أحمد جمال مدني - مخطوطةٌ قديمةٌ في جيبِ الغريب.. شعر

يا قِبلَةً
وحدي لها وَلَّيتُ
فرأيتُ
سرَّ الوحي ثَمَّ رأيتُ
غَنَّيتُ
باسمِكِ منذ أوَّلِ شهقَةٍ
للروحِ مُتَّسَعٌ
إذا غَنَّيتُ
أصغيتُ ..
صوتٌ لي يقولُ :
تجَلَّ في
ذاتِ المُحبِّ
فذُبتُ إذ أصغيتُ
صافحتُ
باسمِ الحُبِّ
نجمًا ساهرًا
وله عن السرِّ العظيمِ حَكَيتُ :
...................
في البَدْءِ لمْ تَكُنِ الكواكِبُ والنجومُ ،
الأرْضُ كانتْ وردةً
ذَبُلَتْ عَلَى كَفِّ انتظارٍ ما
فصارَتْ هكذا !
والحبُّ كانَ الماءَ في الصحراءِ
فاخْضَرَّتْ بلادٌ ،
واستَقَرَّ الناسُ وانْبَجَسَتْ عيونْ

مِنْ قَبلِ هذا الحبِّ
ما كانَ الوجودُ ودونَهُ ذَكَرَ المُؤرِّخُ
أنْ هذا الكونَ ما سيكونْ

الأرْضُ كانتْ لحْنَ سيمفونيةٍ خضراء
والأشْجَارُ موسيقى / تُرَابُ الأرْضِ حَلْوَى
ثُمَّ جاءَ الناسُ
فانسَفَكَتْ دماءٌ واستَقَرَّ الشرُّ
في نَفْسِ الجموعِ
وفازَ في الحرْبِ الكبيرةِ / مِنْ هنا
بَدَأتْ تفاصيلُ الحكايةِ
وانْتَهى عَصْرُ الحدائقِ
وابتَدَا عَصْرُ البنادقِ والجنونْ

وأنا وُلِدتُ كأيِّ طفلٍ في الجنوبِ
أبي تَمَنَّى
فالتَقاني كالربيعِ على يديهِ
وأنْجَبَتْ أمِّي غريبًا للحياةِ
الشمْسُ قدْ ألْقَتْ على جَسَدي
حرارَتَها فشَكَّلَتِ الملامِحَ
كنتُ مثلكَ يا أبي
أنتَ الذي عَلَّمْتني أنْ ألتقي
شمسَ الحياةِ ببسمةٍ
وزرعْتَ في صدري
حقولًا
قُلْتَ لي : كَمْ كنتَ يا ولدي
عنيدًا مثل هذا الصخْرِ مثلي
قُلْتَ لي : ستقودُ يا وَلَدي خُطايَ
فأنتَ ظهري
والحياةُ _ كما رأيتَ _ مريرةٌ
فاضْحَكْ لَها لو أحْزَنَتْكَ
وغِظْ قَسَاوَتَها وغَنِّي

قد قُلْتَ لي : سأكونُ قُرْبَكَ
خُنْتَ عَهْدَكَ يا أبي ورَحَلْتَ عَنِّي

وتَرَكْتني وحدي غريبًا يا أبي
وجَعُ الحياةِ أَمَرُّ مما قد تَصوَّرْتُ
استَرَحْتَ بغيمةٍ
وتركتني وحدي فلا فَرَحٌ
يدقُّ البابَ / لا صفصافةٌ أَلْقَتْ
عليَّ الظلَّ / لا أُفْقٌ ولا أرْضُ

لمْ يَبْقَ مِنِّي _ في غيابِكَ يا أبي _ كُلٌّ ولا بَعْضُ

قدْ غابَ وحْيٌ
وانْزَوَتْ زيتونةٌ
لمْ تورِقِ الأرْضُ الرياحينَ
استَقَالتْ بسْمَةٌ
ورأيتُ نَبْعَ الحُزنِ مِنِّي

ورَحَلْتُ عنْ أرْضِ الجنوبِ
معي حَكايا جَدّتي
ودموعُ أمِّي
والمواعيدُ الكثيرةُ والتَّمَنِّي

ألقيتُ يا أمِّي إليكِ
قميصَ أحلامي وغَنَّيتُ
اتجَهْتُ إليكِ / بُحْتُ بسرِّ هذا الوحي
رُحْتُ وفُحْتُ أزْهَارًا وصِحْتُ بما تَوَارى
ثَمَّ وارتَحْتُ انصهَرْتُ / شَرَحْتُ
ما أبديتُ / خَبَّأْتُ انكساري وانصهاري
وانطلقْتُ / تركْتُ خلفي
مُدْيَةً في قلبِ أُمِّي
فالغيابُ كما تَقولُ :
كَبَلْطَةٍ في الرأْسِ يا وَلدي
فَسِرْ
يَحْميكَ رَبُّكَ مِنْكَ
منْ شَرِّ الزمانِ من الصَّبَايا كُنْ قَويَّا

لو مَرَّةً
ضاقَتْ بكَ الأرْضُ
استرحْ _ يا قَلْبَ أُمِّكَ _ وانتَصِرْ
أو عُدْ إليَّا

في رحْلَةِ العُمرِ البعيدةِ
ذُبْتُ يا أُمِّي
طُحِنْتُ كَقَمْحِنا
ألْقَتْ مَحَطَّاتُ البلادِ خُطَايَ
مِنْ تَعَبٍ إلى تَعَبٍ
ومِنْ وَجَعٍ إلى وَجَعٍ
وأعْجَبُ أنني ما زلْتُ حَيَّا

في رحْلَةِ العُمْرِ البعيدةِ
لمْ أجدْ حِضْنًا يُضايفُني
ولا مَسَحَتْ دموعي كَفُّ شَخْصٍ
فالمُعاناةُ استَقَرَّتْ في دمي
وَجَعُ الكتابةِ / غُرْبَةُ النَّفْسِ
الْتَقيتُ مَرارَةً
أسندتُ رأسي فوقَ أُغْنيةٍ ونُحْتُ
رَسَمتُ للفقراءِ قصرًا
وانسَكَبْتُ بحُزْنِهم
ألقيتُ فَوقَ عَرَائهِمْ بَعْضَ الورودِ
ولَحْنَ أغنيةٍ وغَنَّيْنا مَعَا

في رِحْلَةِ العُمْرِ البعيدةِ
كنتُ أطوي النيلَ في جيبي
وحِضْني واسِعٌ
ليَضُمَّ كُلَّ الكونِ / أمْسَحُ عنْ
عيونِ الناسِ هذي الأدْمُعَا

في رِحْلَةِ العُمْرِ البعيدةِ
قدْ عَرَفْتُ الحبَّ ثَمَّ عَرَفْتُ
واتَّسَعَ المَدى
سَمَّيْتُهُ وَحْيًا ولمْ أجعلْ له يومًا سَميَّا

وهنا
التقيتُكِ _ يا قريبةُ _ كالرسالةِ
حينما تَجِدُ النَّبيَّا

فاخْضوضرتْ تلك الخُطَى
ونسيتُ ما يُنْسى
إذا دَخَلَ الفؤادَ الحبُّ
وانفَرَطَتْ عيوني مثلَ مِسْبَحَةٍ
كدرويشٍ بحضرَتِهِ اعتَرَاهُ الحبُّ
وانبَلَجَ الضحى

مِنْ بعدِ أنْ كَتَبَ الزمانُ
الحُزنَ في قلبي مَحَى

وكأنني أخْرَجْتُ قلبي سالمًا
مِنْ بينِ أسنانِ الرَّحَى

وكأنَّ هذا الجسْمَ
بعد الموتِ _ يا عُمْري _ صَحَا

في حَضرَةِ الحُبِّ
انبَرَتْ أوجاعُنا وتَنَفَّسَتْ أفْراحُنا

وفَتَحْتُ قلبي كالمزارِ وحَلَّقَتْ أرواحُنا

وكأنَّ سوسَنَةً زرعتُ
فأخرجَتْ هذا الشَّذا

وهنا ذَكَرْتُ بأنَّ هذي الأرضَ
كانتْ وردةً
ذَبُلَتْ على كَفِّ انتظارٍ ما
فصارتْ هكذا !!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
من ديوان "قادمٌ من أقاصي الحنين"
29/10/2015

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى