أدب ساخر د. عبد القادر وساط (أبو سلمى) - من رسائل شجرة الدر إلى الناقد الرباعي المقيم في هولندة

تحياتي أيها الفاسق،
أرجو أن تكون بخير في أرض الغربة، في عاصمة البلاد المُنْفَخِذَة.
لقد كان عليك أن تبقى في الدار البيضاء، في هذا الزمن الكوروني، لكنك قررتَ الرحيل وأنا قبلتُ ذلك على بَضَض.
إنك إنسان عنيد، لا تفعل سوى ما يقوله لك دماغك، فالدماغ هو ثاني الأعضاء المفضلة لديك.
الحياة هنا تستمر. الشوارعُ مليئة بالناس والجرائدُ مليئة بجرائم القتل، وعلى أية حال، فالجريمة موجودة منذ عهد آدم، منذ أنْ قَتَلَ صلاح قابيل أخاه هابيل!
الكوڤيد أيضا موجود منذ القديم. فقد أخبرتنا السيدة الرئيسة أن الكِتاب الذي كان مقررا عليهم في الثانوي، في اللغة الفرنسية، كان هو كتاب"تَحَوُّلات كُوڤِيدْ."
كما أكدت لنا رئيستُنا الخالدة أن كلمة الڤيروس قديمة جدا، والدليل على ذلك أن معجم القاموس المحيط هو من تأليف الڤيرُوسْ أبَادِي!
وأخبرك أن رئيستنا الخالدة قد أصيبت في الوقت نفسه بالزائدة الدَّاوْدِية، وبڤيروس كورونا! وظنّ الجميع أنها ستلقى حَذْفَها وأنها ستَرْفُضُ أنفاسَها الأخيرة، لكنها نجَت بأعجوبة وهي الآن تمر بمرحلة نَهَاقة. وبعد أيام معدودة تقف على رجليها وتمشي متبخترة، كأنها الملكة ليرة زوجة الملك لير! وسوف تستأنف نشاطها المعتاد، من أجل النهود بالثقافة في هذا البلد.
ما أروع السيدة الرئيسة! لقد حكت لنا البارحة أنها نجت في شبابها من الحمى الإسبانية والحمى المالطية، فكيف لا تنجو من الحمى الصينية؟
وهناك من يزعم أنها نجت أيضا من حمى المالْ آريا، التي أودت بحياة داندي والإسكندر المأذوني.
وعلى ذكر كورونا، فقد استبشرنا خيرا حين اكتشف عالِمان تركيان لقاحا لهذا المرض. وكما يقول المثل: كم حاجَة قضيناها بتُركها!
أما أخباري أنا فسوف أحدثك عنها في الرسالة القادمة.

***

- من رسائل شجرة الدر إلى صديقها الناقد الرباعي المقيم في هولندة

تحياتي أيها الفاسق،
أرجو أن تكون بخير في مدينة أمستردام، بالأراضي المُنْفَخِذَة.
لقد كان عليك أن تبقى في الدار البيضاء، في هذا الزمن الكوروني، لكنك قررتَ الرحيل وأنا قبلتُ ذلك على بَضَض.
إنك إنسان عنيد، لا تفعل سوى ما يقوله لك دماغك، لأن الدماغ هو ثاني الأعضاء المفضلة لديك.
الحياة هنا تستمر. الشوارعُ مليئة بالناس والجرائدُ مليئة بجرائم القتل، وعلى أية حال، فالجريمة موجودة منذ عهد آدم، منذ قَتَلَ صلاح قابيل أخاه هابيل!
كوڤيد أيضا كان موجوداً منذ القديم. فقد أخبرتنا السيدة الرئيسة أن الكِتاب الذي كان مقررا لديهم في الثانوي هو كتاب "التَّحَوُّلات" لِكُوڤِيدْ. وهي لا تزال تحفظ العبارة الأولى من ذلك الكتاب القديم:
"الآن أبدأ نشيدي عن الأشياء والأجسام التي تَظهر في أشكال جديدة."
كما أكدت لنا رئيستُنا الخالدة أن كلمة الڤيروس قديمة جدا، والدليل على ذلك أن معجم القاموس المحيط هو من تأليف الڤيرُوسْ أبَادِي!
وأخبرك أن السيدة الرئيسة قد أصيبت في وقت واحد بالزائدة الدَّاوْدِية وبڤيروس كورونا! وظنّ الجميع أنها ستلقى حَذْفَها وأنها ستَرْفُضُ أنفاسَها الأخيرة، خصوصا أنها تعاني أيضا من تَجَمُّع الكبد. بل إن الغليوني الحقود سمعَ أنها ماتت، فرثاها رثاء ساخرا بقصيدة طويلة على وزن جارة الوادي، أتذكر منها هذا البيت:
وأخافُ إنْ غَيّرتِ رأيكِ فجأةً
أنْ تَرجعي للعيش بعد هلاكِ!
لكن رئيستنا صمدَتْ، ولله الحمد، وهي الآن تمر بمرحلة نَهَاقة. وبعد أيام معدودة تقف على رجليها وتمشي متبخترة، كأنها الملكة ليرة زوجة الملك لير! وسوف تستأنف نشاطها المعتاد، من أجل النهود بالثقافة في هذا البلد. أما بخصوص الإبداع، فهي ستكتفي بكتابة الخواطير (بمعدل خطيرة واحدة في اليوم.)
ما أروع السيدة الرئيسة! لقد حكت لنا أنها نجت في شبابها من الحمى الإسبانية والحمى المكسيكية والحمى المالطية، فكيف لا تنجو اليوم من الحمى الصينية؟
وقد أكدت لي صديقتي فيفي، القاصة القصيرة جدا، أن السيدة الرئيسة أفلَتَتْ في صباها من حُمّى المُصَنْقَعات. تلك الحمى التي أودت بحياة الإيطالي دانْتي، مؤلف "نُجوم الكوميديا"، كما أودت قبله بحياة الإسكندر المأذوني.
وعلى ذكر كورونا، فقد استبشرنا خيرا حين اكتشف عالِمان تركيان لقاحا لهذا المرض. وكما يقول المثل: كم حاجَة قضيناها بتُركها!
أما العرَب الهاربة والعرب المستهربة ، فلا يعول عليهم في هذا المجال. وكما قلتَ لي، ذات يوم، أيها الفاسق الخبيث، فالبُلدان العربية تُفَرِّقُ بينها اللغة المشتركة والتاريخ المشترك! إن الشغل الوحيد للعرب هو النحو ودراسة المَواسخ الفعلية والمَواسخ الحرفية والفاعل والمفعول به. ومنهم من يَحتجّ لأننا نتحدث دائما عن الفاعل السياسي، دون أدنى إشارة إلى المفعول به السياسي!
هذا ما كنت أريد أن أحدثك عنه في هذه الرسالة، أما أخباري أنا، فسوف تأتيك في الرسالة القادمة.


--------------------------------------------------------
الرسم أسفله: الناقد الرباعي قبل هجرته إلى هولندة
(بريشة صديقه: عبدالقادر وساط)
L’image contient peut-être : 1 personne, dessin


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى