عبد الكريم التدلاوي - ( سدول ومياه سدم) قراءة الواقع من منظور نقدي..

صدر عن مطبعة الكرامة بالرباط، مؤلف جديد للقاص والأديب لحسن حمامة، تحت عنوان ''سدول ومياه سدم"، وويقع هذا الكتاب في مساحة ورقية من 117 صفحة، وبغلاف أنيق مزدان بلوحة وتصميم الفنان التشكيلي ياسين القاسمي .
تتوزع محنوياته بالإضافة للإهداء والعتبة أو المقدمة، إلى ثلاثة أبواب؛ هي على التوالي:
1. المغرب إلى أين؟
2. مدونات وشبه أوابد
3. نصوص سردية
ويأتي هذا الكتاب بعد عدة مجاميع قصصية صدرت للمؤلف،هي: عندما تتكلم الحيطان1984، المغارة والضوء 1998، الطاحونة والنوارس 2004، زهر اللوز 2007، حجل وصبار 2013 .
ومما جاء في عتبة الكتاب قول الكاتب:
"هذا الكتاب مجموعة من النصوص، نشرت في المحيط الأزرق للفايسبوك، ارتأيت أن أجمعها وأضمها بين دفتي كتاب ورقي، حتى أزاوج بين لذة لمس الأزرار، ولذة لمس الورق، فمرافقة الكتاب للحضارة الإنسانية منذ عهود سحيقة، جعله جزءا من جيناتها الثقافية، حتى أصبح من المستحيل تصور الثقافة بدون كتاب ورقي..."
العنوان لافت للغاية بفعل حضور كلمتين غريبتين لم يسبق أن طرقت أسماع الكثيرين، وهما: سدول وسدم، وبينهما كلمة الماء الجامعة والمفرقة في آن؛ جامعة لكونهما ترتبطان بهذا السائل الحيوي، ومفرقة لأن الماء في الأولى يتميز بالعذوبة، وفي الثانية بالعكر وعدم الاستساغة.
لكن القارئ للعمل لن يجد فيه مثل هذا المعجم، فهو يتميز بعذوبة كلماته وسهولتها مما يمكن الأفهام من استيعاب معانيها.
وإذا كانت الكلمة الأولى ذات معنى يفيد الجوهر والغالي، كما تفيد الانبساط والإرخاء، فإن الكلمة الثانية تفيد المنع والإيقاف؛ إيقاف الماء عن الجريان، الأمر الذي يفقده عذوبته وغناه. وعليه، فهناك الانبساط والتجدد، مقابل عنصر يرمز للفرملة، ويشكل عائقا في وجه التغيير. وهو ما يعني الصراع بين قوتين مختلفتي التوجه والهدف.

لا يجد الكاتب حرجا في التعبير عن انتمائه إلى اليسار، ومن هذا الموقف يقدم قراءته للواقع، فاليسار، بالنسبة إليه، هو المؤهل لإحداث التغيير الإيجابي على النقيض من التيار الظلامي الذي يهدد المغرب والعالم الإسلامي بمزيد تخلف.
ومن مهام هذا اليسار ذا الخلفية الاشتراكية، نجد التالي:
_ جعل المغرب بلدا وازنا بكرامة.
_الدفاع عن الفقراء والعمال في تحسين أوضاعهم المزرية.
_ جعل القانون سيد الجميع.
_تحقيق المساواة بين المواطنين امام العدالة والصحة والعمل.
_ محاربة الفكر الظلامي والتكفيري.
_التوزيع العادل للثروة.
_ عدم الخلط بين الدين و السياسة والاقتصاد.
_ النضال من أجل الوحدة في ظل الاختلاف، مع تحطيم الفكر الشوفيني والعنصري والعرقي والقبلي.
_ النضال من أجل تكريس مبادئ حقوق الإنسان كما اتفق عليها عالميا.
وهي مهام لا يمكن لليمين بمختلف تلاوينه النهوض بها، وبخاصة الفكر الظلامي الذي يعاني رهابا من التغيير، ويسعى إلى تأبيد الواقع حفاظا على مصالحه.
ومن هنا، تحضر آليتان زمنيتان تتصارعان وتتدافعان، أما الآلية الأولى، فهي التي تدير رأسها إلى الوراء، مؤمنة بالثبات، وواجدة في الماضي الأجوبة كلها، وأما الآلية الثانية، فهي التي تتطلع إلى الآتي، مؤمنة بالتغيير. كما أنها ترى القداسة قضية لا بشرية ولا إنسانية. ص81.
وترى في التعليم فرصة لإعادة بناء الإنسان، بناء عقلانيا يعتمد بالأساس روح الفكر النقدي، ويقطع مع الفكر الظلامي المعتمد على آلية التلقين والاجترار.
فتعليمنا أنتج شبابا ميزتهم الأساس السطحية، بمعنى عدم امتلاكه فردانية تميزه عن أقرانه، يتصرف تصرف الحيوان داخل القطيع. ص34.
التسطيح، إذا، هو بلاهة ونكوص، وهو خلل في النمو النفسي والجسدي للمسطح. فرجل الدين الظلامي والإرهابي مسطحان لأنهما حطما أدوات العقل وطمسا الواقع والمحيط. واعتمدا على شهادة الغائب. فضلا عن إلغاء الآخر المختلف ماديا ومعنويا.
وينطبق الوصف ذاته على الدولة التي لا تفصل بين الدين والدنيا، وتنفق بسخاء على الأضرحة والزوايا، فدعاؤها الحداثة ما هو سوى قشرة تخفي تسطيحها.
وتجدر الإشارة إلى أن الكاتب قد توقف عند أمر ذي أهمية بالغة يهدد الأمن والسلام و التوازن النفسي، ألا وهو الخوف المعمم، مشيرا إلى مجموعة من المؤشرات الدالة عليه. والسؤال المهم، هو: من غرس هذا الرعب في النفوس؟

والبين أن قارئ العمل سيدرك أن الكاتب يشير إلى عائقين يقفان في وجه التطور، ويؤبدان واقع التردي، وهما، السلطة السياسية الرجعية، والتيار الديني، وفقهاء الظلام، ولا ينسى الأقلام المؤجورة التي تنبت اليأس في النفوس، بتكريس مقولة: ليس في الإمكان مما كان.
فالسلطة تتفنن في بناء السجون لإيداع المعرضين لها، والظلاميون يتفنون في بناء المساجد لصنع الخانعين، وتأتي الأقلام المأجورة لتبرير الدورين المتعاضدين، وهنا المأساة.

نصوص "المغرب إلى أين" كتبت على صفحات الفيس بوك، ورغم أن أبوابه مفتوحة في وجه الجميع؛ فهو منصة مهمة لتحقيق التواصل والتفاعل سواء أكان إيجابيا أم سلبيا. قبل أن يتم جمعها في كتاب ورقي؛ فهذا الحامل ما زال يمتلك أهميته، فمن المستحيل تصور ثقافة دون كتاب، وما شعور كتاب المحيط الأزرق بالانتشاء إلا جراء نشر مجلة أو صحيفة ورقية لنصوصهم.
تلك النصوص تحمل رؤية وتصور الكاتب ووجهة نظره حول الكثير من القضايا المعاصرة والتي ما زلت تحتفظ براهينيتها وبحرارتها، يعبر عن مواقفه تجاهها بصدق وصراحة دون مواربة أو نفاق. وهذا ما يجعل كتاباته تتميز بالصدق في طرح القضايا. صدق ينم عن غيرة الكاتب على بلاده بخاصة والعالم العربي بعامة.
في الباب الأول "المغرب إلى أين؟"، فصل: "الكوابت والكوابح"، نجده يخوض في قضايا خاض فيها مفكرون كثيرون سابقون ولاحقون، مدليا بدلوه. والحق أن هذا الفصل جاء مجملا، في حين، جاءت بقية الفصول مفصلة، كل فصل يناقش قضية من القضايا المذكورة في الباب أولا بشكل مستقل.
من جملة القضايا التي خاض فيها قضية التخلف المضاعف الذي يعيشه المغرب والعالم العربي. يشبه الكاتب العالم العربي والإسلامي بالرجل المريض الذي تكالبت عليه الأدواء من الداخل بفعل عوامل الاستبداد السياسي والاقتصادي، فضلا عن الطائفية والقبلية والعرقية، إضافة إلى الاتكالية والقدرية، مع تسيد لفقهاء الظلام، وتدخلهم في المعيش اليومي، ورسمهم لمصير الإنسان، وتدخلهم في اخياراته، بدعم من سلطة سياسية متجبرة على شعوبها، ذليلة أمام جبروت الآخر الذي عرف تطورا مذهلا؛ ومن الخارج بفعل الاستعمار، مما ضاعف من معاناته.
يذكرنا الكاتب بالمحاولات التي قام بها المفكرون الغيورون من أجل الإشفاء . مشيرا إلى لا جدوى مفعول مختلف الوصفات المقترحة. وندرك أن ذلك ليس دعوة لليأس بل حثا على التفكير العميق في وصفات أكثر قدرة على إخراج المريض من مرضه، مقترحا كضرورة أولية نهج نظام تعليمي عقلاني يضاد الخرافة و الظلامية، نظام يستجلب أحدث ما أبدعه العقل البشري. كما يلح على شرط إصلاح القضاء، وتسييد تكافؤ الفرص و محاربة الرشوة، كما يدعو إلى إعادة النظر في سلوكاتنا بنبذ الأفعال المعوجة، والعادات المستقبحة.

وبصدق وحرارة نجد الكاتب يعبر عن موقفه من جملة قضايا حارقة كانت مدار نقاس حام في المجتمع المغربي، قضايا جعلت المتدخلين ينقسمون إلى رافض ومؤيد. كما هو شأن فيلم " الزين اللي فيك" الذي أسال مدادا كثيرا. حيث نجد الكاتب يدافع عن الحق في التعبير و حرية الإبداع مميزا بين النقد و النعيق. والأمر نفسه بالنسبة لقضيتي فتاتي إنزكان، ولمثلي فاس، داعيا إلى الوقوف في وجه من يعارض الاختلاف ونبذ المغايرة.
ففقهاء الظلام يلقنون أتباعهم العقائد ويشحنونهم بالفتاوى التي تخلق لديهم مشاعر الكراهية ضد المجتمع والدولة والاستعداد لممارسة العنف بكل أشكاله.
ويعتقد الكاتب جازما أن مجتمعنا مريض، نتيجة ذلك، بمرض نفسي عويص، علاجه صعب، لأن الفيروسات التي غزت جسده خطيرة ومتنوعة، خصوصا فيروسي الجنس والإيديولوجيا. ص28.

كما ناقش قضية الجذر والعرق مبينا أنها من الخرافات، معتبرا أن طرحها غير مناسب، بل مغلوط، فقد أكد علماء الوراثة والجينات والانتروبولوجيا والاجتماع والتاريخ أن لا وجود لعرق صاف، ولا وجود لجذر سليم لم يلقح ويخلط بجذور أخرى. ص77.
وتكمن خطورة التطرف العرقي في تمزيق النسيج المجتمعي، وتمكين الأعداء من التسلل إليه لإخضاعه.
يخصص حمامة حيزا مهما للحديث عن الكتابة، مصنفا إياها إلى كتابة دعو إلى الحياة وتبني القيم الإيجابية، وكتابة تدعو إلى الموت، وتناصر الانغلاق على الانفتاح، وتحث على النمطية وتمج الغيير، وكتابة بيضاء منافقة، تتبدل مع تبدل المصالح والأهواء.
وهو يدعو ـ عند حديثه عن التواصل الفايسبوكي ـ إلى فضيلة الحوار و النقاش الهادف، داعيا إلى التعليق على التدوينات و التفاعل معها تفاعلا بناء يرتقي بالنقاش، ويجعل المنصة فرصة لتبادل الآراء، وإجادة الحديث، وتعلم فضيلة الحوار، منتقدا من يمنحون بسخاء الجيمات وبشكل مجاني من دون اطلاع أو قراءة أو مشاهدة.

و لا ينسى الجرح الفلسطيني, مستحضرا الغطرسة الإمبريالية الغاشمة و ” تلاعب تجار الحروب و سماسرته بالأرواح البشرية و العمران”.[ ص 64]
يوظف الكاتب في عمله تقنيات السرد المتنوعة بما يخلق التشويق المفضي إلى المشاركة الوجدانية و الفكرية. بل تعلن بعض النصوص عن انتمائها الكلي لعلم السرد ك”تليكومند” و “البردعة” و “النابغة”. و يحضر المثال في بعض النصوص كما في “المطرقة و المسمار”. يمزج حمامة الفكر بالسرد , و قد امتشق خطابه سلاح السخرية السوداء و النقد اللاذع من أجل تعرية الواقع , و نقد السلوكات التي تعيق تطور المجتمع.
مجتمع للعديد من الخطابات: السياسي و التاريخي و الاجتماعي و الأدبي و النقدي و التواصلي… تبعا لتشابك عناصر الظاهرة الإنسانية , و مما ينم عن سعة ثقافة الكاتب و قدرته على الإدماج بمعناه البيداغوجي. يؤسلب كل ذلك و يمرره في خطاب جامع مدمِج , حامل لرؤيته للعالم, أي منتظم من خلال خلفية تقدمية. و الكاتب يصرح بمواقفه و يدافع عنها دون التواء. 1
تطول النصوص و تقصر تبعا لأهداف الكاتب التعبيرية و التوصيلية و التأثيرية. فشرح الأوضاع و تشريحها يحتاج إلى التوسع و الإطناب أحيانا. بينما يعتمد الإيجاز و الغربلة في بعض النصوص حتى لا يبقى منها سوى العناصر الأساس.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى