د. خالد محمد عبدالغني - السرد العربي المعاصر بين الرواية وسيناريو الفيلم السينمائي

يهدف هذا الكتاب الحالي "السرد العربي المعاصر بين الرواية وسيناريو الفيلم السينمائي: غايات وأدوات " للدكتور محمد عامر لتوضيح المقارنة بين الخطاب السردي الروائي، وبين الخطاب السينمائي المتمثل في سيناريو الفيلم، باعتبارهما مؤثرين في المجتمع العالمي عامة، والمجتمع العربي على وجه التحديد، حيث "إن الرواية ككل، ظاهرة متعددة الأسلوب واللسان والصوت، ويعثر المحلل فيها على بعض الوحدات الأسلوبية اللامتجانسة التي توجد، أحيانا، على مستويات لسانية مختلفة وخاضعة لقواعد لسانية متعددة".
فالرواية تشتمل على لغات اجتماعية متعددة ولهذا فالرواية هي التنوع الاجتماعي للغات، وأحيانا للغات والأصوات الفردية، تنوعا منظما أدبيا، وتقتضي المسلمات الضرورية بأن تنقسم اللغة القومية إلى لهجات اجتماعية، وتلفظ متصنع عند جماعة ما،ورطانات مهنية، ولغات للأجناس التعبيرية، وطرائق كلام بحسب الأجيال، والأعمار، والمدارس والسلطات والنوادي والموضات العابرة، وإلى لغات للأيام (بل الساعات) الاجتماعية والسياسية (كل يوم له شعاره وقاموسه ونبراته)، ويتحتم على كل لغة أن تنقسم داخليا وعند كل لحظة من وجودها التاريخي".
هذا يعني أن الرواية هي المحصلة اللغوية لكل ما يجري في المجتمع الذي كتبت فيه. بينما يأتي السيناريو قصة مصورة، ومن ثم فإن كتابة فيلم هى أشبه برواية قصة، ولذلك عليك أن تحرص في كتابة السيناريو، على إبقاء المتفرج منتبها على الدوام عبر إدخال لحظات من التشويق تتخللها لحظات أخرى من السكينة، أي عبر بناء حبكة لامعة جديرة أن تجعل من فيلمك أفضل فيلم ممكن، وهكذا يغدو العمل على البنية السردية لقصتك مرحلة جوهرية كي تعطي جهودك أكلها.
ولأن الرواية التي تتناول تفاصيل المجتمع تقصد فئة أو فئات قارئة تتناول العمل، فكذا السيناريو يكون له "جمهور مستهدف، إن ضمنا أو صراحة مجموعة معينة يريد العميل أن يزودها بالمعلومات وأن يؤثر فيها ويوحي إليها بأشياء، سواء كانوا طلبة في علوم الصف الثامن، أو اتحادات للمدرسين والآباء في الضواحي، أو صيادين للدب القطبي، أو مقاولين للتنقيب في حقول البترول. وقد تجد صعوبة في تحديد نوعية المتفرجين، لأن العميل قد يتصور وهو غارق في غروره أن فيلمه يهم كل فرد أو الجمهور العام.
وإذا كانت الرواية أو القصة سجلا لما يدور في المجتمع، حيث يستخدم الخطاب أشخاصا وأحداثا حقيقية أو وهمية "فإن القصة السينمائية عمل روائي مصمم للعرض في شكل فيلم سينمائي. والقصة السينمائية ذات الفاعلية والتأثير هي التي تجذب الجماهير إلى دور العرض، عندما يتم تنفيذها وتوزيعها، وغالبا ما يمكنها تحقيق هذا النجاح في مواجهة منافسة الأفلام الأخرى التي تعتمد على نجوم أكثر شهرة وعلى ميزانية أكبر وعلى قيمة إنتاجية أضخم وعلى حملة ترويج أوسع. إن القصة ذات الفاعلية والتأثير تنجح في هذا لاستخدامها عنصري الرغبة والخطر لخلق التوتر لدي المتفرجين. ويعني هذا أنها تهيئهم للحدث ثم تريحهم، وفقا لخطة موضوعة من قبل. إن الناس يقبلون على مشاهدة الأفلام لأنهم يجدون هذا التوتر، بين تدفقه وانحساره مبعثا على الإثارة والتنبيه والمتعة".
وحيث يعتمد السيناريو على تقديم الصورة المرئية فإن الخطاب الروائي يعتمد على اللغة التي تقدم صورة ذهنية من خلال السرد الروائي، وهو الطريقة التي يختارها المبدع أو الروائي ليقدم بها الحدث أو أحداث المتن الحكائي، ولهذا السرد أشكال كثيرة، تقليدية كالحكاية عن الماضي، تتم بضمير الغائب، كما هو الحال مع ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والمقامات بوجه عام، وجديدة تصطنع ضمير المخاطب أو ضمير المتكلم أو استخدام أشكال أخرى كالمناجاة الذاتية والاستباق والارتداد".
ولا تمتلك النظريات السردية التي نشأت حول الرواية تعريفا جامعا مانعا للرواية لكن التعريفات في مجملها ترى أن الرواية تتخذ لنفسها ألف وجه، وترتدي في هيئتها ألف رداء، وتتشكل أمام القاريء ألف شكل؛ مما يعسر تعريفها تعريفا جامعا مانعا. ذلك لأننا نلفى الرواية تشترك مع الأجناس الأدبية الأخرى بمقدار ما تتميز عنها بخصائصها الحميمة وأشكالها الصميمة، أما بالقياس إلى اشتراكها مع الحكاية والأسطورة؛ فلأن الرواية تغترف بشيء من النهم والجشع من هذين الجنسين الأدبيين العريقين".
فالرواية تستند إلى الأساطير استنادا كبيرا كما تعتبر الحكايات على اختلاف أنواعها مصدرا رئيسا من مصادر الرواية عبر تاريخها. "تدل كلمة الحكاية على المنطوق السردي، أي الخطاب الشفوي أو المكتوب الذي يضطلع برواية حدث أو سلسلة من الأحداث".
وهذا المنطوق سيشتمل على أحداث وأشخاص وأماكن، وهو يحتاج لمن يقوم بهذا الفعل، أعني فعل السرد، فكلمة الحكاية تدل "على حدث أيضا، غير أنه ليس البتة الحدث الذي يروى، بل هو الحدث الذي يقوم على أن شخصا ما يروي شيئا ما: إنه فعل السرد متناولا في حد ذاته".
أما من ناحية السيناريو فإن الصورة المرئية هي الأداة التي توصل الفعل، كما أن الكلمة في النص الروائي هي الأداة التي تمكن المتلقي من تناول الرواية، والعلاقة بين النص الروائي والسيناريو المأخوذ عن هذا النص هي علاقة اقتباس، فكاتب السيناريو يقتبس من الرواية اقتباسات سينمائية، "حتى أن قراءة مقطع معين من سيناريو فيلم تختلف كلية عن رؤيته مجسدا على الشاشة بالصورة، لأن الفكرة السينمائية مهما كان مصدرها مسرحية، رواية، حكاية، سلوكا...إلخ، تخضع لعديد من التعديلات عندما يتم تناولها إخراجيا، فالمضمون الدلالي التداولي سيعبر عنه بلغة بصرية تعتمد اللون والتقطيع والوسط وزاوية الرؤية والعرض والتقديم، مع ما تتطلبه هذه الأبعاد من تموقع معين للكاميرا في مكان خاص، هو في حد ذاته جزءا من الدلالة".
والنظر للصورة بغير الكلمات والأصوات المصاحبة سيحيل السينما إلى فوتوغرافيا صامتة، لكنه حينما يكتسب "مؤثرات صوتية خارجية متعددة الخواص الدلالية. هذه العملية التخليقية المتعددة الروافد والخواص غلغلت من لغة السينما في حياتنا الثقافية المعاصرة، وأثرت بالطريقة التي نرى بها الأشياء".
هذا يبين أن هناك اختلافا جذريا بين النص في الرواية والنص في السيناريو، لكن العلاقات بينهما قائمة منذ نشوء الفن السينمائي، وبعد اعتماد فن السينما على النص الروائي لأن "السرد بوصفه مفهوما أساسيا في ميدان الفن القصصي استأثر بعناية قصوى في تحديد دلالة المفهوم، وفي وصف المظاهر التي يكون عليها".
هذا يوضح أن السرد والسيناريو ليسا شقين في عمل واحد لكن كليهما فن له خصائصه التي تميزه عن الفنون الأخرى، وأن الاشتراك في الموضوع لا يعني التطابق بقدر ما يعني البحث عن الأداة المناسبة لتوضيح وجهة النظر، وهذا ما يجعل كلا الفنين يحمل فكرة أخلاقية أو اجتماعية أو غيرها، ولذا فالفيلم الذي يتم بناؤه بدون أية أفكار أخلاقية أو اجتماعية، لكن بالعاطفة، يكون عرضة للتشويه في مرآة التشويه لجمهور عرضه الأول، عندما يتم إطلاق الفيلم إلى الجمهور العام،يستطيع أن يتنفس، يمشي ويعيش، دورنا عندئذ هو أن نبني طاولة صلبة، لا أن نجعلها تدور، النجار لا يمكن أن يكون وسيطا والعكس بالعكس.
فالسينما بترتيبها الفن السابع، صاحبة هدف وغاية كما أن الرواية صاحبة هدف وغاية. والأهداف في الفنيين تتحدد حسب طبيعة كل عمل من خلال مضمونه وشكله، وتستهدف الدراسة المقارنة بين الفنيين باعتبار أن هناك علاقة اتصال بينهما تتمثل في اقتباس السينما من الرواية، وتأثر الرواية بالسينما كذلك، كما أن هناك علاقة انفصال كل فن منهما عن الآخر، فعلاقة الرواية بالسينما هي علاقة اتصال/ انفصال. ومن الجدير بالذكر أن الكتاب صادر عن دار يافي للنشر والتوزيع بالقاهرة 2020 .


د. خالد محمد عبدالغني



1615408701688.png




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى