمة الذي قال عنه أبو عمرو بن العلاء: (فُتح الشعر بامرئ القيس، وخُتم بذي الرمة)، فأنا أتذوق شعره عسلا ماذيّاً، لأنه وليد انصهار روحي، وذكاء لغوي. يقول مفتخرا بشعره:

وَشِعْرٍ قَدْ أَرِقْتُ لَهُ غَرِيبٍ = أُجَنِّبُهُ الْمُسَانَدَ وَالْمُحَالَا
فَبِتُّ أُقِيمُه وَأَقُدُّ مِنْهُ = قَوَافِيَ لَا أَعُدُّ لَهَا مِثَالَا
غَرَائِبَ قَدْ عُرِفْنَ بِكُلِّ أُفْقٍ = مَنَ الْآفَاقِ تُفْتَعَلُ افْتِعَالَا

ذو الرمة غيلان بن نهيس المضري .


----------
ذو الرمة: ديوان ذو الرمة، شرح الخطيب التبريزي، كتب مقدمته وهوامشه وفهارسه: مجيد طراد،ط2،سلسلة ( شعراؤنا)، دار الكتاب العربي، بيروت1416ه/1996م،ص:519،الأبيات:50،49،48. من قصيدته التي مدح بها بلالَ بنَ أبي بردة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى