د. عبدالجبار العلمي - أحاديث عن أدباء من المغرب والمشرق -9 - نجيب محفوظ وشخصياته التي لا تنسى

معظم شخصيات نجيب محفوظ من الشخصيات التي لا تنسى مثل التي خلدها كبار الأدباء في العالم ( أوليس ودون كيخوطي وشانتو وهاملت وعطيل وإيما بوفاري.. ) . من ينسى نفيسة في "بداية ونهاية" ، وحميدة في " زقاق المدق" و محجوب عبدالدايم في " القاهرة الجديدة " وأنيس زكي ( المسطول ) في " ثرثرة فوق النيل " وسعيد مهران في "اللص والكلاب " وأغلب شخصيات الثلاثية وعلى رأسهم سي السيد و وأمينة وكمال عبدالجواد .. وأحمد عاكف أفندي في "خان الخليلي" و عاشور الناجي في " ملحمة الحرافيش " ... أما شخصيات" ميرامار" ، فأنا أتذكرها كما أتذكر أصدقاء لي عشت معهم زمنا طويلا ، فقد قرأتها في عهد ظهر المهراز بفاس وقت صدورها ، ولكنني أشتاق إليهم فأعود إلى الاستئناس بهم في بينسيون ميرامار بالإسكندرية : عامر وجدي - حسني علام - منصور باهي - سرحان البحيري - زهرة - طلبة مرزوق . وأستمتع بالطريقة الفنية التي وظفها نجيب محفوظ ليوصل لنا وجهة نظر أهم الشرائح الاجتماعية في مصر وموقفها من ثورة يوليوز والنظام الاشتراكي في مصر وانتهازية المستفيدين منها وخيانتهم لها ، وهي التي تقوم على الرؤية المتعددة لحدث واحد أو وجهة النظر السردية التي يتولى فيها كل شخصية سرد الأحداث من زاوية رؤيتها في حياد تام عن المؤلف الضمني. وكأن الرواية تسرد نفسها بنفسها . هذه الطريقة الفنية كانت قد أبهرتني أول ما قرأت الرواية قبل أن نطلع على المنظور السردي في الرواية على يد أستاذينا الجليلين : أحمد اليبوري ومحمد برادة في دروسهما القيمة في السلك الثالث بكلية الآداب بالرباط .
إن نجيب محفوظ كاتب عالمي بحق ، لا تقل قامته عن كبار الروائيين في العالم. نال نوبل أو لم ينلها ، يبقى روائيا عبقريا ، ويكفي أن يكون مبدع "أولاد حارتنا" و "الحرافيش" و" الثلاثية " ليتبوأ مكانه ضمن الخالدين من المبدعين. ماعدنا نقرأ مثل هذه الأعمال اليوم رغم حصول بعضها على الجوائز التي تعددت وتنوعت في بلاد العرب أوطاني. حينما لا يجتذبني بعض ما أقتنيه من روايات جديدة ، أعود إلى روايات هذا النجيب لأستمتع بالفن وأستزيد من المعرفة. كم أنا مشتاق إلى العيش في بنسيون ميرامار باﻹسكندرية مع أصدقائي الذين تمت الإشارة إليهم أعلاه. قرأت " ميرامار" وأنا طالب بالكلية زمن صدورها في أواخر الستينيات . شخصيات عصية على النسيان . وما أجمل بداية " ميرامار " الشاعرية التي كنت أحفظها ومازلت " الإسكندرية أخيرا .. الإسكندرية قطر الندى ، نفثة السحابة البيضاء ، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء ، وقلب الذكريات المبللة بالشهد و الدموع " . أليس في هذا الاستهلال الروائي شعر نفتقده اليوم في بعض ما ينشر من كلام ينسب إلى الشعر ؟ تحيتي إلى عشاق الرواية المحفوظية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى