عبدالوهاب پيراني - ذكرى ال 19 لرحيل الشاعر الكردي سيداي تيريز… شاعر الطبيعة وعاشق الجمال

الشاعر والشخصية المثقفة والوطنية ملا نايف حسو (1923_2002) والمعروف بلقبه سيداي تيريج (شعاع) يعد من أحد أهم أركان الشعر الكردي الكلاسيكي المعاصر وأحد أبرز الشعراء الكرد خلال منتصف القرن الماضي إلى بداية القرن الحالي على الصعيد السوري والكردي عموماً.
وحينما نذكر الشاعر تيريج لا بد من ذكر الشاعر الخالد جكرخوين أيضاً لما كان لهما من دور بارز في إرساء اللبنة الأساسية للشعر الكردي المعاصر وباللغة الكردية وباللهجة الكرمانجية حصراً، لهجة كرد سوريا وباكور كردستان وأجزاء من باشور وروجهلات وروسيا، ومن هنا كان انتشارهم واسعاً رغم ظروف الاعتقال والمنع والسجن وحظر الكتابة باللغة الكردية ومنع طباعة أي منشورات كردية، فالشاعر الخالد جكرخوين الذي كان بمثابة معلمه وصديقه، وهو الذي ترك أثره الواضح وبصمته على كتابة القصيدة الكردية الكلاسيكية على خريطة الشعر الكردي منذ انطلاقته كشاعر له وزنه وتأثيره على مجمل الحركة الأدبية الكردية نثراً وشعراً، ولعل الشاعر تيريج كان التلميذ النجيب لهذه المدرسة الشعرية التي كرست نفسها لتكون صوتاً للإنسان الكردي المسحوق طبقياً وقومياً، وليكون الشعر صوته ورغباته وأمانيه، في الانعتاق من العبودية وليكون له وطناً حراً، كما لم يغفل عن قضايا الحب والعشق، وتعامل مع التاريخ، واستمد منه الكثير، ليقارن ماضي الكرد العريق بحاضرهم المتردي، وكتب أشعاراً عن جمال الوطن، وعن المدن الكردية وعن القرى والريف الجميل، وعن الطبيعة البديعة التي منحها الله لأرض وطنه؛ كردستان، وكتب عن جمال المرأة الكردية وتغزل بها في حدود وأقانيم اختلطت ما بين رمزيتها كوطن، وتماهت التخوم ما بين الوطن والمرأة، ورغم علومه الدينية والشرعية والفقهية القليلة والتي تركت أثرها العميق على وعيه المبكر، إلا أن علاقته مع أستاذه جكرخوين واختلاطه مع النخب المثقفة الكردية من سياسيين وأدباء تركت أثرها البالغ على وعيه الثوري، واكتسب تجربة عميقة من المعارف، وكانت الصحف والمجلات التي وصلت إليه عن طريقهم منبعاً ثرياً لمصادر ثقافته ومعرفته، كما أنه اهتم بالجانب الأدبي والتاريخي، فقرأ الكثير عن حياة وشعراء ممن سبقوه بقرون، مما أكسبه قوة التعبير وسعة المخزون اللفظي والقاموسي من الكلمات والمفردات، وأتقن علم العروض والوزن والموسيقى والوزن الشعري، وتعمقت تجربته، ولعل نصوصه الشعرية عن تجاربه في الحياة تكاد تكون كتاباً في المعرفة والحكمة، ولا تقل عن جوهر وفلسفة وشعر طاغور الهندي أو أحيقار السرياني، فقد أنشد الكثير من قصائد يمكن أن نطلق عليها أناشيد الحكمة، وأيضاً كان يغريه الربيع في البراري والتخوم المفتوحة، فيرى الأرض وقد ارتدت قفطانها الكردي المخضر كسندس فردوسي مزيناً ومزركشاً بالورد والزهر ويغرف من ماء ينابيعها وجداولها، ويرى جبال طوروس وجودي، ويستهويه الجمال فيكتب عن السهول والجبال والوديان والينابيع وجداول الماء العذب وعن العشب والزهر وعن جمال الوطن وعن نوروز وعن رموز البطولة والفداء، ويكتب عن شعلة نوروز وبطولة كاوا، ويكتب عن الطفولة وعن الأم وعن الغربة والحنين، باختصار نكاد لا نرى جانباً من الشعر إلا وقد توغل به، فقد أنشد بأسلوبه الشعري العميق قصائد مطولة في حب الأرض والوطن، وفي وصف جمال طبيعة الوطن الساحر، مستخدماً ذات الأوزان الشعرية التي سار عليها الأولون، كالجزيري والخاني ولاحقاً جكر خوين، ولم يكن يقيم وزناً للشعر المتحرر من الوزن والإيقاع والقافية، فكان يصفه بالنثر، ومعرباً عن رأيه والذي صرح به أكثر من مرة عبر حوارات صحافية أو برامج تلفزيونية بأنها نثر ممجوج ولا تعد بأي حال شعراً، وإنما هي تشويه لحقيقة الشعر الكردي، فيقول في أحد حواراته:
“إنني أرى الشعر نظماً ولحناً وقافية ومضموناً”. مثل هذه المعركة أو المعارك والصراعات بدأت على صعيد الشعر العربي أيضاً، وكان فطاحل الشعر الكلاسيكيون يرفضون قطعياً أي صلة بين الشعر الذي كانوا يبتكرونه بشكله الكلاسيكي المعروف والمتوارث منذ قرون وبين الحداثية الشعرية التي بدأت رياحها تهب على المنطقة العربية والكردية، ودار صراع قوي وعميق بين أنصار الكلاسيكية وأنصار الشعر الحر المتحرر من قوالبه القديمة والمتحرر من الشكل والقافية والوزن، وقد أثبت تاريخ الآداب بأن الشعر بامتلاكه الحيوية على توليد لغة المعاني فإنه لابأس أن يسمى شعراً رغم رفض الأغلبية من النخبة الأدبية لذلك، لكن الحياة الأدبية والتاريخ الأدبي ساهما بوتيرة سريعة لإرساء نظم وأسلوب الحداثية الشعرية الكردية التي لم تبتعد كثيراً عن الأصول الكلاسيكية للشعر الموزون، فأغلب شعراء الكردية لم يستطيعوا أن يتحرروا أو يبتعدوا عن المدرسة الكلاسيكية، ولا زالت مفرداتهم وصورهم الشعرية مسيطرة على المشهد الشعري، فالشاعرية التي امتلك ناصيتها جكر خوين وتلميذه سيداي تيريج من جهة التعبير والبلاغة واستخدام اللغة، وبها حلقوا في فضاءات الأدب نحو العلو كراية ملونة مزركشة بألف لون وألق، فعبر تيريج في نصوصه الشعرية الطويلة عن محبته وتعاطفه العميق مع الطبيعة ويمضي واصفاً الجغرافية الكردية من عامودا إلى سهول شهروز ودشت سروج وماردين وجياي مازي وآمد وسنندج وقامشلو ومهاباد مروراً بهولير فيكاد يذكر أسماء كل المدن الكردية وأنهار كردستان وجبالها وسهولها وروابيها… .
للمزيد تابع #الرابط_المرافق حيث تم نشر المادة بصحيفة روناهي بعدد يوم الاحد 22/3/2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى