مزمل الباقر - ما بعد تحرير أسعار الوقود في السودان

• ربما شكل نهار الأربعاء 28 أكتوبر 2020م الإعلان الرسمي لتطبيق القرار الصادر عن وزارة المالية والإقتصاد الوطني بالخرطوم والذي أقر بتحرير سعر لتر الوقود ليتأثر في إرتفاعه وإنخفاضه بسعر برميل النفط في العالم. ليصبح سعر لتر البنزين 120 جنيه سودانياً في حين أن سعر لتر الجازولين 107 جنيه سودانياً . فيما أبقى القرار على سعر وقود مدعوم في طلمبات محددة بواقع 56 جنيه سودانياً للتر البنزين و46 جنيه سودانياً للتر الجازولين.
• قبل أن يطبق هذا القرار فعلياً بيوم واحد فقط، إنتشر تصريح منسوب لوزارة المالية عبر عدد من صحف الخرطوم ، إن لم يكن جميع الصحف. هو تصريح تطميني – إن جاز لي التعبير – يوضح أن الوزارة سوف تراقب عملية توفير حصة الوقود لكل الطلمبات داخل ولاية الخرطوم وفي الولايات كذلك.
• خلال أول أسبوع من تطبيق قرار تحرير أسعار الوقود كان هنالك إزدحاماً ملحوظاً في محطات الوقود سواء كان سعر الوقود مدعوماً أو حراًـ صاحبه إنعدام التنظيم لصفوف المركبات حيث هنالك مركبات وأشخاص يتحصلون على الوقود من خارج هذه الصفوف بعد دفع مبلغ مالي إضافي.
• في الإسبوع الثاني للقرار لوحظ أن الإزدحام قد قل كثيراً – ليس حول الطلمبات التي تبيع الوقود الحر فقط، وإنما بطلمبات الوقود المدعوم أيضاً – وظهر تنظيم واضح لطريقة الحصول على الوقود. حيث قل عدد الأشخاص الذين يشترون الوقود من خارج تلك الصفوف بعد إضافة رشوة للعامل الذين يقف لتزويد المركبات بالوقود، وقد تكون تلك الرشوة بعلم صاحب الطلمبة نفسه وربما تكون بدون عمله.
هل قضت هذه الزيادة على السوق الأسود ؟ :
• يقول صناع القرار في الحكومة الإنتقالية بالسودان عبر تصريحات صحفية على لسان وزارة المالية والإقتصاد الوطني أن الغرض من تحرير أسعار الوقود هو القضاء تماماً على السوق الأسود.
• لكن المراقبين ورجل الشارع البسيط كذلك يلحظ أنه لم يتم القضاء علي السوق الأسود تماماً ، وإن قل بعض الشئ. ومرجع ذلك لوجود سعرين للوقود أحدهما حر والآخر مدعوم، خلق زيادة في الطلب على الوقود المدعوم. وترتب على ذلك الطلب أن من كان يتاجر في سلعة الوقود بسبب أن
جالون البنزين - ( الجالون بالنظام الإنجليزي يعادل أربعة لتر ونصف اللتر ) – من داخل الطلمبة ب126 جنيهاً ليقوم ببيعه بمليون ونصف المليون، وفي بعض المناطق يباع بمليونين. مع العلم أن سعر الجالون في السوق الأسود نفسه قد تدرج من خمسمائة جنيه ليصل إلى إثنا مليون
في أقل من ثلاثة أسابيع مع تزايد الإقبال عليه ممن لا يودون الإنتظار في صفوف المركبات أمام المحطات بالساعات للتزود بالوقود والذي قد ينفد قبل أن تصل سيارته أمام عامل الطلمبة لتعبئتها بالبنزين أو الجازولين.
• بسبب وجود سعرين لجالون الوقود (( جالون البنزين المدعوم ب 250 جنيهاً يقابله جالون بنزين حر بمبلغ 540 جنيهاً ) ، واصل مستغلي حوائج المواطنين وتجار الأزمات، بيع الوقود خارج الطلمبة في السوق الأسود وإن كانت نسبة الفائدة التي تعود عليهم ليست كما السابق.
• وربما يزيد من جشع تلك الفئة ما تداولته الوسائط قبل أيام من أن منشوراً منسوباً لوزارة المالية والإقتصاد الوطني - لم يتأكد كاتب هذه السطور من صحته - يعلن عن تعديل لتر البنزين الحر من 120 ليصبح 130 جنيهاً ( أي 585 جنياً للجالون الواحد ) لأن أصحاب تلك الطلمبات التي تبيع
الوقود بعد تحرير سعره ، قد شكوا من قلة الإقبال علي محطاتهم وتفضيل معظم أصحاب السيارات الإصطفاف لعدة ساعات في طلمبات الوقود المدعوم عوضاً عن الوقوف برهة من الزمن بالصفوف القصيرة جداً أمام طلمبات الوقود الحر، وفي أحايين تندعم الصفوف تماماً في تلك
الطلمبات ذات الوقود الحر ، ويكون مدة الإنتظار بضع دقائق بجوار عامل الطلمبة تكفي لتعبئة المركبة بالوقود.
الأعراض الجانبية لتحرير سعر الوقود:
• أي تعديل في سعر الوقود – وإن شئت الدقة – أي زيادة في سعره، تقابلها زيادة في أسعار السلع وتعرفة المواصلات ( سواء كانت عامة أو سيارات أجرة ) وكذلك زيادة تكاليف الإنتاج في القطاع الصناعي من جهة والقطاعيين الزراعي والحيواني.
• وليس ببعيد عن الأذهان إنتفاضة جزء مقدر من الشعب السوداني - قبل سنوات قلائل - على نظام المخلوع عمر البشير عندما قام بزيادة سعر لتر الوقود، لأن تلك الزيادة كانت تتناسب طردياً مع أسعار السلع وتعرفة المواصلات وكذلك تكاليف الإنتاج . وأذكر أنه في خلال يومين من تلك الزيادة
في أسعار الوقود زادت تعرفة المواصلات وأسعار الدواء وتكلفة الإنتاج في القطاع الصناعي وبالمثل كانت هنالك زيادة في تكلفة الإنتاج الزراعي والحيواني. و ( ما أشبه الليلة بالبارحة ) حيث قرر أصحاب المركبات بين عشية وضحاها ومن تلقاء أنفسهم زيادة تعرفة المواصلات بزيادة عشرين جنيهاً وذلك قبل أن يصدر بياناً عن هيئة النقل والمواصلات يحدد تعرفة للراكب.
• آخذين بالإعتبار أنه وقبل هذه الزيادة في أسعار الوقود كان هنالك سلوكاً سيئاً قد إنتشر في أخر سنوات المخلوع عمر البشير ولازال موجوداً وهو أن أصحاب المركبات العامة في الفترة المسائية يحملون الركاب بسعر مختلف من السعر الذي يتحصلون عليه الفترات الصباحية وما بعد الظهيرة لتصبح التعرفة مضاعفة.
تقليل التناسب الطردي :
• في إعتقادي لابد من قرارات حكومية تقلل من ذلك التناسب الطردي بين تحرير أسعار الوقود وتحرير السوق – إن جاز التعبير - هذه القرارات تعمل على التقليل من الأثار الجانبية لهذه السياسة التحريرية، تلحق بآلية تعمل على تنفيذ هذه الإصلاحات ومراقبة تطبيقها على أرض الواقع.
• أولى هذه القرارات أن تكون هنالك تسعيرة محددة لكل السلع والمنتجات، تفرضها الحكومة الإنتقالية عبر جهاتها المسؤولة بهذا الشأن، تلزم بها جميع التجار والمنتجين مع تفعيل قانون يجرم من يخالف ذلك القرار بعقوبة رادعة تجد طريقها للتنفيذ وليست عقوبة تتلى بمؤتمر صحفي عبر منبر
وكالة السودان للأنباء ( سونا ) ويستثنى عند تطبيقها أصحاب النفوذ والحظوة ومن هم في معيتهم.
• ولابد عند إقرار تسعيرة موحدة للسلع والمنتجات أن يقابل ذلك إعفاءات جمركية وإعفاءات ضريبة أيضاً ، حتى لا يتضرر المنتجين والموردين والتجار من هذا القرار.
• ومثلما ذهبت في مقال سابق بأن تدفع وزارة التجارة بموظفين متخفين في شكل زبائن لمحطات التزود بالوقود والمخابز. يمكن للوزارة أن تفذ نفس القرار الرقابي – إن جاز لي التعبير – في الأسواق التقليدية وفي المولات وبداخل المواصلات العامة (1 ) .
• قد تحتاج وزارة التجارة أن تقوم بفتح فرص للخريجين والعاطلين عن العمل على حد سواء ، لكي يقوموا بهذه المهمة، وبالتالي يحتاج هذا القرار للتنسيق مع وزارة المالية والإقتصاد الوطني لتخصيص ميزانية إضافية لتلك لوزارة لدفع رواتب أولئك الموظفين الجدد.
• وللحد من جشع التجار والمستثمرين والمنتجين وغيرهم، لابد من التنسيق بين وزارة الداخلية ووزارة الإعلام حتى تتمكن الأخيرة عبر مكتبها الصحفي من تزود الصحف من حين لآخر بخبر القبض على مخالف للتسعيرة، أو خبر توقيع عقوبة بالسجن لمدة معلومة على صاحب مركبة عامة أقل ركاباً بتعرفة أكثر من التعرفة المحددة من قبل هيئة النقل والمواصلات.
• وفيما يتعلق بالمواطن لابد من إقرار زيادة في مرتبات الموظفات والموظفين لردم الهوة بين إحتياجات الأسر وأسعار المنتجات والسلع مع دعم السلع والمواد التموينية وتوفيرها في مراكز بعينها داخل الأحياء تصرف شهرياً ببطاقات تحمل أسم شخص عن كل أسرة.
أمدرمان في 8 نوفمبر 2020م




حاشية:
( 1 ) قليلاً من الرقابة يا حكومة الثورة – مزمل الباقر – موقع الأنطولوجيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى