علي لفته سعيد - الكتابة المتنوعة والقدرة على الإبداع

تبدو موضوعة الكتابة بين الاجناس الادبية تحمل مشكلاتها وأسئلتها التي تنطلق من اعتبارات التخصص أكثر منها اعتبارات الموهبة او الكتابة ذاتها.. ولهذا كثير ما يتم توجيه سؤال الى أديب عن جدوى الكتابة في مختلف الاجناس وخاصة تلك النقطة المشتركة ما بين السرد والشعر وقد يطاردها خط النقد ايضا وكأن الكتابة تخصص علمي دقيق مثل مراحل التاريخ التي يتم فيها التخصص الاكاديمي البحت في مختلف مراحله وحقبه حتى إذا سألت اكاديميا بدرجة بروفيسور عن مرحلة ما يجيبك انه ليس اختصاصه فهو اختصاص حقبة التاريخ الاندلسي مثلا.
ان الكتابة بحد ذاتها هي دخول الى روح فردوسية وتحليق ملائكي وممارسة ولع التخليق الذي لا يجيده إلا من خبر طرق ودروب وسبل اقتناء الحروف التي تمنحه هذا الدفق الكبير من الصعود الى أعلى مراحل المخيلة وانتهاج مرحلة اللاوعي لكي يدخل في دهاليزها ويضيء ما لم يتمكن أحد من قبله من إضاءته حتى لو كان مثله من صناع الأدب.
ان اغلب الادباء في العراق وعلى ما أعتقد في البلاد العربية بدأوا شعراء بحكم السلف الصالح الذي انتج وعيا شعريا اجتماعيا كإرث محكم ومقفل على استحقاق التاريخ وما أنتجته الحضارة الواعية وهذا الامر ربما جعل الكتابة الأخرى في مجال آخر لفئة إجناسية أخرى تبدو وكأنها عملية دخيلة أو غير مرضية، حتى ان الكثير من النقاد يذهبون الى ان التخصص سيجدد الابداع ولا يشتت الموهبة وان التخصص يجعل حكمة الاستمرار مرهونة بتطلع التجريب لماهية الكتابة وان التخصص يعني تطور منهجية ومنهاج الكتابة وغيرها من الاقوال التي يمكن صبها في دليل القرطاس الذي يتحكم في نوعية الحبر المراد الوصول إليه..
ان الكتابة هي علاقة أزلية بين الوعي والمخيلة بين الثقافة والممارسة بين الكتابة ومعناها بين حتى الكذب والالتزام به إذا أخذنا بحقيقة مقولة ان أعذب الشعر أكذبه ويمكن تسطيرها على كل الكتابات الأخرى لتكون أعذب الكتابة أكذبها.. ولهذا لا أعتقد ان من يطلق على السرد انه شباك يقع فيه الشعراء لان من يلج هذا العالم كلام يحمل منطقيته لأنه، أي الشاعر أو السارد مسكون بقدرة المخيلة قدرة التدوين ولا يمكن لشاعر ان اكون ساردا دون ان يمتلك الادوات التي تؤهله لذلك.. ولنا في الكثير من المبدعين العرب الذين تداخلت لديهم الاجناس الأدبية ليس في شكل الكتابة بل في تنوعها مثال ذلك الكاتب الكبير الراحل جبرا ابراهيم جبرا الذي انتج الشعر والرواية والقصة والنقد والرسم والترجمة ويقال حتى الموسيقى وقد نجح في جميعها لأنه مسكون بالموهبة والدربة والمطاوعة وتمكن من تنمية هذه المواهب لتتحول الى دربة ناضجة وحرفة واحتراف.. وكذلك نجيب محفوظ الذي كتب السيناريو هو شكل أو جنس أدبي آخر.. بمعنى ان العملية لا تعني اشباع هذه الفئة الادبية من تلك كما يريد البعض مساءلته بل هي تمكّن من أدوات الإنتاج ذاتها، وهي معرفة طرق الكتابة واستنهاض الفكرة ذاتها من انها لا يمكن تخليها شعرا او قصة بل رواية او انها لا يمكن ان تكون رواية بل قصة وكذلك بالنسبة للشعر..
ان الحرف هو اساس الموهبة ومن تمكن من مطاوعته واستلهام روحه تمكن من الكتابة بإبداع لان الكتابة لا تعني مجرد وصفها بل هي انتاج خلق جديد يساهم في صناعة الجمال..
ان الكتابة الواعية هي التي تحدد منهج القصد مثلما تحدد هدف التأويل.. وهذا ما أراه على المستوى الشخصي في كثير من الاحيان لا أجد الفكرة في راسي تكفيها قصيدة او ان ما فيها من ممكنات لا تتقبل ان تكون قصة قصيرة او ان اللغة التي تنتهجها لا تغادر شعريتها فيما يكون النقد علامة محصلة قرائية استغلت عنفوانها لتكون قادرة على انتاج النص النقدي الذي يعتمد على انتاج الاخرين
يمكن لي القول ان الكتابة تشبه غابة كبيرة يدخلها الكاتب/ الحطاب بحسب ما يحمله من أدوات وقدرة المخيلة ليعود بما حمله ليبوبه أمام ناره.. ولذا لا أعد ذلك وقوعا في شرك لان هناك ايضا اتهاما آخر من ان الكثير من الروائيين عادوا ليكتبوا الشعر ولذا فان الاتهام متبادل في وجود قصور لدى الروائي أو ان مخيلته نضبت فعاد الى الشعر او انه سلك طريق الشعر لسهولته.



* عن الصباح الجديد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى