مخلص الصغير - خصنا نديوها فكورونا

في الوقت الذي صرفت فيه الأموال الطائلة و”الطائشة” على البرامج الفكاهية المؤلمة، خلال شهر رمضان، ظل الكوميدي المغربي الكبير السي محمد الخلفي في وضعية صحية قاسية، وهو يعيش لوحده في بيت صغير بطاماريس، حيث قضى رمضان كله على كرسيه المتحرك أو طريح الفراش، بعد أن تعرض لحادثة سير خطرة.
والسي محمد الخلفي لمن لا يتذكره هو الحاج “قدور بنزيزي”، الذي أضحك المغاربة وأمتعهم في سيتكوم “للا فاطمة”، مع خديجة أسد وسعد الله عزيز والآخرين والأخريات، قبل ظهور “الكاميرا المخيفة” و”فيروس كورونا” وباقي الكوارث الطبيعية والتلفزية. وقد سبق للسي محمد الخلفي أن تقدم، مؤخرا، بمشروع لقنواتنا الرسمية، لكنها رفضت برنامجه، مفضلة تكرار مشاريع فاشلة سنة بعد أخرى، تكلفنا مئات الملايين، كما أكدنا ذلك في مقالات سابقة.
ظهور الخلفي في “للا فاطمة” يعود إلى نحو عشرين سنة، ومع ذلك، حرصت قنواتنا التلفزية على إعادة حلقات هذه السلسلة إلى غاية هذه السنة، وفي واضحة النهار. ولكن بدايات الخلفي تعود إلى أزيد من ستين عاما، فهو أحد مؤسسي مسرح الهواة إلى جانب الطيب الصديقي، مباشرة بعد استقلال المغرب. وهو مؤسس فرقة “المسرح الشعبي” وفرقة “مسرح الفنانين المتحدين”. كما يبقى الرجل من مؤسسي التلفزيون المغربي، منذ الستينيات، حيث قدم فيه أعمالا رائدة، وضحى بإمكانياته المادية والشخصية، من أجل نجاح هذا التلفزيون، أو “صندوق العجب”، منذ مشاركته الأولى في مسلسل “التضحية”. وللخلفي، أيضا، مشاركات سينمائية مشهودة، منذ الفيلم الأول للقيدوم عبد الله المصباحي “الصمت” سنة 1973.
وقد فاجأني هذه الأيام ناقد فني ضليع، يدافع عن حسن الفذ، ويعتبره رمز النبوغ المغربي في الكوميديا، والفنان الذي توج تاريخ السخرية في المغرب، بعد تجارب الوزير وبلقاس وقشبال وزروال والزعري والداسوكين وبزيز وباز وعاجل وفلان وخديجة أسد وسعد الله عزيز… ولنا أن نحيل هنا على الكتاب المرجعي للكاتب المغربي حسن نرايس “بحال الضحك: السخرية والفكاهة في التعبيرات الفنية المغربية”. لكن الناقد الفذ، والذي تحدث عن “باز وبزيز”، وعن باقي الفنانين بالمقلوب، نسي أن الفذ ليس نجما مفردا، وإنما عاد إلى الحياة الكوميدية بفضل عمله الثنائي مع الفنانة المدهشة دنيا بوطازوت، ثم مع هيثم مفتاح، الذي كتب له الكثير من الأعمال، قبل أن يتخلى عن الفنانين، لأسباب مادية طبعا. كما أن المؤرخ الجديد للكوميديا المغربية نسي أن يستعيد تاريخ حسن الفذ ليدرك أن الرجل بدأ بتجريب الأعمال الفردية، على غرار حنان الفاضلي وسعيد الناصري، قبل أن يدرك بأن اليد الواحدة “لا تضحك”، وأنه لا بد من عمل ثنائي أو جماعي، لضمان النجاح. أما النجاح الفردي، فمكتوب للعباقرة فقط. والحق يقال، لقد نجح حسن الفذ، بالفعل، مستفيدا بشكل كبير من دنيا والآخرين. بمعنى أنه لم ينجح لوحده أبدا. ولكن المشكلة أنه يرى نفسه الآن أكبر من كل الفنانين، ولذلك، يرفض أن يظهر إلى جانب فنان آخر، يتقاسم معه البطولة، إلا إذا كان هذا الفنان هو “إشهار إنوي”. هكذا، وفي سلسلته الكوميدية المتواضعة جدا “طوندونس”، التي صدمنا بها هذه السنة، سوف يستعين بعدد من الكوميديين الشباب والجدد، ليس لكي يظهر أقوى منهم، كما قال لي أحد الأصدقاء القدامى، بل لكي يستعين بهم من أجل محاولة إضحاك المغاربة، دون جدوى. والحمد لله على نعمة العيد.
لا يمكن أن ننكر بأن حسن الفذ قد حقق نجومية كوميدية كبيرة، ولكن بتعاون مع الآخرين دائما، يوم توقف عن أعماله الفردية، قبل سنوات، واعتكف في معهد “أوليفيري” كل صباح، في شارع الحسن الثاني بالدار البيضاء، وهو يخطط لمشروع جديد. لذلك، فإنني لا زلت أفضل حسن الفذ على “حسن الفز”، ولا زلت أفضله على الكثير من الوجوه الكوميدية “الحامضة”، دون أن أتنكر لعباقرة السخرية في المغرب، كما نتنكر اليوم، جميعا، للسي محمد الخلفي.
أخلاقيات الكتابة تؤكد لنا أنه لكي ننوه بفنان معين لا يمكن أن نحط من قيمة الآخرين. وسيكون أجدر بنا أن نهتم بالقضايا المصيرية مثل “كورونا”، بدل الانتقاص من قيمة الناس. وبمعنى آخر: “خصنا نديوها فكورونا”.
وعيد مبارك سعيد.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى