د. نصير الحسيني - هادي جبارة الحلي.. رائد المسرح الشعري الشعبي في العراق

دَأبَ الأستاذ الدكتور علي محمد هادي الربيعي على مهنة القنص مثل أي صيادٍ ماهر، يبحث عن طريدة فريدة، فارّة أو نادرة ومن ثم يتتبع أثرها، ومختص بالطرائد التي لم يسلط الضوء عليها غيره من قبل، أو ربما غفل عنها غيره من الباحثين رغم وجودها بيننا، ثم يلتقط الخيط ويتتبع الأثر من خلال ما تيسر له من كتب في مكتبته الخاصة التي يقول عنها: إنها تضم نوادر الكتب والصحف التي جمعها من خلال جهدٍ دؤوب لا يكل ولا يمل منه، وزد على ذلك أنه أصدر عدة إصدارات تجاوزت الخمسة والعشرين مؤلفاً جمع فيها شتى أنواع المواضيع التي تسلط الضوء على المسرح وسواه فيما يخص إهتماماته، فضلاً عن هواياته المتعددة في مجالات شتى، وغير ذلك من الخط وأشكاله وأنواعه، ثم تفنن في سواها من الهوايات التي تلتف حول اختصاصه وتتعداه، مما يلفت النظر إلى ذلك ويزيدك اعجاباً إضافة إلى براعته في جوانب أخرى من الحياة.
من ضمن إصدارات مهرجان تمصير الحلة السادس لعام 2020م جاء منجزه الذي حمل الرقم (12) من كتب المهرجان كتاب (هادي جبارة الحلي رائد المسرح الشعري الشعبي في العراق... دراسة ونصوص) الذي أهداه إلى زينب وزكريا وصبا.
جاء في المقدمة: بداءةً أقول: "مقصدان قصدتهما من هذا الكتاب: أولهما غياب الدراسات والأبحاث عن مسرح الشعر الشعبي في العراق مع وجود العديد من الدراسات والأبحاث في المسرح الشعري الفصيح"، وهنا يشير إلى مربط الفرس في سبب الأغفال عند النخبة من الباحثين في المسرح الشعبي الذي تجسد فيما إقتفاه من أثر لذلك عند هادي جبارة بالرغم من أن "الشعر الشعبي ضرب من ضروب الآداب الشعبية التي عرفها العراقيون والعراق عبر فوات الأيام" كما يقول الربيعي.
يتناول الدكتور الربيعي في الفصل الأول من كتابه الشعر الشعبي ومفاهيمه ويعلل ذلك إلى علو كعب اللغة العربية وثراء مفرداتها وعجز العامة عن مجاراتها. ثم يلتفت الربيعي إلى مدارس الشعر الشعبي الخمسة التي يبدأها بالكلاسيكية والكلاسيكية المتطورة ومدرسة الشعر الشعبي الحر ومدرسة ما بعد النوابية وأخيراً المدرسة الرمزية. ويعرج في الفصل الثاني من الكتاب إلى الشاعر هادي جبارة الحلي المولود عام 1920م مشيراً إلى الاختلاف في عام ولادته وربما المكان أيضاً، لكنه عاش في مدينة الحلة وأمضى طفولته فيها، وفي الثامنة من عمره ذهب إلى الكتاتيب حتى انتظم في الصف الثاني ابتدائي عام 1933م في المدرسة الغربية وبعدها دخل المتوسطة، ولأسباب خاصة ترك الدراسة وذهب إلى الزراعة ثم عين كاتباً في مديرية تربية الحلة حتى أحيل على التقاعد في العام 1982م بعنوان ملاحظ وتوفى رحمه الله عام 1996م ورثاه نخبة من الشعراء ومنهم الشاعر فرهود مكي الحاج علوان، حيث جاء في مطلع قصيدته:
أعددت من دمعي السخي مدادي وجعلت من شعري شعار حدادي
ما كنت أحسب أن تطول إقامتي حتى ترى عيناي نعش الهادي
كان هادي جبارة رحمه الله يكتب الشعر الشعبي متفاعلاً مع الأحداث التي واكبها بخطه الجميل، وأصدر الشاعر تسعة دواوين ذكرها الربيعي في منجزه وعرج على ثلاث مخطوطات أخرى، لكن المثير في منجز الشاعر ما كتبه من مسرحيات شعرية شعبية لَم يسلط الضوء عليها سابقاً، غير أن القناص الربيعي التقطها من قاع إرث الشاعر من خلال إطلاعه على تراث المرحوم الذي تيسر له عبر ابنه الفنان المسرحي ثائر هادي جبارة، والمسرحيات والتمثيليات على التوالي:
- مسرحية وضحة وصكب.
- هليل أو فرحة.
- تمثيلية شعرية.
- سعيده وراضي.
- تمثيلية شعرية.
- زهرة أو محسن.
استطاع الدكتور الربيعي أن يسلط الضوء ويؤشر إلى ريادة هذا الشاعر الحلي في المسرح الشعبي الذي غفل عنه كثير من الباحثين فضلاً عن مقدرة الشاعر في رسم الشخصيات المسرحية في اعماله واظهارها عبر تحولات درامية مختلفة. والربيعي من مواليد عام 1967م، دكتوراه فنون مسرحية/ كلية الفنون الجميلة، ودرس التاريخ، وهو باحث جاد ومتابع ولا يغفل عن شاردة أو واردة، وعدا ذلك يلتقط ما غفل عنه غيره فضلاص عن براعته في انتقاء المفردات عبر إذنٍ مسرحية متميزة، وفي الختام نبارك للدكتور علي محمد هادي الربيعي هذه الالتفاتة المهمة عبر منجزه القدير عن الشاعر هادي جبارة الحلي.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى