تواتيت نصرالدين - القصيدة المغلقة والقصيدة المفتوحة في الشعر العربي

يقول الدكتور سليمان إبراهيم العسكري في كتاب العربي في عدده الثاني والخمسين (52) الموسوم تحت عنوان جمال العربية وفي مقاله فيض من الشعر : (للشعر غواية وللقصيدة عاشقون أصدقها وأكذبها على حذ سواء، شريطة أن تكون عذبة ،فالحياة من غير شعر هي أرض جدباء ، والكلمات دون ايقاع موسيقى الشعر أشبه بوعاء فارغ.)1
وفي آخر مقدمته استوقفني رأيه في الشعر الحديث الذي يقول فيها : (ولا بد أن أختتم كلماتي بالأشياء التي تؤرقني في الشعر الحديث وهي قضية الغموض ولا أريد أن يفهم من كلماتي أنني أريد شعرا واضحا وبسيطا . فأنا أدرك أن الكثير من سحر الفن يكمن في غموضه ، كما أن الشاعر يحاول أن يعبر عن حالة نفسية مركبة ومعقدة وخوض نوع من بحث الشاعر المضني عن التجديد في المعنى لذا فهو يسلك دروبا هو نفسه لم يكتشفها ،أدرك كل هذا ولكن على الشعراء مثلما يحدث في كل الفنون أن يحرصوا على نوع من الإقتراب ومن التواصل بيننا وبينهم لا أن يسعوا إلى القطيعة )2 . ومن هذا المنطلق وتزكية لما ورد ذكره لا يسعنا إلا أن نقول : أن القصيدة التي لا تفهم ولا يدرك معناها أو جزء من معناها هي قصيدة مغلقة لا يمكن للمتلقي أن يستقبلها بل تجعله ينفر منها ويعزف عن قراءتها وإن كان هذا القاريء قاريئا جيدا فإنه يستحيل عليه فهمها وتحليلها والغوص في أغوارها مالم يعد إلى قراءتها وفق مناهج نقدية حديثة تعتمد على التأويل والتي قد تخطيء في كثير من الأحيان مالم يكن هناك صور شعرية تقود إلى معنى واضح وجليّ ، ومن هنا تبقى القصيدة مغلقة لا يمكنها أن تتجاوز قائلها ، ولا يمكنها أن تصل إلى المتلقي ومن هنا تفقد هويتها ونكهتها.
إنّ البحث عن التجديد في الشعر قد يقود إلى تخريب القصيدة وتخريب الشعر، وهذا ما أقره الأستاذ حمري بحري في مقال تحت عنوان الشعر من التجديد إلى التخريب ،مبديا رأيه فيما يكتب من شعر غير مفهوم وواضح المعاني مستهلا بقوله : (يبدو لي أن مرحلة التجديد في الشعر العربي التي انطلقت مع بداية النهضة وإلى غاية السبعينات من القرن الماضي قد إنتهت إلى مرحلة التخريب تخريب الشعر من الداخل ، بحيث تحولت القصيدة إلى كومة من كلمات لا تؤدي إلى أي معنى )3.
ومعنى هذاأن الإنتاج السائد في كثير من الأعمال الشعرية قد تنطبق عليه هذه المقولة وأن جل القصائد على هذا النحو هي قصائد مغلقة لا يمكن تقبلها من القاريء لبعدها عن روح الشعر .
إن القصائد التي عرفت بالمعلقات في العصر الجاهلي والقصائد التي عرفت بالشهرة عبر إمتداد العصور وإلى يومنا هذا من القصائد التي تترددعلى الألسنة هي قصائد مفتوحة غير مسيجة بأسلاك شائكة في تراكيبها ولغتها ومعانيها ستبقى قصائد حية تسري في عروقها روح الشعر وتعبق بالتعابير الجليلة والجميلة تأسر القاريء وتحلق به في ملكوت الكلمة الساحرة .
ومهما يكن فإن القصيدة المغلقة تبقى مغلقة وقد تقود الشعر إلى الموت بعزف المتلقي عن قراءته، أما القصيدة المفتوحة فهي القصيدة التي تنزل إلى المتلقي بلونها وطعمها في شكلها ومضمونها وتحدث التواصل بين المرسل والمرسل إليه ، وترقى بالشعر كفن ينبض بالحياة .
*****
تواتيت نصرالدين
الهوامش
*******
1- فيض من الشعر- د. سليمان إبراهيم العسكري - كتاب العربي العدد 52الصفحة 3
2-نفس المرجع الصفحة 5
3-من مقال للأديب والشاعر حمري بحري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى