عبد السلام بنعبد العالي - عقليتان سياسيتان متعارضتان

حينما صرح جورج بوش، وهو في طريقه الى افغانستان، بعد أن تلقى «رمية الحذاء»: «أتريدون وقائع، لقد كان مقاس الحذاء 10»، بدا وكأنه لم يدرك الدلالات «العميقة» لتلك «الرمية». أو لنقل انه بدا وكأنه لم ير في الحذاء الا معناه الأولي (دينوتاسيون) من غير أن يأبه بالمعاني الثانوية (كونوتاسيون) التي تصل الى حد منع المسلم من انتعاله داخل المساجد.
نقيض ذلك تماما ما أفصحت عنه ردود الفعل العربية في معظمها سواء في شوارع المدن الكبرى، أو على صفحات الجرائد والمجلات الالكترونية. معظم هذه الردود لم ير في»الرمية» الا معانيها الثانوية ودلالاتها الرمزية، بل ان منها ما ذهب الى اعتبارها فتحا تاريخيا، بل حدثا فاصلا بين تاريخين، واسترجاعا رمزيا للشهامة العربية.


قراءتان متعارضتان للحدث نفسه: قراءة «رقمية» لا تهمها الواقعة الا من حيث هي جزء من سلسلة من الوقائع تتوالد عن بعضها فتتمخض عن نتيجة عملية هي حصيلة التفاعل. وفي هذا، وفيه وحده يكون لها معنى أو لا يكون. ثم قراءة لا يهمها من الحدث الا غلافه «المعنوي» وبطانته الرمزية، لا يهمها الحدث الا من حيث هو يحقق وهماً ما لم يتحقق بالفعل.

هاتان القراءتان تفصحان عن ذهنيتين سياسيتين متعارضتين يمكن أن نطلق عليهما ذهنية « الدينوتاسيون»، وذهنية «الكونوتاسيون». الأولى «جافة» لا يهمها من السياسة الا الفعالية، ولا تقيس الفعل الا بما يتمخض عنه من نتائج: الحذاء عندها يؤدي وظيفة معينة ويتحدد بمقاس عددي. إن كانت له دلالات أخرى فهذا ليس مجالها. أما الذهنية الثانية فينصب اهتمامها أساسا على الكثافة اللحظية التي ينطوي عليها الفعل، وعلى ما قد تخلفه من انتشاء ينقلنا خارج الفعل، لا لنلمس نتائجه، وانما لنهيم بعيدا حيث تسكن الذكريات وتقطن الأحلام.



عبد السلام بنعبد العالي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى