عبد السلام بنعبد العالي - في الجينيالوجيا

يكتفي كثير من المترجمين العرب باللجوء إلى مفهوم النشأة والتكوين تعريبا لمفهوم الجينيالوجيا. وإذا كانت اللفظة تحيل بالفعل في اشتقاقها إلى التكوّن، فان التاريخ الجينيالوجي، كما تبلور عند صاحبه، يكاد يكون رد فعل ضد كل تاريخ تكويني يعتبر أن من شأن متابعة النشأة أن تمكننا من الوقوف على المحددات ورصد الهويات. قامت الجينيالوجيا لتثبت أن متابعة التطور لا تفي بالغرض، وأنها تدع الأساسي يفلت من قبضتها. وحدها العودة إلى الوراء تمكننا، لا من تحديد الهويات فحسب، بل تسمح لنا بتبيّن الاختلافات، والوقوف على التراتبات.

نعلم أن صاحب الجينيالوجيا يميز في هذا المفهوم بين مستويات ثلاثة:

تحليل مشخص للأعراض، تصبح الجينيالوجيا بفضله سيميولوجيا تؤول العلامات والدلائل تبعا للقوى الثاوية من ورائها. وهو ما يطلق عليه سمبتوماتولوجيا.

ثم إن الجينيالوجيا نوع من النمذجة typologie يؤول القوى انطلاقا من اعتبارها مجرد كيفيات فاعلة أو منفعلة.

وأخيرا تعود الجينيالوجيا بتلك الأعراض والنماذج إلى أصول تفاضلية، أي إلى أصول تؤسس تاريخ التراتبات القيمية وتحدد كيفيات ظهورها.

وهكذا لا تكتفي الجينيالوجيا بالوقوف على النشأة، وهي لا تقتصر على الوصف، وإنما تتساءل كيف تظهر التفاضلات والتفاوتات وكيف تزول وتختفي؟ كيف تتناوب القوى على المعاني وكيف تتملكها؟

لا تكتفي الجينيالوجيا برصد نشأة الهويات، وإنما تنشغل بمتابعة كيفية تولّد القيم، تلك الكيفية التي تتوقف على العنصر التفاضلي الذي يقسم العالم بموضوعاته ورموزه إلى تعارضات متفاوتة.

ما إن يسمع الجينيالوجي الحديث عن المعاني والقيم حتى يأخذ في البحث عن استراتيجيات الهيمنة والتسلط. إنه لا يرى في ذلك إلا لعبة إرادات. إلا أن هذه اللعبة ليست تقدما لعقل كوني، وإنما هي لعبة خاضعة لصدف الصراع.

لن يعود فهم التاريخ، والحالة هذه، رصد منطقه الكلي، وتحديد الغاية التي يسير نحوها. لن يعود متابعة لتكوّن المعنى، وإنما وضع اليد على مجموعة من القواعد التي لا تتمتع بأية دلالة مطلقة بهدف “فضح العملية التي يتم وفقها خلق المثل العليا”. ذلك أن هم الجينيالوجي ليس تاريخ الحقيقة، وسؤاله، كما بين دولوز، ليس من وما هو الصادق، وإنما من وما يوجد وراء حقيقة الأشياء ومن يعطيها قيمتها؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى