محمد بوتنبات - الفن والمال.. الوجه الآخر للثقافة

"عندما أصادف في مكتبة، فهرسا للكتب التي تباع بالمزاد العلني، وأجد نسخة كان من الممكن أن تغريني منذ عشرين سنة خلت، بثمن يثير دوخة الرأس، عندها يبدو لي أنه ثمن غير معقول، ولم نسمع به في الماضي بتاتا. لقد وُضع هذا العمل ليكون بعيد المنال، لا يمكن الوصول إليه. لقد انفصل نهائيا عني. ولا يُقتنى ككتاب، وإنما يكون في نهاية المزاد، كشيء بسيط للمضاربة.
عند ذاك، أتخلى عنه، وأغلق الفهرس وأنا حزين، وأقول في نفسي مرة أخرى، إن ذاك الزمن قد ولى، ومن المحتمل ألا يعود أبدا.
لقد تهيأنا لهذا الاختفاء منذ عشرات السنين، بواسطة "تصنيف" الأعمال الفنية، وخصوصا الفن الذي لم يعد يطلق عليه الفن الحديث وإنما "المعاصر"، تصنيف كما يردد المعلقون "يتطاير".
لا يتعلق الأمر بطيران كما سيأتي على ذكره، وإنما بغزو وئيد للمال، الغازي الجديد، وصانع القرار، وسيد الأوطان.
اليوم، الجميع يقبل بهذه المسألة، حتى أولئك الذين كانوا أكثر تمردا، لدرجة أننا لم نعد حذرين. فبمجرد ما نرى مقالا، وأينما نشر، مخصصا لفنان "معاصر" مشهور، ومن الأفضل أن يكون حيا يرزق، وسواء أأعجبنا عمله أم لم يعجبنا، فإن أول معلومة تقدم عنه في الحين تكون عبارة عن رقم، عن سعر، ولا كلمة واحدة عن تطور هذا الفنان التشكيلي أو ذاك النحات، أو عن مقاصده ومشاريعه، أو عن التأثير الذي يخلفه، أو عن أبحاثه. إن ما يقال لنا وحتى قبل أن نسأل، هو: بكم بيعت آخر لوحاته. إن الفنانين الأكثر شهرة واحتفاء هم الأغلى ثمنا، والعكس صحيح.. إن سجل الجوائز يُصنع بعدد الأصفار.
يمكن لنا كذلك أن نسترشد في الشبكة العنكبوتية، بنوع من البورصة التي تقدم عن كل واحد من هؤلاء الفنانين، قيمة تسعيرته الماضية والحاضرة، وترتيبه عالميا، وتقلبات السوق...
لقد نشب المال مخالبه في الفن، وكأنه يقول: هذا سوف لن يُفلت من قبضتي أبدا. المال من يقرر الآن، وهو من يفعل ذلك وحده. أما ما يمكن أن تحمله لنا اللوحة التشكيلية أو المنحوتة من أحاسيس وعواطف وأفكار، فليس لها بعد اليوم وحتى قبله بأكثر من قرن سوى أهمية ثانوية، تتآكل شيئا فشيئا إلى أن يقضى عليها. من يجرؤ اليوم بالحديث عن الجمال والتناغم، وعن العمل والمعنى المحجوب، والامثولات المضمرة، وعن رؤى العالم، وعن الأبحاث ذات النفس الطويل، وعن الوقاحة الاجتماعية وحتى عن المقدس؟ لا أحد، إلا في الاجتماعات الخاصة أحيانا. إن ما يهم هو "كم يساوي هذا". إن الفنانين الذين لا يتوفرون على قيمة تجارية، لا نعرفهم. لا وجود لهم. لقد صار الفن سوقا، وموضوع كفالة ومتاجرة، كما صار اهتمام صناديق الاستثمار.
استحوذ المال فجأة على كل أشكال الجمال، إنه معيار القيم، وقائد سوق النخاسة. "
ترجمة : محمد بوتنبات

L’ARGENT
Jean Claude CARRIERE
Odile Jacob Paris 2014 P 12,13,14

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى