الشداوي عبدالعالي - حنا آرندت : تأملات حول "المسألة اليهودية" أو "يهودية ضد اليهود"

تزامن كتابة هذه الورقة حول تأملات الفيلسوفة الألمانية-الأمريكية حنا آرندت Hannah Arendt (1975-1906) في "المسألة اليهودية"، في سياق رد الفعل الذي حرك الشارع العربي والاسلامي ضد القرار السياسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس اعترافا منه بالأخيرة عاصمة دينية للشعب اليهودي.
ترتكز هذه الورقة على تأملات آرندت الذاتية منها والموضوعية التي سلكت من خلالها مسار العصاميين، الذي تتواشج فيه معطياة البيوغرافية والشخصيات الفكرية الحية منها والميتة. ولن نهتم هنا بكل ما خطته آرندت حول "المسألة اليهودية" وإنما سنقتصر على ما ورد في ذات السياق من "أحكام مسبقة" تغدي السياسة اليوم وتهددها في الآن ذاته من خلال تغليط الرأي العام والكذب عليه: بأن اليهودية هي الصهيونية والاسلام هو الإرهاب فيما يتعلق بآليات الصراع بين "القضية الفلسطينة" و "المسألة اليهودية".
رغم أن تأملات حنا آرندت السياسية حول "المسألة اليهودية" التي تحمل معها في الآن ذاته أسئلة تتعلق بالهوية الفردية والانتماء إلى الجماعة اليهودية، فإن إحدى الجوانب السجالية المؤطرة لهذه التأملات، قد طبعتها نوعا من الضبابية والتردد، ولا نكاد نجد موقفا قاطعا يثبت كونها "يهودية ضد اليهود"، إلا في غمرة إنشغالها بتأليف كتاب إيشمان في القدس تقرير عن تفاهة الشر، إنتقادها بلا هوادة اليهود الأوروبيين المتواطئون في إضطهادهم إبان الفترة النازية وغيرها. إلا أنه من الناحية المبدأية يمكن تقسم أفكارها فيما يتصل ب"المسألة اليهودية" إلى ثلاتة مراحل متميزة لكنها مترابطة في نفس الآن.
كيف نفهم هذه المواقف غير المنسجمة بين الحب والكراهية لحنا آرندت تجاه جماعتها اليهودية واتجاه نفسها؟
المرحلة الأولى، مرحلة الطفولة: لقد كانت حنا آرندت على علم بيهوديتها لما كانت طفلة، ليس من خلال أحاديث عائلتها عن يهوديتها، ولكن من خلال إفتراءات رفاق الدراسة المناهضين للسامية" . وقد تحدثت آرندت عن طفولتها بدون حرج من خلال المقابلة التي أجرتها مع كونتر غاوس (Gunter Gaus) في مقالة: "ماذا تبقى؟ من اللغة". المنشور في كتاب مقالات في الفهم . إذا كان معلميها قد أدلوا بتصريحات معادية للسامية، فإنها مطالبة بمغادرة المدرسة والذهاب للمنزل لتخبر أمها عما حدث لترفع شكوى للسلطات المختصة للنظر في المسألة. وفي ظل هذه الظروف ظلت آرندت خارج المدرسة، وقد عبرت عن ارتياحها بهذا القرار أنها "كانت رائعة"، ولم يسمح لها من جهة أخرى، أن تذكر ولو في المنزل إفتراءات الاطفال في سنها، ولكنها كانت تعاني في صمت، من سوء المعاملة وتجارب الاقصاء، فاصبحت بذلك تجيد طرق الرد والدفاع عن هويتها كيهودية" .

الشداوي عبدالعالي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى