عباس العكري - قراءة في نص"تعالق" لعبدالرحيم التدلاوي

وضع الأرنب خلسة، علامة على ظهر السلحفاة،
وانطلق يعدو بخفته المعهودة..باتجاه الفوز..
لاحت له عند خط النهاية سلحفاة، تحمل العلامة المعلومة، وهي تجتاز خط الوصول بيسر..
أدرك أنه عالق وسط معضلة الكتابة، لا حلبة السباق.

يطالعنا الكاتب بعنوان قصته: (تعالق)، ويتضح لنا معنى المفردة من خلال المثال التالي: تعالق الشَّيئان: أمسك كلٌّ منهما بالآخر.

وعند قراءة النص تتبادر لنا القصة العالمية للسباق الذي جرى بين السلحفاة والأرنب، والذي قد خسر الأخير فيه؛ لغروره بقدراته التي لم يستثمرها، وحينها فازت السلحفاة التي لم يتوقع أحد لها النجاح، فبحسب اعتقادهم أن السرعة هي أساس الفوز، لا بذل الجهد المستمر.

وعندما نتمعن جيدا، في: ( أدرك أنه) و (عالق وسط معضلة الكتابة) نعرف أن المقصود به هو الكاتب لا الأرنب، فالأرنب يعنيه العدو والجري في حلبة السباق لا الكتابة.
و مفردة يضع (خلسة) وعلى (ظهر) تبين لنا إيحاءات هامة منها: لماذا يضع الأرنب خلسة علامة؟ ولماذا في نهاية السباق تحمل السلحفاة تلك العلامة؟
أهو إشارة إلى مايفعله بعض الكتاب من تصنيف لغيرهم، بعلامات خاصة بهم، ومن خلالها يقيمون الآخرين على ضوئها؟ ولماذا فوق الظهر؟ أيحملهم أعباء لا دخل لهم بها ولا رغبة فيها؟ لماذا خلسة؟ أيشعر بالخجل والاستحياء من ذلك التصرف؟ أمور مفتوحة على الذهن وتساؤلات ربما نجد لها إجابات هنا.

نرى أن بعض الكتاب في الآونة الأخيرة يتنافسون في سباق شديد عبر مجال النشر والإبداع الأدبي، فتكاثر إنتاجهم كإنجاب الأرانب عددا لاقيمة، بينما نلاحظ أن الإنتاج الرصين للأدباء قل وأبطأ كالسلاحف.
ومما تقدم، فإن الكاتب يطرح لنا مشكلة يعاني منها الكتاب اليوم، مشكلة قد تعيق بعضهم عن الإنتاج الغزير، ومن ثمة يعلقون في شركها فلا ينجون من ذلك، فيبقى الكتاب ضحية لغرورهم الذي راوح بين الثقة بالنفس والإعجاب المبالغ والإطراءات من الآخرين، بإصباغ أنفسهم صفة التفوق العلمي، وقدراتهم الأدبية، فأصبح الكاتب منهم يعيد ويكرر إنتاج ما قد أنتجه، بنفس الأسلوب والصياغة نفسها، وما جعله يفعل ذلك، أنه قد فاز مرات عدة فلم لايفوز مرة أخرى وهكذا دواليك، ويتغافلون عن أن الإنتاج الكتابي قد تغير زمنه، وأنتج أنواعا أخرى، كان ينبغي للكاتب أن يواكب مضمارها، لا أن يختلس السرقات الأدبية، ومن ثمة يضع علامته الخاصة فيهابشكل فج، فكل لنا علامته وبصمته الأدبية، والتي لا بد أن تتجدد لا أن تتكرر.

ومن ضمن تلك المعضلات الكثيرة، أنّ الكاتب إن هو أسرع لم ينجُ من الأخطاء الفكرية في إنتاجه الأدبي، وإن أبطأ للتريث والاتقان قل إنتاجه الأدبي وابتعد عن المضمار . وهذه هي معضلة الكتابة تستمر في حلقات مفرغة.

ندرك حينها أن المغزى والفكرة واضحة، والتي يدعو فيها الكاتب لأن يضع كل منا علامته الواضحة وبصمته الفارقة دون الإسراع أو المراهنة على القدرات والإغترار بها، في ظل تسابق سريع لمضمار النشر والطباعة والقراءة.
وعلى ضوء ما سبق فإن اختيار الكاتب لعنوان تعالق مفاده أن يمسك الكاتب بطرفي الكتابة الأدبية دون ألإراط أو تفريط، أو يمسك بين السرعة والإتقان بعلامة مميزة للنصوص تعكس هوية الكاتب، فأمتعنا بما سرده.

عباس علي العكري
13 يونيه 2016
ع ع ع

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى