زهاو دنيان Zhao Danien - ترويض النسر ( قصة صينية).. ترجمة : عبد السلام بن خدة

الإهداء :إلى العزيزة سكينة حجاجي

العجوز "تشين"،كاتب السيناريو،استسلم للعياء . فنص السيناريو الذي كتبه انتقل بين أيدٍ عديدة : أعيدت قراءته ، مراجعته، نقده، مناقشته، تنميقه، تغييره، تبنيه، التخلص منه، اختصاره، مراجعته،رفضه ،تنقيحه،إهماله،غربلته و ... إعادته تبنيه. بعد ثلاث سنوات ، ثلاثة أشهر و ثلاثة أيام ، تحول إلى سبع و عشرين صيغة مختلفة . "تشين" ، الذي كان في الأصل الكاتب الوحيد للعمل ، وجد نفسه ملتصقا بجماعة من الذين يشاركونه في إبداعه . بفضل هذه الجهود المتضافرة ، أحيل السيناريو أخيرا إلى التصوير .

لكن العجوز "تشين" اِنهار.قرّر مع نفسه أن يعثر على ملاذ له في سهل منغوليا الداخلية ليعيد من جديد اكتشاف الهواء النقي ، و السماء الزرقاء ، و السحب البيضاء ، و النسور الطليقة و النباتات الخضراء على مدى البصر .اللون الأخضر ؛ هو أصل الحياة ؛ تأمل الخضرة يمكن أن ينعشه ربما .

هنالك، تعرف إلى صياد عجوز يُسمى "زهامولين"،يسكن منزلا مربع الشكل على طراز المساكن في بكين العاصمة.لكن العجوز "تشين" يُفضّل الإقامة في اللباد المغولية والعربات التي تجرها الثيران .

كل يوم ، كان " زهامولين" يذهب إلى الصيد على صهوة حصانه، ونسره جاثم على قبضة يده.هذا الجارح،لم يكن قادرا فقط على أسر الأرانب ، و الثعالب، و السراعيب، لكن يمكن أيضا أن يفقأ عيون الظباء.تساءل العجوز "تشين " لماذا النسر،بدلا من أن يتغدى بفريسته، يكتفي بحصة اللحم التي يلقي بها إليه سَيِّده بعد عودته."لأنه نسر مُرَوض"،أوضح "زهامولين "بنوع من الزهو .

في أحد الأيام ، رأى "زهامولين" يَرْبط بحبال من القنب كومة من الأمعاء الدقيقة لأرنب في سلّة ، ومن تم يضع الكومة على سقف المنزل . "حيواني الجارح أصبح متقدما في السن" ، قال "زهامولين" ، وهو يغمز بطرف عينه.

مرّ بعض الوقت ، في الأعلى يُرى نسر في رَيِّقِ العمر ، يُكثر من التحويم. في البداية ألقى نظرة من بعيد على فريسته . فجأة انقض كطائرة مقاتلة على السلة ، ملامسا السقف . كان قد أمسك آنفا بالأمعاء بمخالبه القوية جدا ؛ القفة الكبيرة نفسها ، التي قطرها خمسة أقدام حُمِلَت بدورها إلى الأعلى .

سقط النسر المسكين في الفخ ؛ ترى رجلاه متعلقتان بالحلقات، وملتويتان في حبال القنب التي تضغطها و تشدها ، و تشققات الأصابع المربوطة بمتانة إلى السلة الكبيرة. رغم ذلك ، فالطبع الجموح و الجوع يدفعانه إلى السلة الكبيرة . لكن بدون جدوى ! الرؤية المحجوبة بواسطة السلة الكبيرة ، تمنع النسر من تمييز أي من القرى أو السُّهوب أو الأشجار الموجودة تحته: شيئا فشيئا ، الجسد المتصبب عرقا ، و الشرارات المتراقصة أمام عينيه ، جعلت نَفَسه يضيق . يُضاف إلى ذلك التيارات الهوائية الجارية بين السماء و جناحيه ! لا نعرف أكثر إن الأمر يتعلق بزوبعة ، بريح متضاد أو حَمَل حراري ؛ خبيرٌ في الأحوال الجوية سيبقى عاجزا عن تفسير ذلك ، و أقل منه النسر على الإطلاق ! سريعا ما أُخد ذيل الطائر يفقد وظيفة المقود و أصبحت حياة الجارح في خطر .

بالنسبة للعجوز "تشين" ، فالأمر أعجوبة لم يُرَ مثلها قط : سلة كبيرة تحوم فوق سقف منزل "زهامولين" ، كطبق طائر . أو بالأحرى كذبابة عمياء . لن يفلت النسر من قدره العاثر .

و الحالة هذه اكتفى الصياد العجوز بفتح عينيه جزئيا ، على نحو هادئ ، برشف حليبه

و تدخين سيجارته ، حتى من غير أن يُلقي نظرة على ضحيته . " لا يمكن لنسر في رَيِّق العمر أن يستمر على هذا النحو أكثر من ساعة" ، كان قد صرّح ، متيقنا من ضربته .

بمجرد أن نطق بهذه الكلمات ، سقطت السلة الكبيرة على بعد مئة متر منه . الجسم مبللا كاملا بالعرق و متعبا تماما ، انقاد الجارح بسهولة .

ربط " زهامولين " الجارح على مجثم الذي ، معلقا في الهواء ، بواسطة حبلين ، يشبه أرجوحة صغيرة . النسر الذي يحطّ على الخشبة لا يستطيع أن يتجرأ على إغلاق عينيه ؛ رغم إحساسه بالنوم ، فهو مضطر إلى الإمساك بقوة بالمجثم مستخدما جناحيه ليعثر على التوازن . حلّ الليل ، أشعل "زهامولين " فتيلة مصباح بجانب المجثم . النسر مرعوبا ، لم يتجرأ قط على النوم . على هذا النحو يبدأ الترويض . في صباح اليوم الموالي ، وجد الطائر صعوبة في البقاء صاحيا . ما كاد يغمض عينيه قليلا حتى تقاطرت ضربات السياط عليه . متوترا ، فتح النسر الكبير عينيه و حاول أن يُجاري السوط بقوة ...

في اليوم الثالث ، أصبحت عينا الجارح محمرتين ولم تعد معدته تستطيع مقاومة الجوع . بدأ يرسل صرخات استعطاف و يفتح باستمرار فمه طلبا للتغدية .

حان وقت تَدَخُّل جيران "زهامولين " .أحدهم أعطى الجارح مكوّرة من خيط القنب نُقِعت سابقا في زيت الجلجان . ابتلع الطائر المكورة دفعة واحدة دون أن يفكر في أن طرفها الآخر في يد رجل . مر وقت يسير،ثم أخد الرجل في جرِّ الحبل ؛ أوه ! أَلَمٌ مُرْعب تملكه , في الواقع ، أصبح الخيط مغطى بدم و شحم معدة الطائر !

هكذا تحقق النسر من الرجل الذي أعطاه الطُعْم .حينما ، للمرة الثانية ، ناوله الجار لحم أرنب ، امتنع الطائر عن أكله . تقدم جار آخر ومن جديد مكورة من خيط القنب المنقوعة في زيت الجلجان ... من بعد ، لم يثق الطائر في أي أحد ورفض الأكل . عندئذ تقدم سيده العجوز مظهرا الرأفة به . فتح الجارح منقاره و ألقى له سيده العجوز "زهامولين" قطعا من لحم الكبش الدامية . مذاق لذيذ انتقل إلى دماغ النسر الذي عارفا الجميل،اتخذ منذ ذلك الوقت سيده كمنقذ.هكذا تحوّل هذا النسر الفتي المتوحش إلى نسر صيد لَيّن العريكة. كل يوم يرافق سيده إلى الصيد ، حاملا الأرانب ، و الضغا بيس و السراعيب .

كلما أحس بالمزيد من الجوع ، كلما أسرع في العودة إلى المنزل ؛ لأنه لم يعد يثق إلا في وجبة غداء سيده ، الذي من ناحيته، يحرص كل الحرص على ألا يُقدم له مكورة من خيط القنب أبدا.

مات نسر الصياد "زهامولين" القديم من الشيخوخة، ميتة طبيعية،وبيع إلى أحد المتاحف. كاتِبُ السيناريو العجوز "تشين" الذي استرجع عافيته ، يبدو أنه استوعب شيئا ما. ومنذ ذلك الحين ، غادر السَّهْب الأكبر.





الرابط: le dressage de l’aigle de Zhao Danian , Revue XYZ, N . 42, Eté, 1995,P .53-56 Le dressage de l’aigle – XYZ. La revue de la nouvelle

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى