علي نويّر - سماء ٌ شاهقة ٌ.. ودُخان

هل كانوا شُهُباً
هبطت في غير أوانٍ
فاشتعلتْ ،
وأضاءتْ ،
وخَبَتْ ؟
هل كانوا عشّاقاً للتحليق العالي ؟
أم كانوا أخوة َيوسف َ
لا يعقوب َ لهم ،
لا فرعون َ ولا قارون ،
لا كَيلَ ولا مكيال ،
مطرودين من الجنّةِ ،
مطرودين من الحانات ؟
.
لم يبق َلهم
من هذا الليلِ
سوى خيطِ ثُمالتهِ ،
لم يبقَ لهم
من هذا العمر ( الفاهي )
غير عشاءٍ بائت ،
وأغانٍ
ما عادت تُطرِبُ أحداً ،
لم يبقَ لهم
غير دِنانٍ فارغةٍ ،
وسماءٍ شاهقةٍ ،
إلّا من سُحُبٍ كاذبةٍ ،
ودُخان .
والذاكرة ُ المعطوبة ُ تنزف ُ
مازالت
عند حدود الوهم الأولى
تتأمّل طفل َالحارات .
.
كانوا شُهُباً
صاروا في " الحبّوبي " *
والبصرةِ ،
في نفقِ التحريرِ ،
وساحتهِ :
شهداء َوجرحى .
.
كيف تُصدّقُ أمّ ٌ ثكلى
بحكايتنا المطعونةِ والموهومةِ :
أنّ فتاها ليس سوى وهمِ شهابٍ
مرّ وغاب ؟
كيف تصدّق ُ :
أنّ حصادَ العمرِ رماد ٌ لا أكثر ؟
كيف تُصدّق أنّ القاتلَ ، مدفوعَ الأجرِ ،
جلالتهُ مازال يمارسُ عادتَه ُ في العيشِ ، وفي القتلِ معاً ؟
مازال هنا بين الناس ،
أو يتسكّع في أوربا ؟
.
كيف لنا أن نرضى بالمقسوم
ولقمتنا زقّوم ؟
كيف لنا أن نحيا في وطنٍ لا شيء لنا فيهِ سوى القبر ؟
.
هل كان الشهداء على وعد اللُقيا
في زمنٍ آخرَ ،
في أرضٍ أخرى ؟
.
هل كان " السرّايُ " وحيداً في الشارع ؟ **
هل ميّزَ بين الكاتم والمكتوم ؟
أو بين هدير الرايات ؟
.
في أقصى هَدأتهِ
عدّل َهيأتَهُ ،
عَبَرَ الشارعَ كي يلحقَ بالرَكْبِ ،
ولم يعرف أنّ الرميَة َ تمّتْ .
من أينَ لهُ أن يعرفَ سِرَّ المقذوفِ القادم ،
والعابرِ من بين ( الخوذات ) ؟
.
الذاكرة ُ الآنَ اشتعلتْ
ثمَّ انطفأت
لا شيءَ سوى جسدٍ ذاوٍ ،
وبلادٍ تتهاوى
وسْطَ نداء ( الباعةِ ) ،
و الندّابات .
.
.
علي نوير

٤ / ١٢ / ٢٠٢٠



______________
* ساحة الحبّوبي في مدينة الناصرية ، من أهم معاقل انتفاضة تشرين .
** " السرّاي " من شهداء الانتفاضة في ساحة التحرير ببغداد .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى