محمد الدفراوي - في الطريق إلي المكتبة

من غير سابق تعارف ، ألتقيتها في باحة الجامعة ، ترتدي الكستناء المطرز ، بوجه طفولي لايخبرك أكثر من ذلك ، تتجول في الضوء كالفراشات.
سألتها متقضبا : و أين المكتبة ؟
ترافقها ابتسامة مشذبة : عند منتصف النظر!
لا عليك ، سأرافقك حتى تصل.
شكرا لك !
على بعد خطوات ، دلفنا إلى بهو المكتبة، مدينة الشعاب كما اسميها ، حجمها أكبر من حجمي ، مزدحمة بالمقاعد و الطاولات ، قراء متناثرون و أرفف الكتب المغبرة ، ذات القيمة ، يجللها الصمت مرتين في اليوم على الأقل ، ليشكل بحالته حكاية وحش عملاق . تقول لك الأشياء الصغيرة كلها عن السعادة و البؤس و الفقر و الحب و الظلم و الحياة ، برهافة ، تغير الروح !
بنبرة هادئة : في رأسك كتاب ما؟
بفيه مفتوح ، هززته يمينا و يسارا!
إذا عليك بهذين الكتابين : أشهر أعمال والت وايتمان و تاريخ الفلسفة الغربية ثلاثة أجزاء .. الأول فريد من نوعه ، يسرب إليك الضجيج ، يفجر اللغة التي تتجول مثل سمكة التنين على حافة الديوان ، في جزء من الثانية يحول الصياد إلى فريسة ، وأما الكتاب الثاني بفكوك حادة عمرها أكثر من 400 عاما ، و طول كل سنة مترا واحدا ، قادر على استشعار الروائح و الإحساس بحركة الأفكار منذ آلاف السنين وضعتهما أمامي.
تستطيع أن تحصل على وجبة ليست تامة ، مكان زاخر بالفرص ، توميء قائلة : كن كما أكون!
تشعل النار في قلبي !
جذبت مقعدا مع شعاع الضوء ، أبحث عن طعام ، و فريسة مازلت لها جائعا ، أتصفح و أتصفح ، دون أن أفقد ميزة المباغتة ، أحدق ببصري من النافذة بتأمل نادر ، يوفر لي راحة هانئة لا أجدها في أي مكان آخر ، حجبة من مخلفات الوجوه.
أربكتني قراءة الصفحات ؛ و الكتب لا تربك أحدا!
أيعقل أنها أدركت ما بي ؟!
و قرأت شفرتي بهذا العمق العنيد ؟
ثاقبة النظر لا تطيل الخض قبل أن تضع يدها على الزبد!
أضيع العمر و لاأعرف نفسي جيدا ، تلهيني الأشياء الكثيرة.
استغرقني تقليب الصفحات ، أدير البحث الخرافي في رأسي عن تلك المرأة التي فقدتها اليوم ، ابتلعها اللاشيء ، القدر لا ينتظرني .. والأحلام لا تتكرر !
تركتني صغيرا !
رجوتها أن تقترب لأراها أكثر !

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى