أمل الكردفاني- شوبان

يغوص شوبان داخل عروق الجثث المتجمدة، في مارشه الجنائزي لا يبكي البطل، بل يصور مجازر الحرب..ومن خلال تلك المجازر يتحدث عن رجال ..يتحدث عن أبطال دون أن يشير إلى ذلك..فالبطولة لا تأتي إلا من الهول العظيم..ثم تعلو الموسيقى، ثم تهبط (أذ لا يجوز أن يُلغي النصر عطر الدماء فجأة)..). لينتقل بعدها إلى صورة حديقة غناء مسالمة..موسيقى رومانسية..شاب وشابة وسط بستان من الزهور والأشجار الغناء..جالسان متفيئان الظلال فيلتقط الشاب بشفتيه قطرة ندى من على ظهر كف الفتاة الرقيق. تحلق الفراشات وينغمر الكون بالألوان، فكأنما تحقق الثمن الذي دفعه الأبطال بلحظة الحب هذي.
ولكن..
يعود المارشال لطبيعته الأولى، فينغرس بين أظافر الجنود المسودة من الوحل، ياقاتهم المتعفنة، أحذيتهم اللزجة من الداخل والخارج والمطر الرمادي يعتم عيونهم المكفهرة الغاضبة الجزعة..يؤكد شوبان بأنه لا سلام دائم ولا حرب دائمة..وقد يؤكد تكرار التاريخ، وحتمية الفناء، وضرورة البحث عن معنى للحياة في مآقي الموتى البيضاء...
ليس بالضرورة ولا من الأهمية ان يكون ذلك ما قصده شوبان بالفعل. إن المسألة ليس تأويلاً لنص أدبي، فالنص الموسيقي لا يُأوَّل تأويلَ النص اللغوي، بل يُأول شعورياً. وهو ككل النصوص، يعد معناه مُرجأً. مُرجأً كالأمل إلى الأبد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى