نزار حسين راشد - لماذا يفلس الكتّاب ويتوارون إلى الظل؟

الأسماء كثيرة، ولا داعي للسّرد والجرد، ولكنّي سأحكي قصة لكاتبة توارت أخيراً إلى الظل، بعد ردح ونطح طويل ، اجترّت فيه إنتاجها القديم، فما السر؟
هل جفّت منابع الموهبة ونضب ماؤها؟ أم أن السرّ في استراتيجية خاطئة اتبعتها، وهل يحتاج الإبداع إلى تخطيط، أم أن موارد الإبداع المتمثّلة في الأحداث الجارية شحّت، أم هو رهاب التكرار، الذي يصاب به بعض الكتاب؟
بالنسبة لهذه الكاتبة ومن متابعتي وقراءتي لها، رأيت أنها أحادية الموضوع في مجمل إنتاجها الأدبي، وربما أن هذه الأحادية، هي التي أوصلتها إلى محطة الوقوف هذه، فقد ظلت تفيض وتفصّل وتعزف على وترٍ واحد بتنويعاتٍ مختلفة، تحت عنوان أنها صاحبة قضية، وبوضوحٍ أكثر أنها حملت قضايا المرأة في مجتمعنا العربي الذي تصفه بالذكورية، وبغض النظر عن أهلية وجدارة الموضوع أو عدالته، فإن القلم حين ينشدّ إلى بؤرة معينة، فإنه يسقط فيها كما يسقط الكوكب في ثقبٍ أسود، مصدراً ومضته الأخيرة.
وكما يقول كاتب أو شاعر فإن المواضيع ملقاة على قارعة الطريق، ولكن العبرة بمن يلتقطها، ويحولها بموهبته من المجانية، إلى منتج ثمين ونفيس
وهذه الحالة يمكن تعميمها بدرجة أو بأخرى على طائفة من الكتاب، الذين يلتصقون بالأيديولوجية السياسية، أو بقضية أحادية وينذرون أنفسهم لها ويسخّرون أقلامهم ويتفانون في هذا السبيل ، حتى يفنوا بالفعل وتكلّ أقلامهم أو تبرى إلى شظيّتها الأخيرة!
ويقال أن همنغواي انتحر، لأنه فقد الإلهام وغدا عاجزاً عن شحذ خياله أو تعبئته أو إلهاب حصانه!
وحين يفقد القاريء جمهوره وقرّاءه وبريقه، يسقط في حفرة الإكتئاب المظلمة وربما لا يخرج منها بعد ذلك أبداً.
فهل هناك بديل للكتابة في حياة الكاتب، كأن يصبح ناشطاً إجتماعياً، أو صديقاً للمناخ، أو رفيقاً للحيوان؟
نجوم السينما يفعلون ذلك، حين ينطفيء تألقهم أو يبهت ، فلماذا لا يفعل الكّتّاب ذلك؟
ولو أخذنا حالة صديقتنا الكاتبة، ففي شخصيتها نزعة نرجسيّة وأنانية مفرطة، وربما هذا هو حال المبدعين بدرجة أو بأخرى، ولعل من أبرز الأمثلة على مثل هذه النرجسية، في تاريخنا الأدبي: شاعرنا الكبير المتنبي، فقد تعلّق بأهداب السلاطين والحكام، وأراد أن يجعل نفسه جزءاً من هذه الأبهة التي ظن أنها استحقاق أو حق شخصي لمن هو في منزلته كشاعر ، وهذا موازٍ لأضواء الشهرة التي يلتمسها الكتاب، في زمننا المعاصر، حيث لم يعد يتسع بلاط الملوك لزحام الشعراء والكتاب.
على مستوى السلوك الشخصي والحياة الشخصية، فكاتبتنا عصابية، معظمة للنفس، وغيورة في جانبها الآخر ومصابة برهاب المنافسين، الذين سيسرقون منها الصولجان، الحقيقي أو الموهوم، وهي لم تتزوج ولم تكوّن عائلة، ربما عقب قصة حُبٍّ فاشلة، أو ربما منعها الغرور من أن تقترن بمن تظنه دونها، أو أنها ضنت بشهرتها وأضوائها أن تتقاسمها مع شخص آخر!
فهل هذه هي عقد الكتاب والمبدعين، وهل التوحد والتفرد هو نزعة مشتركة بينهم، بخلاف الصحفيين ونجوم السينما والإعلاميين والذين يحققون ذواتهم من خلال الآخرين، ومن خلال توسيع دائرة اجتماعهم وتواصلهم؟!
لا أخفيكم أنني نبشت في تاريخها واستعرضت صورها، جميلة بشكلٍ ملفت، ومن السهل أن تصبح قبلة للرجال ومهوى لقلوبهم، فهل يخفي هذا الحسن بروداً تولّد من تجربة شخصية، كقصة حبٍ فاشلة مثلاً؟
ربما!ا و ربما أنها اخلصت لمبدأ عدم الخضوع للذكر الذي هو موضوع اتهام في كتاباتها!
لقد عاشت مي زيادة حياتها في عزلة، وانتهت إلى مصحة عقلية وماتت هناك، بعد أن رفضت تودد الرجال وأبقتهم خارج حياتها. وأنا أشفق على كل امرأة من هذا المصير المؤلم أن تنتهي إليه!
فأنا في الحقيقة لا أعرف، ولو قيض لي أن أنصحها، لقلت : أكتبي تجربتك الشخصية مع الحب، مع الرجل، مع الوحدة، مع الغيرة، مع الصداقة، وضعي القضية العامة جانباً، فلو امتلكت الشجاعة ورويت تجربتك بصدق، فربما تكتب لك الحياة من جديد، وسيقرؤك النساء والرجال فنحن مجتمع مولع بكشف الأسرار والخفايا، ولا بد أنك قرأت " القناع" ليوكيو مشيما!
فلا تخجلي من كشف هذا القناع الذي اختبأت وراءه طويلاً!
فالمبدع دائماً شجاع ومغامر والكتابة أصلاً هي تحدٍ كبير، فادخلي فيه بلا تردد!

نزار حسين راشد
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى